أمال شحادة
بدأ طريقه الجديد بتهديد حزب الله وإيران و”حماس” ويسعى إلى حماية مستقبله السياسي. خلال أول جلسة لحكومته، وجد رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد يائير لبيد نفسه في موقف لا يحسد عليه، فبدلاً من أن تكون الجلسة احتفالية طغت أجواء من التوتر وعدم الارتياح، انعكست على جميع وزرائه الذين انطلق كل منهم إلى معركته الانتخابية في منافسة بعضهم ومنافسته هو شخصياً.
وعلى وقع الأبحاث الأمنية لتداعيات التطورات الأخيرة بعد إطلاق حزب الله ثلاث طائرات من دون طيار على منصة حقل “كريش” للغاز المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، افتتح لبيد جلسة حكومته بتهديد حزب الله وحماس وإيران، لينضم إلى قافلة رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذين لجأوا إلى التهديد الأمني لتعزيز قوتهم الداخلية ونيل ثقة الجمهور الإسرائيلي.
وفي حال لبيد الذي سيخوض حزبه الانتخابات بعد أربعة أشهر، سيحاول استغلال كل مناسبة كرئيس للحكومة لتعزير ثقة الإسرائيليين فيه.
مهمات غير سهلة
“أمامنا مهمات غير سهلة وعلينا العمل ضد إيران وحماس وحزب الله في جميع الجبهات وفي أي وقت”.
بهذه الكلمات راح لبيد يهدد في جلسة الحكومة، واعتبر إطلاق الطائرات المسيرة استهدافاً للبنى التحتية في المياه الاقتصادية الإسرائيلية، وأضاف أن “حزب الله يمس بقدرة لبنان على التوصل إلى اتفاق حول الحدود البحرية، لكن من ناحيتنا ستستمر إسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها ومواردها”.
وبعيداً من المعركة الانتخابية التي انطلقت أجواؤها التنافسية بين لبيد ووزراء حكومته من مختلف الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، دعا لبيد إلى العمل معاً وإدارة الحكومة وكأنه لا توجد معركة انتخابية.
ودعوة لبيد إشارة غير مباشرة للأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي تعيشها إسرائيل وتتطلب جهوداً حثيثة، خصوصاً مع دخول البلاد موجة سادسة من جائحة كورونا وارتفاع غلاء المعيشة بشكل غير مسبوق من قبل.
“لا تدخلون في تجربة معنا”
تماماً كما كرر مرات عدة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو خلال تهديده حزب الله وإيران وسوريا وحماس بمقولته “لا تدخلوا في تجربة معنا”، عاد اليوم يائير لبيد على المصطلح التهديدي ذاته، وهذه المرة وجهه قبل وقت قليل من إسقاط الطائرات المسيرة الثلاث التي أطلقها حزب الله، وركز تهديده ضد إيران واعتبرها التهديد الأكبر لإسرائيل.
لبيد استبق جلسة الحكومة وتوجه مساء السبت إلى الإسرائيليين، وجاءت فحوى حديثه بمثابة رد على حملة التحريض التي يقودها ضده نتنياهو، خصوصاً ما يتعلق بتغلب المصالح الشخصية على مصلحة إسرائيل.
وقال لبيد، “ليس بالضرورة أن يكون الخلاف أمراً سيئاً طالما لا يمس استقرار الحكم وحصانتنا الداخلية، وطالما تذكرنا أننا جميعاً نتقاسم الغاية نفسها التي تتمثل بكون إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية ليبرالية قوية متقدمة ومزدهرة”.
يهودية الدولة وقانون القومية
وفي سياق حديثه، نجح لبيد بإيصال أكثر من رسالة للإسرائيليين من مختلف الميول الحزبية، خصوصاً ما يتعلق بيهودية الدولة وقانون القومية فقال، “نؤمن بأن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي وبأن إقامتها لم تبدأ في العام 1948 بل تعود ليوم عبور نهر الأردن من قبل يهوشع بن نون وما قام به من ربط الشعب اليهودي ببلاده والقوم اليهودي بالوطن الإسرائيلي إلى أبد الأبدين”.
وبعد محاولات كسب ثقة الجمهور في هذا الجانب عاد إلى الجانب العسكري ليعلن ضرورة الحفاظ على القوة العسكرية الإسرائيلية، “فمن دونها لا يوجد أي نوع من الأمن”.
وإزاء الفترة الزمنية القصيرة له كرئيس حكومة (أربعة أشهر) وخوض معركة انتخابية، حرص لبيد على إظهار نفسه كرئيس له دور خاص أيضاً في الحلبة الدولية.
وخص بحديثه “اتفاقات إبراهيم” التي اعتبرها “نعمة كبيرة من حيث الزخم الأمني والاقتصادي الذي أحدثته قمة النقب مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر والمغرب، بل وستكون نعمة كبيرة من خلال الاتفاقات التي سيتم إبرامها في المستقبل”.
تحديات لبيد
لبيد المعروف بليبراليته المتطرفة لم يقف يوماً في مواجهة الإدارة الأميركية، بل إنه يفضل الانصياع لها ولضغوطها، وهو جانب قد يجعل لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل على الرغم من الوضع السياسي وحل الكنيست أهمية قصوى في مصلحة لبيد وحزبه خلال المعركة الانتخابية، وهذا جانب يشكل تحدياً مهماً خلال الفترة القريبة.
واعتاد المواطن الإسرائيلي جعل العلاقة مع الولايات المتحدة والتعامل مع سياستها جانباً مهماً في الحملات الانتخابية للأحزاب المتنافسة، كون أميركا أهم الحلفاء الذين يؤمن الإسرائيليون من مختلف أطياف ميولهم الحزبية والسياسية بضرورة الحفاظ على هذه “الثروة الأمنية المهمة لهم”.
ويرى لبيد أن التحديات التي سيواجهها خلال فترته القليلة كثيرة، “وفي مركزها مكافحة إيران والإرهاب الداخلي وأزمة جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي وغلاء المعيشة وتعزيز الأمان الشخصي”.
لكن في نظرة شمولية أوسع نجد أن التحديات أكثر على الصعيد الداخلي، خصوصاً تجاه المواطنين وما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ظل الأزمة السياسية التي أبقت إسرائيل من دون موازنة لفترة غير قليلة، والوضعية الحالية لا تبشر بحلها في أعقاب الانتخابات.
وفي جانب لم يذكره المسؤول الإسرائيلي لكنه يعتبر واحداً من تداعيات هذه الأزمة، وهو هجرة الأدمغة الإسرائيلية ورفع نسبة الهجرة العامة من إسرائيل إلى الخارج، والأصوات المتعالية التي تحذر من فقدان الانتماء إلى إسرائيل، ولا شك في أن حديث أحد المواطنين الذي حظي بمشاهدة واسعة وأثار نقاشاً ضد متخذي القرار راسخ في ذهن لبيد، إذ قال هذا المواطن، “للمرة الأولى لم أشعر في يوم الاحتفالات بالاستقلال بحاجة إلى رفع علم إسرائيل على سيارتي وبيتي كما يفعل جميع الإسرائيليون، فانتمائي يتلاشى شيئاً فشيئاً”.
وأمام هذه الوضعية بين المواطنين لا يكفي أن يصرح لبيد بأنه حريص على يهودية إسرائيل والقومية، وهذا يشكل تحدياً ليس سهلاً.
وإذا ما تحدثنا عن الملف الإيراني فإن تهديده لإيران وحزب الله بعدم الخوض في تجربة إسرائيل غير مقنع للإسرائيليين، فهي مهمة من الناحية النفسية لمجموعات معينة، لكن من يتابع الملف الإيراني تحديداً والتطورات الأخيرة في تهديدات إيران وإعلان إسرائيل إحباط عمليات خططت لها ضد إسرائيليين في مقابل عمليات الاغتيال التي نفذتها تل أبيب ضد إيرانيين وفي عمق إيران، فهو جانب سيتطلب من لبيد وضعه على رأس اهتماماته لاضطراره إلى الاستمرار بهذه السياسة التي واصل بها نفتالي بينت بعد بنيامين نتنياهو، كما نصحه مقربون منه بالاستمرار بها بعد بينت، لكن السؤال هل لبيد قادر على مثل هذه السياسة؟
تحد آخر
تحد آخر يحتل نقاشاً إسرائيلياً في شأن قدرة لبيد في حسمه، وهو مدى التعاون والتنسيق مع المؤسستين العسكرية والأمنية لضمان جهوزية الجيش الإسرائيلي لأية حرب مقبلة، وفي هذا الجانب قدم أمنيون نصائح للبيد مع تحفظهم على إمكان نجاح الجيش في الاستعداد لمختلف السيناريوهات المتوقعة.
ومن بين هذه النصائح تطوير قدرات الجيش على ضرب أهداف نووية في العمق الإيراني، وبحث سبل مواجهة احتمال تشكيل تحالف بقيادة إيران يشارك في حرب على ثلاث جبهات تطلق خلالها على إسرائيل آلاف الصواريخ الدقيقة والمتطورة”. كما دعوا لبيد إلى عدم التراجع عن الخطوط الحمراء سواء تجاه حزب الله في لبنان أو تجاه سوريا، والاستمرار بقصف دمشق ومنع انتشار تموضع إيران أو نقل أسلحة إلى حزب الله، وفق مسؤول أمني إسرائيلي.
المصدر: اندبندنت عربية