رأي القدس
نشرت في الأيام الأخيرة عدة تقارير حول أشكال من الاستثمارات العالمية والعربية في الحلقة الضيقة التي تدير النظام السوري، بأشكال علنية، أو بطريقة مداورة، تتخفى خلف واجهات شركات غربية أو أشخاص مقيمين في الغرب وترتبط بعصابات المافيا وتهريب المخدرات.
أحد أشكال الاستثمار هذه، حسب موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، يتم علانية، وأحيانا بطريقة مداورة، من خلال الأمم المتحدة التي تتعاقد مع شركات تجمعها علاقات برئيس النظام في سوريا، بشار الأسد. بالرجوع إلى بيانات المشتريات الخاصة التي صدرت الأسبوع الماضي تبين أن هيئات الأمم المتحدة اشترت سلعا وخدمات في سوريا بأكثر من 240 مليون دولار، وأن إجمالي نفقاتها في فندق فورسيزونز، منذ 2014، كان 81,6 مليون دولار.
يشير الرقم الأخير إلى مفارقة معلومة، ليس في سوريا وحدها، بل كذلك في دول الجوار المحيطة التي تؤوي لاجئين سوريين، فهيئات الأمم المتحدة التي تنفق هذه الأرقام، تنتزع عمليا، نسبة وازنة من الأموال الدولية، وتقوم بصرف جزء كبير منها على شركات يديرها، من الخلف، عناصر مرتبطون بقادة النظام السوري، كما تلتهم جزءا منها للأجهزة البيروقراطية والمالية المولجة بإيصال المساعدات الإنسانية للنازحين والسوريين، وهي بذلك لا تأخذ جزءا كبيرا من الأموال المخصصة للبائسين والفقراء والنازحين واللاجئين، بل تقدم حصة كبيرة منها أيضا للنظام المتسبب بالكارثة التي ألمت بأولئك السوريين.
تستخدم هيئات الأمم المتحدة العاملة في سوريا، كما يقول التقرير، «شركات أمنية» وإحدى الشركات، وهي خاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي، تلقت 600 ألف دولار العام الماضي، بينما حصلت في العام 2015 على 4,1 مليون دولار، وأنفقت هيئات الأمم المتحدة 1,5 مليون دولار على شركة يديرها ضباط سابقون، وتربطها علاقات بماهر الأسد، الذي يدير فرقة كانت، منذ عام 2011، أكبر المشاركين في عمليات القمع ضد المدنيين في سوريا، وهي الآن مركز إدارة عصابات مخدرات دولية.
إضافة لذلك، يقوم النظام بتوجيه ملايين الدولارات من أموال المساعدات إلى مسؤوليه الأمنيين والحكوميين، وتقوم بعض المنظمات، مثل «يونيسيف» (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) بحجب أسماء مورديها، تجنبا على ما يبدو للكشف عن معلومات مثيرة للجدل.
يظهر تقرير آخر نشره موقع «ميديا بارت» الفرنسي للصحافة الاستقصائية أن زعيم مافيا المخدرات الصقلي ألبرتو أماتو، الذي تم اعتقاله قبل فترة والحكم عليه بالسجن 10 سنوات، كان على علاقة مع أقارب لرئيس النظام السوري، وأن أحد المشتغلين معهم، الذي يعمل في تجارة الشحن ويسكن مدينة سان ريمو القريبة من الحدود الفرنسية، كان صلة الوصل بين الأسد وزعيم مافيا المخدرات الإيطالية، كما كشف الموقع أيضا أن أحد مساعدي ماهر الأسد، (وهو لواء في الفرقة الرابعة يدعى غسان بلال، ويشار إليه بـ«جزار الغوطة») مسؤول عن تنسيق العلاقة بزعيم المافيا وتاجر الشحن.
غير أن أغرب أشكال الاستثمار المعلنة التي كشفت مؤخرا كان إنتاج فيلم صيني ـ إماراتي من بطولة الممثل جاكي شان (الذي أعلن أنه لن يزور سوريا) في حي الحجر الأسود، الذي هو امتداد لمخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، والذي ألحقت به غارات النظام السوري تدميرا هائلا.
يحمل الموضوع جملة من المفارقات الكثيفة، بدءا من إعلان استمرارية الخراب والدمار في ضواحي العاصمة دمشق، مرورا بتحول مناطق الحرب في سوريا إلى مواقع تصوير سينمائي، ووصولا إلى اختيار البلد، المشهور بالقمع الوحشي المتواصل لمواطنيه، للاستثمار فيه.
مفهوم أن النظام السوري، الذي أصبح منبوذا دوليا، منذ فترة طويلة، دخل في مرحلة «السوق السوداء» العالمية، وأن تحوله إلى أداة روسية ـ إيرانية، وجغرافيا مفتوحة للضربات الإسرائيلية، صار متوازيا مع قصص كشف وسائل غريبة من تهريب المخدرات، والقبض على شحناتها في كل أنحاء العالم، لكن تحول المناطق التي دمرها إلى استديو سينمائي عالمي مفتوح، وتواطؤ هيئات الأمم المتحدة، أشبه بكوميديا سوداء تفاجئنا في إخراجها مؤسسات الشرعيات الدولية وصناعة السينما الهوليوودية.
المصدر: القدس العربي