ظلّتِ الكتابة في أعمال الكاتب والمخرج المسرحي السوري غسان الجباعي ممزوجةً بفعل حضور راسخ، ومقاومة نبيلة في وجه الديكتاتورية التي لاحقته بالتغييب والاعتقال مراراً.
لكنّ الغياب هذه المرّة يأتي بعد سنوات من ثورة ونضال الشعب السوري، التي انتمى إليها الراحل منذ انطلاقتها الأولى عام 2011، وفي بلادٍ منعته سلطاتُها من مغادرتها. إذن، رحل صاحب “قهوة الجنرال”، الأحد، عن عمر يُناهز السبعين عاماً بعد رحلة طويلة في عالم الأدب والسياسية، بِما هُما انتماء أصيلٌ لكرامة الإنسان وانتصارٌ لقيم الحرية.
وُلد الجباعي في مدينة قطنا بالقرب من دمشق عام 1952، وتدرّج في تعليمه حتّى تحصّل على إجازة في الأدب العربي. إلّا أنّ المسرح شغله مُبكّراً حيثُ رأى فيه فضاءً لتمثيل مفهومه عن الالتزام، فسافر إلى كييف في أوكرانيا حيثُ درس في “معهد كاربينيكا كاري” وتخرّج منه عام 1975، قبل أن يُتابع مسيرته الأكاديمية وينال إجازة ماجستير في الإخراج المسرحي عام 1981.
عندما حان موعد العودة إلى سورية، لم تفتح له السلطات أبواب جامعاتها ومسارحها، بل سارعت إلى اعتقاله في سجنيها الأكثر رعباً وسمعة سيئة “سجن تدمر” أوّلاً ثمّ “سجن صيدنايا”، وذلك بتهمة الانتماء إلى أحد أحزاب المعارضة، ولم يخرج إلّا بعد أن قضى قرابة عشر سنوات (1982 – 1991) لم تنل من روحه رغم ما فيها من مآسٍ وقسوة.
بعد نيله الحرية، برز اسم الجباعي بقوّة على الساحة الأدبية في سورية، فمنذ مطلع التسعينيات توزّعت اشتغالاته؛ على صعيد الكتابة الدرامية، قدّم: “تل الرماد”، و”طيارة من ورق” و”رمح النار” و”عمر الخيّام”. في حين كتب عدّة مجموعات في القصة القصيرة منها: “أصابع الموز” و”الوحل”، ورواية “قمل العانة”، وكذلك جرّب الشعر في “رغوة الكلام”.
اعتمد الراحل في كلّ ما سبق على أسلوب واقعي، ظلّ يعتبره الخيطَ المشدود ما بين تاريخ وجغرافيا مدينته التي ينحدر منها (السويداء، جنوبي سورية)، وبين رؤيته عن الراهن السياسي الاستبدادي الذي تعيشه سورية، منذ زمن الانقلابات العسكرية في أواسط الستينيات إلى اليوم.
أمّا اشتغالاته المسرحية فأبرزها “جنراليوس” و”الشقيقة” و”بودي الحارس” بالإضافة إلى عدد من الدراسات النقدية مثل “الثقافة والاستبداد” و”المسرح في حضرة العتمة”. في حين مُنعت مسرحيته “مقتل السهروردي” من العرض عام 2007. كذلك لعب الجباعي أدواراً في أفلام سينمائية عديدة منها “الكومبارس” و”شيء ما يحترق” و”اللجاة” وعمل على إنتاج أفلام وثائقية أيضاً حول أدب السجون، وكلّها يقع خارج القوس التجاري، وبمواضيع تواجه السلطتين السياسية والمجتمعية.
يُشار إلى أنّ أبواب “المعهد العالي للفنون المسرحية” في دمشق أُغلقت في وجهه بقرار حكومي، ومنعته السلطات من مزاولة التدريس فيه أكثر من مرّة، قبل المنع الأخير الذي طاوله مع تأييده للثورة في سوريّة عام 2011، وتعبيره عن موقفه الداعم للتغيير، كما منعته من السفر إلى اللحظة الأخيرة من حياته.
المصدر: العربي الجديد