عدنان عبد الرزاق
تنبّهت تركيا، بعد 11 عاماً على وجود اللاجئين السوريين على أراضيها، إلى مخاطر “الكثافة السكانية” وتمركُز ثلث اللاجئين السوريين في الولايات الجنوبية المحاذية للحدود السورية، بواقع مليون و414 ألفاً و80 سورياً، لتتصدر ولاية عينتاب أكثر المدن الجنوبية استقطاباً للاجئين السوريين، بواقع 449 ألفاً و667 شخصاً، تليها هاتاي بنحو 435 ألفاً و699 شخصاً، ثمّ شانلي أورفة بنحو 423 ألفاً و711 سورياً، وأخيراً كلّس الحدودية بنحو 105 آلاف شخص.
وأعلنت وزارة الداخلية أخيراً عن خطّة للتخفيف من تركيز الكثافة السكانية للمقيمين السوريين في تركيا، بعد ظهور انتقادات حول تركز السوريين في أحياء ومناطق خاصة بهم، لتشمل الخطة، بحسب تصريح وزير الداخلية سليمان صويلو، خلال لقائه مع ممثلي وسائل الإعلام في أنقرة، عدم منح أي أجنبي تصريح إقامة في المناطق التي يزيد عدد السكان الأجانب فيها عن 25 في المائة من إجمالي السكان، ويستمر تطبيق الخطة حتى تنخفض النسبة إلى ما دون 20 في المائة.
ويؤكد صويلو أنه ينبغي تقليص الكثافة السكانية للسوريين حتى لا يؤدي ذلك إلى تدهور التركيبة السكانية في تركيا، معلناً أن وزارته بصدد تنفيذ خطة في هذا الإطار. وتتضمن خطة “مكافحة التركيز السكاني”، بحسب العامل السابق في مديرية الهجرة شوكت أقصي، توزيع اللاجئين السوريين من حملة بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك) “بشكل طوعي” على جميع الولايات التركية. ويكشف، في حديثه لـ “العربي الجديد”، أنه بدأ التحضير للخطة منذ مقتل التركي أميرهان يالتشين على يد سوريين في أغسطس/آب 2021 في حي ألتينداغ في العاصمة أنقرة، ولاحظنا منذ ذلك نقل أكثر من 4 آلاف سوري إلى خارج حي ألتينداغ منعاً للاصطدام وتجدد العنف“.
وكانت السلطات التركية قد أعلنت، في شهر فبراير/شباط الماضي، “أنها نقلت في إطار المشروع 4514 لاجئاً من منطقة آلتنداغ إلى مدن أخرى، وأتلفت 309 مبانٍ مهجورة يستخدمها اللاجئون، إلى جانب إغلاق 177 مكان عمل تعود للسوريين في المنطقة نفسها”. ويؤكد أقصوي أن الخطة لا تتضمن الإلزام المباشر، لكنها ستمنع كثافة تواجد السوريين في مدن أو أحياء باتوا أكثرية فيها، كما حصل في حيي ألفاح واسينيورت بإسطنبول، على ألا تزيد نسبة السوريين في الحي عن 25 في المائة من السكان الأتراك. وتتضمن الخطة، كما تقول مصادر لـ “العربي الجديد”، مرحلتين: الأولى هي إغلاق تسجيل قيود جديدة في نحو 1169 حيا في الولايات التي استقطبت أعداداً كبيرة، وهي المدن التي توجه إليها السوريون بكثافة (أنقرة، أنطاليا، أيدين، بورصة، تشاناكالي، دوزجي، أدرنة، هاتاي، إسطنبول، إزمير، كيركلاريلي، كوجالي، موغلا، سكاريا، تكيرداغ ويالوفا).
وستركز الخطة، ضمن المرحلة الأولى، على ولاية إسطنبول، التي يقطن فيها نحو 525 ألفاً و241 سورياً، أي ما يعادل 3.50 في المائة من عدد السكان الإجمالي للولاية، ليصار إلى إغلاق أحياء جديدة أمام تسجيل الأجانب، بعد تطبيق هذا القرار في أحياء اسينيورت والفاتح وششلي وتوزلا وعمرانية وزيتون بورنو وسرايير وكوتشوكشك مجه وإسنيورت وبي أوغلو وبشكتاش وأفجلار وباشاك شهير وبليك دوزو ويهتشيلي إيفلار.
كما شمل إغلاق أحياء أمام تسجيل الأجانب 52 ولاية، كما تقول مصادر خاصة لـ “العربي الجديد”، كحي كاراتاش وسيحان بأضنة، وأحياء ماماك وبي بازار وآلتن داغ بأنقرة، وعثمان غازي في بورصة، وإصلاحية وكالكاميش وأرابان ونيزيب في غازي عنتاب، ليبلغ عدد الأحياء التي ستغلق أمام تسجيل السوريين، اعتباراً من يوليو/تموز الجاري، 1169 حياً، وقد أغلق منذ فبراير/شباط الماضي 781 حياً.
أما المرحلة الثانية، فتتضمن إسكان السوريين في البلديات والمدن ذات الكثافة السكانية القليلة، وفي أقضية ومحافظات على أساس تطوعي. ويرى مدير دار الاستشفاء بمدينة الريحانية في ولاية هاتاي، ياسر السيد، أن الأمر “ليس سراً”. وأعلنت رئاسة الهجرة عن معظم ملامحه، قبل أن يكشف صويلو التفاصيل أخيراً. والمشروع أو الخطة، بحسب رئاسة الهجرة، يهدف إلى إغلاق المناطق المكتظة بالسوريين في مختلف الولايات التركية، في إطار ما بات يعرف بـ “مشروع التخفيف”.
يبلغ عدد السوريين من حملة الكيملك ثلاثة ملايين و672 ألفا و646 (أوزان كوزيف/ فرانس برس)
مهاجرون وأنصار
وحول إيجابيات وسلبيات الخطة، يوضح السيّد لـ “العربي الجديد” أن تركيا، ومنذ بداية لجوء السوريين عام 2011، لم تحدد، على غرار الدول الأوروبية، الأمكنة التي يمكنهم السكن فيها أو تتدخل في توزيعهم، وربما هذا خطأ. حينها، كان الظن بأن اللجوء مؤقت، وتم التعامل معهم كـ “مهاجرين وأنصار”. لكن بعد طول فترة اللجوء وكثافة السوريين في بعض الولايات بما يفوق عدد الأتراك، على غرار ولاية كلس التي يقال إن نسبة السوريين فيها تقدر بنحو 74 في المائة من أصل السكان، في حين يعيش في ولاية بايبورت نحو 23 سوريا، وأرتفين نحو 38 سوريا، وتونجلي نحو 43 سوريا، كان لا بد من اتخاذ إجراء مماثل، في ظلّ زيادة الاحتقان بسبب تصريحات المعارضة وتحميل السوريين وزر تردّي الواقع المعيشي وقلة فرص العمل.
في هذا الإطار، يرى أن الخطة إيجابية، شرط ألا يتخللها الإلزام، وأن تأخذ بالحسبان تلامذة المدارس وعمل السوريين. ويأمل أن “تعتمد الحكومة وسائل إغراء وتسهيلات للسكن في الولايات التي لم يقصدها السوريون، كفرص عمل وتسهيلات في السكن ونقل السجلات، بما فيها تلك المتعلقة بالصحة والدراسة”.
ويبلغ عدد السوريين، من حملة بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك) في تركيا ثلاثة ملايين و672 ألفا و646 سوريا في جميع الولايات، ما نسبته 4 في المائة من عدد السكان. لكن التمركز في إسطنبول أولاً بأكثر من نصف مليون سوري، ثم في الولايات الجنوبية القريبة من الحدود السورية بنحو مليون ونصف المليون سوري، موزعين على محافظات غازي عنتاب، كلس، هاتاي وأورفة. ولم يبق في المخيمات سوى نحو 56 ألف سوري، بحسب إحصائيات دائرة الهجرة التركية، موزعين على ملاجئ في ولايات أضنة وهاتاي وكهرمان مرعش وكلس والعثمانية.
ويقول مدير الهجرة ومركز الدعم المعنوي، في نزيب بريف غازي عنتاب جلال ديمير: “من خلال اطلاعي المباشر ومعايشتي اليومية للاجئين السوريين لكوني عملت مديراً لمخيم نزيب خلال بدايات اللجوء، فإن الهدف كان حماية السوريين من الخطر وشر النظام السوري. لذلك، تم فتح الحدود والمدن والبيوت للجميع.
وكلما زادت الأعداد، كانت تفتتح مخيمات جديدة ويسمح للسوريين بالسكن والتنقل أينما يشاؤون”. يضيف في حديثه لـ”العربي الجديد”: “في ظل عدم إجادة اللغة التركية والأمل في العودة إلى سورية، شهدنا كثافة في المناطق الحدودية القريبة كعنتاب وهاتاي وأورفة وكلس، الأمر الذي شكل مجتمعات سورية ضمن الولايات التركية. وهذا محبب ومرحب به ونتمناه، لولا التحريض من المعارضة التركية، واستغلال قضية السوريين لأغراض سياسية، ما دفع وزارة الداخلية إلى طرح خطة إعادة التوزيع بشكل كيفي وطوعي، انطلاقاً من أنها تصب في مصلحة السوريين، على اعتبار أن تكاليف العيش في الولايات البعيدة أقل وطبيعتها ممتازة ولم تصلها رياح التحريض”.
ويؤكد أن “اللاجئين غير مجبرين على السكن في ولايات محددة، لكن لن يتم السماح بزيادة الكثافة والإقامات الجديدة في الأحياء والولايات التي أحبها أهلنا السوريون وزادوا في بعضها عن نسبة الأتراك”.
إلى ذلك، يقول السوري الذي يعمل في القطاع السياحي محمد إبراهيم (29 عاماً) إن الحد من الكثافة لن يكون إلزامياً، إلا أن تركيا بدأت تعتمد العديد من الخيارات التي من شأنها الحد من أعداد السوريين في الأحياء أو الولايات الراغبة في الحد من هذه الكثافة. يضيف: “لم يعد الكثير من السوريين قادرين على دفع بدل الإيجار في العديد من الأحياء في إسطنبول، بعد رفعها، الأمر الذي دفع البعض إلى ترك الحي وربما الولاية. اليوم لا يقل بدل إيجار منزل في حي الفاتح عن 5 آلاف ليرة تركية، وهو راتب السوري الشهري”. كما يلفت إلى صعوبات تتعلق بالتنقل بين الولايات وضرورة الحصول على إذن سفر، والتضييق في بعض الدوائر الرسمية، الأمر الذي سيدفع السوريين للانتقال إلى ولايات بعيدة، أو ربما العودة إلى شمال سورية والسكن الطوعي والعودة الطوعية. صحيح أن ذلك ليس إلزامياً، لكن التضييق وغلاء المعيشة يصبحان مكروهين”.
ويتمنى أن تقدم الحكومة التركية تسهيلات وفرص عمل وإقامة لائقة في الولايات التي تريد توزيع السوريين عليها. “نريد الوضوح فقط. حينها قد يفاجأون بالأعداد التي ستغادر إسطنبول، لأن نفقات المعيشة وموجات الكراهية التي يمارسها بعض الأتراك باتت متعبة وخطرة في آن”.
المصدر: العربي الجديد