د. زكريا ملاحفجي
إذا أردنا تعزيز قدرات الجيل الناشئ في دول اللجوء، وقدرات التواصل مع بيئته وانتمائه لابد من تعلّم لغة البلد الذي انتقل للعيش فيه، وتعلّم وإتقان لغته الأم، التي تحكيها أمه وأسرته وأبناء بلده الذي ينتمي إليه.
فلابد من تسهيل اندماج اللاجئين داخل المجتمع الجديد، والقدرة على التواصل مع المجتمع الأساسي الذي رحل عنه فهو ينتمي إليه وهذا يسهل التواصل معه، ويعطيه الشعور بالانتماء والقدرة على الوصول لتراثه الحضاري، وبطبيعة البشر فهم يحبون أن ينتموا إلى قومهم أو بلدهم أو قريتهم وهذا يحافظ على تلك الجذور المرتبطة بالأرض. وله كل الأثر في تحقيق التوازن النفسي للأطفال اللاجئين حديثاً. فدروس اللغة العربية ستمكن الطفل من متابعة التواصل مع ثقافته الأم وفي كل الأحوال، سيواصل الأبناء على اختلاف أعمارهم التحدث مع أوليائهم بلغتهم الأم داخل البيت ومع أقربائهم.
وبدل أن تبقى مكتسباتهم المعرفية لثقافتهم الأم محدودة ومتوقفة على إمكانيات الأهل المعرفية وعلى خياراتهم الثقافية، ستمنح لهم فرصة للإبحار داخل ثقافتهم فتتشكل هوية ثقافية تمنحهم الطمأنينة للثقافة الجديدة التي انتقلوا إليها، بعيداً عن المعاداة أو “الذوبان”.
فدراسة اللغة العربية للاجئين تساعدهم على ضمان مستقبل أفضل لاحقاً. ومواصلة متابعة اللغة العربية اليوم ضرورية ومفيدة. إذ أن اختصاصات مرموقة من العلاقات الاقتصادية والثقافية أو العلاقات الدبلوماسية مع الأوساط العربية تتطلب المعرفة باللغة العربية، مما يسهل الحصول على فرص أوفر للعمل ويتيح الانفتاح على العالم معرفياً واقتصادياً. كما أن اللغة العربية مفتاح للأمان المستقبلي للطفل ضد التحولات والقرارات السياسية التي تتحكم بمصير أطفال اللاجئين. فمثلاً في حال لم يتابع اللاجئ تعلم لغته، سيبدأ بعد عام بفقدانها أو ستتوقف مهاراته اللغوية وغنى مفرداته على حجم ما يتبادله مع الأهل من كلمات وعبارات. وإن اضطر هذا الطفل إلى العودة إلى بلده الأصلي – بقرار سياسي أو رغبة شخصية من الأهل، سيخسر سنوات جديدة لإعادة اكتساب ما أضاعه. وتدريس العربية مايزال مقتصراً في أغلب دول اللجوء على المساجد وبعض المعاهد أو التدريس والاهتمام المنزلي، وأغلب هذا التعلم دون أن يكون من أهل الاختصاص، ولذلك قد يكون له بعض الآثار السلبية، ولو كان تعليم العربية من مختصين عبر معاهد حكومية أو لغة اختيارية في المدرسة أو أي طريقة أخرى فهو الأفضل والأولى.
يرى علماء الاجتماع أن اللغة ليست مجرد قواعد نحوية وصرفية، بل إنها موروث ثقافي بأكمله. وتعليم لغة لا يلغي لغة أخرى وإنما يعاضدها ويساندها. لاسيما اللغة العربية فهي أحد اللغات الرسمية الأساسية في الأمم المتحدة.
الفوائد من ناحية الانتماء والثقافة والقدرة على الوصول لكل الإرث الحضاري، وكذلك الفرص الأكبر في العمل والانتقال بالإقامة وذلك بالقدرة على التواصل مع قومه عبر فهمه لغتهم وثقافتهم.
وسميت اللغة الأم لأنها لغة أمه، ومن أضاعها أضاع انتماءه لأمه وقومه لدرجة يصبح (وكما رأيت) حيث الكثير يحتاج أن يستعمل مفردة أجنبية لتشرح له معنى مفردة عربية يريد إيصالها لأهله ووالديه.!!
هذا الذوبان لا يخدم هذا الجيل الناشئ، فحرصنا على هذا الجيل هو بتمكينه من اللغة الجديدة والحفاظ على لغته الأم، وهناك فرق بين الاندماج مع المجتمع الجديد وبين الذوبان، ونحن بحاجة للقدرة على الاندماج بالمجتمع الجديد على ألا نفقد القدرة على الاندماج بالمجتمع الأساسي.
المصدر: اشراق