فاروق يوسف
لم يكن الرئيس العراقي صدّام حسين هو الذي اخترع مفهوم “بوّابة العالم العربي الشرقية”، بل كانت الجغرافيا قد قالت كلمتها مستعينةً بتاريخ مضنٍ من الحروب.
وليست إيران الخمينيّة هي التي اخترعت الأطماع الفارسية في العالم العربي ولا كراهية الفرس للعرب التي هي واحدة من أسوأ صور العنصرية عبر التاريخ. لم يكن الفرس إلا جيران سوء عبر التاريخ.
ما يُقال عن أنّ الدين الواحد يقرّب بين الشعوب لا يصلح للقياس في حالة الفرس. فالإسلام الذي هو ديننا ودينهم كان سبباً رئيساً لموقفهم العدائيّ منّا، وذلك لأنّهم يعتقدون أنّ العرب من خلال الإسلام قد دمّروا حضارتهم.
على مائدة ذلك الشعور يجتمع الفرس كلّهم، رَجْعيّوهم وتقدّميّوهم، أمّيّوهم ومثقّفوهم، ولا استثناء.
تسكن الشاهنامة عروقهم.
في حرب الثماني سنوات (بدأت في السنة الأولى من ثمانينيّات القرن الماضي ولمّا تنتهِ) ظنّ البعض أنّ مصطلح “البوّابة الشرقية” هو عبارة دعائية وحسب فيها الكثير من المبالغة. لكنّ احتلال العراق عام 2003 وانهيار دولته الوطنية أثبتا بما لا يقبل الشكّ أنّ العالم العربي من غير العراق صار ملعباً مكشوفاً للإيرانيّين.
هل كانت إيران تجرؤ على قصف أراضي المملكة العربية السعودية لولا سقوط العراق؟
ذلك حدث معلن لم يتمكّن أحد من إخفائه. أمّا الاختراقات الإيرانية للشؤون الداخلية لدول الخليح العربي فإنّها أكثر من أن تُحصى. فبين حينٍ وآخر يتمّ الكشف عن خلايا تجسّس وتخريب تابعة للحرس الثوري الإيراني.
حين كان العراق قويّاً كان اليمن بعيداً عن اليد الإيرانية. ولو أنّ العراق لا يزال قائماً ما كان للبنان أن ينحدر إلى الهاوية برعاية حزب الله، الوكيل الرسميّ للنظام الإيراني.
مسؤولية صدام حسين
لقد ضحّى الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين بتلك البوّابة يوم غزا الكويت.
منذ ذلك اليوم والعرب في حالٍ تسوء مع الوقت. فما من بديل بعدما انهدم الجدار الذي كان يحمي العالم العربي. وجبل النار الذي تمنّاه الخليفة الراشديّ عمر بن الخطّاب كان هو العراق.
جرّب العرب بعد سقوط العراق كلّ اللغات للتفاهم مع إيران من غير جدوى. فشلت كلّ محاولاتهم لإعادة إيران إلى حظيرة الدول التي تحترم القانون الدولي الذي يرعى شروط التعاون المشترك بين الجيران وتطوير تبادل الخبرات في مناخ من الاحترام المتبادل.
لا تصلح إيران أن تكون جارة للعالم العربي. غير أنّ الجغرافيا تقول العكس. وبسبب الجغرافيا، فقد قُدّر للعراق أن يكون في قوّته السدّ الذي يحمي العرب، وفي الوقت نفسه الممرّ الذي يرتاده الغزاة الفرس من أجل الوصول إلى قلب العالم العربي إذا ما كان ضعيفاً.
لم يكن ذلك درساً نظريّاً قائماً على مخاوف مسبقة. من أعمته وحشيّة صدام حسين وعنفه وسلوكه البدائي كان محقّاً في أن لا يرى أبعد من أرنبة أنفه. لكنّ الزمن أثبت أنّ القادم أسوأ، وأنّ إيران التي تعاونت مع الأميركيّين من أجل إنجاح مشروعهم التدميري من خلال احتلالهم العراق، كانت تخطّط لاختراق العالم العربي من خلاله.
ضرب احتلال الكويت كلّ معادلات التوازن. وما التخلّي عن العراق إلا خطأ استراتيجي سيدفع العرب ثمنه العظيم، وسيكون عليهم دائماً أن ينظروا بندم إلى التاريخ الذي عجزوا عن المساهمة في صناعته. لقد تركوا العراق يسقط في العتمة. يومذاك فُتحت بوّابتهم للفرس، ولم تُغلق منذ عشرين سنة. لا أحد منهم يمكنه الحديث عن أمن قوميّ من غير النظر بأسى إلى العراق الذي صار بمنزلة جبهة نار معادية.
لذلك لا يمكن أن يُترك العراق في محنته على الرغم من أنّ طبقته السياسية، التي هي جزء من الوصفة الأميركية لعزل العراق عن محيطه العربي، غير مستعدّة للتعامل بصدقيّة مع العروض العربية الكريمة في المجال الاقتصادي. فالعراق في وضعه الحالي هو ممرّ إيراني، غير أنّ ذلك وضع مؤقّت ينبغي التعامل معه بحذر في انتظار التحوّلات الكبرى التي يمكن أن تخلقها إرادة شعب متمرّد مثل الشعب العراقي.
مثلما يحتاج إليهم فإنّ العرب في حاجة إلى العراق قويّاً وسليماً. فهو بوّابتهم الشرقية التي حين سقطت اختلّ كلّ شيء في حياتهم.
* كاتب عراقيّ مقيم في السويد
المصدر: أساس ميديا
رؤية صائبة لولا أن صاحبها ثمن أكثر من الحقيقة عروض النظم العربي ذات الشأن لعودة العراق إلى دوره العربي باعتباره بوابة العرب الشرقية، فهذه العروض جميعها جزء من النسق الأمريكي الذي احتل العراق ودمره وسلمه لإيران عبر العملاء الذين شكلوا نظامه الجديد.
ولا شك أن تقديره لحاجة العرب إلى عودة العراق تقدير صحيح، لكني لا أظن أن هذه الحاجة هي نفسها حاجة النظام العربي للعراق ، فهذا النظام -إن صح عليه هذا الوصف – بات شديد الارتباط بمنظومة الرؤية الأمريكية – الاسرائيلية لمنطقتنا ولإقليمنا الممتد من المحيط الى الخليج.
ثم إنه كان مفيدا أن يوضح أثر التشيع الفارسي العنصري. وأثر نظرية ولاية الفقيه، في تقعيد وقوننة هذا الحقد الذي يتبدى لدى النظام الايراني ضد العرب أمة وشعوبا ومجتمعات ونظما.
قد يكون من واجب الكاتب أن يبقي فرجة أمل، حتى لا يساهم بدفع المتلقي الى جدران اليأس، لكن من المهم جدا أن تكون هذه “الفرجة” حقيقية ومستندة إلى واقع موضوعي، أو حتى إلى احتمال ممكن.
د- مخلص الصيادي