حسن فحص
كان شريكاً في الإعدامات بالسنوات الأولى من الثورة وحول مجلس صيانة الدستور إلى مقصلة لاستبعاد المعارضين. يعد أحمد جنتي المولود في مدينة أصفهان عام 1927 من أعمدة النظام الإسلامي الذي نشأ في إيران بعد ثورة 1979 بقيادة المؤسس آية الله الخميني. ویتضح موقع هذا الرجل مع بداية تشكل مؤسسات النظام، إذ كان من بين الفقهاء الستة الذين عينهم الخميني لعضوية مجلس صيانة الدستور في أول دورة له، واستمر في هذه العضوية إلى جانب توليه منصب الأمانة العامة لهذا المجلس حتى عام 1992 عندما عينه خليفة الخميني المرشد الأعلى علي خامنئي رئيساً لهذا المجلس، واستمر في هذا الموقع حتى اليوم، إذ جدد خامنئي له على رأس هذه المؤسسة للمرة السادسة، على الرغم من بلوغه سن الخامسة والتسعين من العمر.
بدأ جنتي مسيرته العملية من الحوزة الدينية في مدينة أصفهان، قبل أن ينتقل إلى مدينة قم، وأتقن إلى جانب دراسته الدينية اللغتين العربية والإنجليزية، واشتغل في تدريس العلوم الدينية، ومنها 14 عاماً في المدرسة الحقانية، التي تعتبر ما قبل الثورة وبعدها من أبرز المراكز التي عملت على تخريج الكوادر من رجال الدين الذين نشطوا خلال التحركات الثورية إلى جانب الخميني، ولاحقاً بعد الثورة تحولت هذه المدرسة إلى مصدر لأكثر الشخصيات الدينية تشدداً في الدفاع عن النظام و”الحكومة الإسلامية” في مواجهة التيارات الديمقراطية أو الإصلاحية أو الحوارية. وهي المدرسة التي أتى منها غالبية رجال الدين الذين تولوا منصب وزارة الاستخبارات في النظام. وتعرف هذه المدرسة بأنها الأقرب إلى تبني توجهات رجل الدين المتشدد محمد تقي مصباح يزدي الذي يرفض القبول بأي دور للشعب في اختيار المرشد وانتخابه، لاعتقاده أن المرشد لا ينتخب، بل يكشف عنه، وأن عملية الكشف عن المرشد والقائد وولي الفقيه ترجمت من خلال إجراء شكلي يسمى عملية الاقتراع.
مسيرته في قم
خلال وجوده في قم وقبل انتصار الثورة، انضم جنتي إلى جمعية مدرسي الحوزة الدينية، التي نشطت في تنظيم التحركات والتظاهرات والاعتراضات ضد نظام الشاه، فكان أن اعتقلته أجهزة الشاه الأمنية (سافاك) ثلاث مرات لمدة ثلاثة أشهر مجتمعة، في المرة الأخيرة أبعد عن قم إلى مدينة أسد أباد في محافظة همدان لمدة ثلاث سنوات.
يقول الشيخ صادق خلخالي، مدعي عام الثورة في السنوات الأولى، والمتهم بتنفيذ سلسلة من عمليات الإعدام لكبار مسؤولي النظام الملكي وحتى المعارضين، ومن بينهم رئيس وزراء الشاه عباس هويدا، أن زعيم الثورة والنظام الخميني أصدر حكماً لأحمد جنتي مشابهاً للحكم الذي أصدره له، ما يعني أن جنتي منذ البداية كان شريكاً لخلخالي في المحاكمات والإعدامات في السنوات الأولى من الثورة، وأن الإثنين، عملاً على مبدأ أنهما مجتهدان في العلوم الدينية واستنباط الأحكام، وأنهما إذا أخطأ فإن لهما أجراً وأحداً، وهو أجر الاجتهاد في الحكم، وإذا أصابا فإن لهما أجران، أجر الاجتهاد وأجر الحكم، وذلك بناءً على القاعدة الفقهية والأصولية، التي تقول إن العالم إذا اجتهد فأخطأ فله أجر، وإذا أصاب فله أجران. وبناءً على قرار التعيين الصادر عن الخميني فقد مارس جنتي مهمته في محكمة “المجرمين الطواغيت” وأصدر أحكاماً بالإعدام بحق جماعة منهم في مدينة الأهواز طهران.
وتنقل وكالة أبناء الطلبة شبه الرسمية “إيسنا” خلاصة لحديث أجراه جنتي مع برنامج “بطاقة هوية” بثته مؤسسة الإذاعة والتلفزيون عام 2015. يقول فيه تعليقاً على الأحكام التي أصدرها في محكمة الثورة، “أنا أعلم وأعرف المبادئ العامة، وهذا طبيعي أن هناك أشخاصاً يجب أن يحاكموا، وهذه المحاكمات كانت بناءً على حجم الجرم الذي ارتكبوه، وبعض أعضاء النظام السابق حكم عليه بالسجن، والبعض بالجلد، والبعض بالإعدام، وقد كنت على تواصل مع الإمام، وكنت في بعض الأحيان أواجه تعقيداً، فكنت أسأل الإمام عن الذين يمكن إعدامهم، فقال لي شيئاً وطلب مني أن أعمل بناءً عليه، لقد كنت أقوم بعملي في كثير من الأحيان بإشرافه”.
عدو الديمقراطية
خلال توليه إمامة صلاة الجمعة في مدينة طهران، حيث عينه فيها خامنئي عام 1992 واستمر فيها حتى 2016، وهي الفترة التي شغل فيها أيضاً رئاسة لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يتردد مطلع عام 2001 وخلال تولي محمد خاتمي رئاسة الجمهورية وسيطرة الإصلاحيين على البرلمان، أن يعلن موقفاً متطرفاً غير مسبوق بشكل علني من على منبر صلاة الجمعة برفض العملية الديمقراطية، والدعوة لضرورة تطبيق الأحكام الإسلامية على المجتمع على جميع المستويات، معتبراً أن الانتخابات لا تتعارض مع مبدأ ولاية الفقيه، مشيراً بالقول، “ماذا ينقص إيران لتطبق الأحكام الإسلامية كما تفعل حركة (طالبان) في أفغانستان، وأن النظام الإسلامي عليه مسؤولية أخذ الناس إلى الهداية حتى ولو بالقوة ليضمن لهم آخرتهم يوم الحساب”.
في عام 2015 توفيت زوجة جنتي السيدة صديقة مظاهري، فتزوج ثانية وهو في سن الثامنة والثمانين. وله من زوجته الأولى أربعة أولاد، هم علي وحسن وحسين ومحمد. أما ابنه علي فهو حاضر في الحياة السياسية الإيرانية، ويميل في مواقفه السياسية إلى المعسكر المخالف لوالده، فكان مقرباً من الشيخ هاشمي رفسنجاني ومديراً لمكتبه في رئاسة الجمهورية، فضلاً عن كونه أحد المقربين والعاملين مع محمد منتظري نجل آية الله حسين علي منتظري، المرجع الذي تحول إلى رمز معارضة نظام ولاية الفقيه بعد أن كان نائباً للقائد الخميني. إلا أن المحطة الأساس في أولاده، تكمن في ابنه حسين الذي كان ناشطاً في تنظيم مجاهدي خلق، العسكري السري، وقتل في مواجهة مع حرس الثورة مع زوجته فاطمة سروري عام 1982، ثم قتل ابنه حفيد جنتي خلال تأدية واجبه في جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يعتبر جنتي من المناصرين والمؤيدين للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وهو لم يخرج في ذلك عن رأي مرشد النظام، إلا أن تأثيرات مصباح يزدي كانت ظاهرة في هذا الموقف، بخاصة أن يزدي كان من أشد المؤيدين والمتحمسين لأحمدي نجاد، وقد دافع جنتي عن أحمدي نجاد بشدة بوجه كل الأطراف التي عارضته أو انتقدته، حتى إنه وصف هؤلاء بعد انتخابات عام 2009، وتحديداً خاتمي ورفسنجاني ومير حسين موسوي وكروبي، بأنهم بناءً على ما يملكه من وثائق “قادة الفتنة وتلقوا مليار دولار من الولايات المتحدة الأميركية عن طريق السعودية. وقال لهم السعوديون إذا استطعتم القضاء على النظام، فإننا سنعطيكم 50 مليار دولار، إلا أن الله أطفأ هذه الفتنة على أيدي عباده الصالحين”، ثم بعد أن وضع النظام كلاً من كروبي ومير حسين موسوي في الإقامة الجبرية، قال عام 2014 إن هذين الرجلين بقيا حتى الآن على قيد الحياة، وكان من المفترض أن يحكم عليهما بالإعدام.
وخلال توليه لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن على منبر صلاة الجمعة في طهران، طالب جنتي الحكومة والدولة بفرض الحجاب الكامل “التشادور” على طالبات الجامعات وموظفي الحكومة والإدارات، ووصفهن بـ”المعتاشين والمرتزقين” من الدولة.
الذراع الضاربة للنظام
ويعد جنتي الذراع الضاربة للنظام والدولة العميقة ومنظومة السلطة، فهو الذي أسهم وحول مجلس صيانة الدستور، إلى مقصلة لاستبعاد كل من يعتقد أنه معارض للنظام الإسلامي أو لديه رأي لا ينسجم مع القراءة الرسمية لآلية السلطة والإدارة. وقد برز هذا الدور وتحددت هذه المهمة، مع تشكيل هذا المجلس عام 1980، وخلال الدورة الأولى لبرلمان ما بعد الثورة الذي ضم على مقاعده جميع أطياف الحياة السياسية من ليبراليين ومجاهدي خلق ومدنيين وإسلاميين ويساريين، إذ بدأ النظام بالتخلص من كل الأصوات المعارضة للسلطة الدينية، بالتالي بات الوضع يتطلب العمل على إقصائهم قانونياً ودستورياً عن المشاركة في الحياة البرلمانية ومنعهم من الدخول إلى إدارات الدولة والنظام، فتولى مجلس صيانة الدستور مهمة إقصاء مرشحي حركة تحرير إيران (مهدي بارزكان وفريقه) وتيار الحركة الوطنية أو التيار الديني القومي (يد الله وعزت الله سحابي وأصدقائهما)، فضلاً عن التشكيلات الدينية والمدنية الأخرى التي أعلنت موقفا نقدياً من موضوع ولاية الفقيه والسلطة الدينية.
جنتي، والتزاماً بإخلاصه للمرشد أولاً والمنظومة ثانياً، لم يتردد في استهداف أعمدة الثورة والنظام، كرفسنجاني، فأسقط أهليته في الترشح لرئاسة الجمهورية، واتهمه بالتكبر والإثراء غير المشروع، فضلاً عن اعتباره أن عودة رفسنجاني إلى رئاسة الجمهورية سينسف كل جهود منظومة السلطة من أجل التخلص من البؤر التي تعوق مشروع بناء السلطة الدينية المطلقة وتنفيذ رؤية ومشاريع المرشد الأعلى ومن خلفه مؤسسة النظام.
يقول جنتي إن السر في النشاط الذي يتمتع به، يعود إلى ممارسته رياضة المشي في الماء والسباحة مرتين في الأسبوع، وأن استمراره في منصبه لمدة 35 سنة، يعود إلى إخلاصه للخميني ومن بعده لخامنئي.
ونتيجة لهذا الإخلاص، وعلى الرغم من الهزيمة التي تعرض لها جنتي في انتخابات ممثلي العاصمة طهران بمجلس خبراء القيادة مع جميع أعضاء لائحته، عام 2015 أمام لائحة الإصلاحيين، والتي استبعد منها حفيد المؤسس حسن الخميني بعد أن رفض تأييد أهليته للمشاركة، فإن المنظومة الحاكمة عطلت إعلان النتائج بحثاً عن تسوية تعيد على الأقل جنتي إلى لائحة الفائزين، وقد تمت التسوية على أن يكون الفائز رقم 16 الأخير عن العاصمة، إلا أن المرشد والمنظومة فرضته لاحقاً رئيساً لهذا المجلس.
وهو في هذا السياق يقول في وصف الخميني، إن “الله بعثه، طبعاً لا يمكن أن نصفه بأنه رسول أو إمام معصوم، لكنه أعلى من أنبياء بني إسرائيل، طبعاً لدينا حديث حول ذلك، وإلا لما تجرأت في قول هذا الكلام”.
أما المناصب التي تولاها جنتي منذ قيام النظام الإسلامي وحتى اليوم فهي:
سكرتير مجلس التنسيق للإعلام الإسلامي.
رئيس منظمة الإعلام الإسلامي.
ممثل ولي الفقيه (الخميني وخامنئي) في اتحاد اللجان الإسلامي لطلاب المدارس.
عضوية مجلس صيانة الدستور منذ تأسيسه بقرار من الخميني وخامنئي.
سكرتير مجلس صيانة الدستور بقرار من خامنئي.
إمام الجمعة المؤقت في قم وكرمنشاه وطهران والأهواز.
عضو في مجلس دعم الحرب.
إدارة محاكم الثورة.
ممثلاً لخوزستان في مجلس خبراء القيادة في دورتيه الأولى والثانية، وعن طهران في الدورتين الثالثة والرابعة، وعضو في هيئة التحقيق في مجلس خبراء القيادة.
عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام.
عضو في مجلس إعادة النظر في الدستور.
عضو في الهيئة التأسيسية لجامعة الزهراء بقرار من الخميني.
عضو في المجلس الأعلى للثورة الثقافية بقرار من خامنئي.
عضو في اللجنة العليا للإعلام الخارجي بقرار من خامنئي.
إدارة لجنة إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نائب رئيس لجنة الإشراف على الإذاعة والتلفزيون.
ممثل ولي الفقيه (خامنئي) في إرسال المساعدات لأهالي البوسنة والهرسك.
رئيس مجلس خبراء القيادة في دورته الخامسة.
حاكم شرع الأهواز.
المصدر: اندبندنت عربية