د- عبد الله تركماني
لم يعرف الشعب السوري انتخابات حرة ونزيهة وتعددية منذ تسعٍ وخمسين عامًا، إذ كان القانون الانتخابي مصمماً لضمان احتكار السلطة من قبل رأس النظام، على المستويات كافة (التشريعية والتنفيذية والقضائية). وتحاول هذه المقاربة البحث عن المرتكزات المجدية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في سورية المستقبل، بعد عملية الانتقال السياسي والتأهب للتحوّل من الاستبداد إلى الديمقراطية. إذ يُعَدُّ إجراء انتخابات، في أعقاب الصراعات الأهلية، من الخطوات الأكثر أهمية لتأسيس السلام الدائم، وذلك من خلال إيجاد بيئة ديمقراطية، من شأنها دفع الأطراف إلى التنافس ضمن الحلبة السياسية وصناديق الاقتراع.
مهام المرحلة الانتقالية لترسيخ النظام السياسي الجديد
إنّ دور هيئة الحكم الانتقالي والجمعية التأسيسية الانتقالية مهم لإصدار مجموعة قوانين ممهدة لإجراء الانتخابات الحرة والنزيهة منها: قانون تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وقانون انتخابي، وتشكيل هيئة مستقلة للإشراف على كل مراحل الانتخابات. كل ذلك من أجل ضمان إجراء انتخابات تعددية، تمثل مختلف المكوّنات المجتمعية والسياسية، انطلاقاً من أنّ السيادة للشعب، ولا يجوز لفرد أو جماعة أو حزب احتكارها، يمارسها عبر الانتخابات الديمقراطية التي يضمنها قانون انتخابي عادل، يعتمد التمثيل النسبي الذي يضمن أوسع مشاركة سياسية واجتماعية.
وتلعب المؤسسات الانتقالية دوراً بارزاً في ترسيخ النظام السياسي التعددي الجديد الدائم، خاصة قدرتها على تشجيع تشكيل ائتلافات وطنية عريضة لمختلف الأطياف السياسية، من خلال نظام انتخابي يساعد على تشاركية الجميع، عبر تمثيل نسبي، في إعادة بناء سورية المستقبل. ذلك لأنّ السنوات الإحدى عشرة لثورة الحرية والكرامة أظهرت الاستقطابات الحادة في المجتمع السوري، بل الشروخ الإثنية والطائفية، مما يجعلنا نبحث عن أفضل السبل لضمان تمثيل عادل لمختلف الأطياف السياسية والمجتمعية. ومن أهم مؤسسات المرحلة الانتقالية، ذات الصلة بضمان انتخابات حرة ونزيهة:
- هيئة الحكم الانتقالي: تقوم بتهيئة المشهد الوطني، سياسياً وإعلامياً وأمنياً، لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية التي تنقل سورية إلى الحالة الدستورية. أي يتمثل دورها في الإشراف على إنشاء المؤسسات الانتقالية، لوضع الدولة على طريق الاستقرار، الذي ينتهي إلى مرحلة ترسيخ النظام السياسي الديمقراطي. ومن أجل الوصول إلى هذه المرحلة يجدر بهيئة الحكم الانتقالي أن تحرص على تشكيل ائتلافات واسعة لمختلف الأطياف السياسية والاجتماعية.
- جمعية تأسيسية انتقالية، يتم التوافق على تشكيلها من أصحاب الخبرة القانونية والاقتصادية والرموز الاجتماعية والسياسية، بشكل يراعي تواجد كافة مكوّنات المجتمع السوري. ويكون من مهامها العمل على إعداد مسودة دستور انتقالي توافقي، وأيضاً إعداد دستور دائم يعرض للاستفتاء الشعبي، وقانون انتخابي على أساس تقسيم جغرافي للدوائر الانتخابية على قاعدة التمثيل النسبي يضمن أوسع مشاركة في الانتخابات، وصياغة قانون تشكيل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وقانون الإعلام، على أن يتم إقرار كل القوانين السابقة من قبل هيئة الحكم الانتقالي.
- هيئة مستقلة للانتخابات: تشكلها هيئة الحكم الانتقالي من قضاة ومحامين ونشطاء الشأن العام، المشهود لهم بالنزاهة والمصداقية والوطنية، تشرف على كل مراحل الانتخابات النيابية والرئاسية والبلدية، بدءاً من سجل الهيئة الناخبة إلى عملية فرز الأصوات وإعلان النتائج، طبقاً لقانون الانتخابات المقر في الجمعية التأسيسية، بحيث يكون مركز مجلسها التنفيذي في العاصمة دمشق ولها فروع في كامل المحافظات السورية.
معايير ومؤسسات ضمان انتخابات حرة ونزيهة
إنّ التوافق على نظام انتخابي جديد يتطلب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الحالة السورية، بعد أحد عشر عاماً من المقتلة التي أودت بحياة مئات آلاف السوريين، إضافة إلى تشظّي البنى الاجتماعية. والهدف هو التمثيل النسبي للمكوّنات كافة في هياكل السلطة المختلفة، على قاعدة المصالحة الوطنية، إضافة إلى الأداء الحكومي الفعّال. ومن أجل ضمان ذلك يجب أن تتوفر المعايير التالية:
1 – التمثيل النسبي، إنّ لتصميم المعايير الانتخابية أثر إيجابي على السلم الأهلي في مجتمعات ما بعد الصراع، وتظهر أدبيات الانتقال الديمقراطي إجماعاً كبيراً على أنّ نظام التمثيل النسبي يُعَدُّ نظاماً ذا أفضلية، لما ينطوي عليه من إمكانية إعادة إحياء الحياة السياسية، وبالتالي زيادة نسب المشاركة في الانتخابات، وإنتاج سلطة تشاركية تضمن لكل الأطراف مشاركة في عملية اتخاذ القرار، مما يولّد توازناً ضرورياً تتمخض عنه سياسات معتدلة ومجدية. وبناء على ذلك، فإنّ تبنّي التمثيل النسبي سيساعد سورية على بداية جديدة، ليس في الحياة السياسية والتنمية المستدامة وإعادة البناء فحسب، وإنما في تجاوز العثرات البنيوية التي اتسمت بها دولة آل الأسد، والتي أدت إلى الحراك الشعبي من أجل الحرية والكرامة في آذار/مارس 2011.
إنّ نظام التمثيل النسبي يضمن حصول كل قائمة انتخابية على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات، التي حصلت عليها في صناديق الاقتراع في الدائرة الانتخابية التي تجري فيها الانتخابات. ويساعد هذا النظام في تمثيل أكبر عدد من الأحزاب في المؤسسة التشريعية، إضافة إلى أنه يساهم في جذب الناخبين على التصويت. وما أحوجنا في سورية المستقبل إلى عودة السياسة إلى المجتمع، بعد ديمومة التصحر السياسي لعقود من الزمن. بينما يؤدي نظام التمثيل الأكثري، أو نظام الأغلبية، إلى استحواذ الحزب الذي يحصل على أغلبية الأصوات على جميع المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، مما يفرض قيوداً على مشاركة الأحزاب الصغرى، ويقلّل من الإقبال على صناديق الانتخاب، وربما تكون له الأفضلية بعد استقرار النظام السياسي الجديد.
ومن مزايا مبدأ التمثيل النسبي أن يكفل التعددية، ويفسح في المجال لقوائم المستقلين عن الأحزاب، إذ تشير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في تفسيرها للمادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلى أنّ ” حق الأشخاص في الترشح للانتخابات لا ينبغي أن يقتصر بشروط غير معقولة، بأن يكونوا أعضاءً في أحزاب أو أحزاب بعينها “. وهكذا، يتميز نظام التمثيل النسبي بأنه يفتح في المجال لمشاركة كل مكوّنات الشعب السوري، إضافة إلى الأحزاب الصغيرة والناشئة، وهو يحفّز على قيام التحالفات السياسية.
2 – نزاهة الانتخابات، وهي مرتبطة بمراقبة تنظيمها في مراحلها المختلفة، بحيث يجب ألا يتولى موظفو الدولة الإشراف عليها، أو المشاركة في تعداد وفرز أصوات الناخبين. ويعتبر التلاعب في الانتخابات أحد معوّقات التحوّل الديمقراطي، وبالتالي العودة إلى النظام الاستبدادي. ومن أجل منع ذلك يجب الحرص على: الشفافية، والدقة، والمساءلة في كل مراحل العملية الانتخابية.
ومن أجل ضمان حرية ونزاهة الانتخابات يجب الالتزام بالمعايير الدولية المتعارف عليها، ومنها:
- إقرار الحق في الترشح والتصويت لكل المواطنين.
- سرية الاقتراع ووضع ضمانات لذلك.
- وجود إدارة مستقلة للانتخابات.
- توفير الرقابة المستقلة على كل مراحل العملية الانتخابية من قبل منظمات المجتمع المدني، المحلية والإقليمية والدولية، بما فيها إشراف هيئة الأمم المتحدة.
3 – المبادئ التوجيهية لإدارة الانتخابات، حيث يُعتبر قانون الانتخابات هو الإطار القانوني الذي ينظم العملية الانتخابية بكافة مراحلها، الذي تعتمده الهيئة السورية المستقلة للانتخابات في كل مراحل العملية (تسجيل المرشحين والناخبين وإعداد بيانات اعتمادهم، تحديد الدوائر الانتخابية، إنشاء صناديق الاقتراع، توزيع الصناديق على الدوائر الانتخابية، التصويت، الفرز، التدقيق).
ومن أجل ضمان كل المراحل السابقة، كي تكون الانتخابات حرة ونزيهة، يجب الحرص على تمكين المواطنين السوريين، في كل أماكن تواجدهم، من المشاركة في إنجاز الانتخابات على كافة المستويات: البلدية، والبرلمانية والرئاسية.