أحمد مظهر سعدو
التأصيل في العمل البحثي والكتابي وكذلك السياسي ضرورة لابد منها، لمعرفة كنه وحيثيات المسألة، وكذلك الغوص في جذورها وصولاً إلى المبتغى السياسي، والغايات المرجوة، سواء كانت دنيئة براغماتية أو أخلاقية قيمية أو بينَ بين.
ودائمًا يحدونا الأمل عبر كل الملامسات والمقاربات التي نطرح ابتغاء وجه الحقيقة، وإظهار علامات وتجليات وتمظهرات القضية، وفق أسس موضوعية، قدر الإمكان، والابتعاد عن الذاتية الأنوية ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، خاصة في سياق مسألة غاية في الأهمية، وتؤرق واقعنا السوري، وكذلك تترك آثارها وتلقي بظلالها على مجمل مستقبلات المنطقة العربية برمتها، ضمن مفاعيل دراماتيكية مابرحت دولة الملالي في إيران الاشتغال عليها، ثأرًا لانهيار امبراطورية الفرس التي كان يقودها (كسرى أنو شروان).
ثم انهارت على وقع أقدام الحضارة العربية الإسلامية، التي توجهت بفتوحاتها نحو بلاد فارس، لإقامة الدولة العربية الاسلامية الراشدية، تنويرًا لكل شعوب المنطقة والقضاء على ذيول الدولة الامبراطورية، التي كانت تتغول في المنطقة ليس على العرب فحسب، بل على معظم المحيط الإقليمي، منذ ذلك التاريخ.
بالعودة إلى انبثاقات الأطماع الفارسية الإيرانية، نرى أن انهيار الدولة الامبراطورية الفارسية، كان قد شكل عقدة كبرى لدى سكان بلاد إيران، وأنتج الكثير من الاشتغالات اليومية على مسألة إعادة مجد فارس، الذي مضى وانقضى، ليحاول هؤلاء إحياءه، من خلال الولوج في إسلام خاص بهم، على قدهم ومقاسهم، وهو دين سياسي ينبع من الدولة الصفوية ويتكيء إليها، ضمن تطلعات خطيرة، تود لو تمكنت، حتى لوكان على أساس انتشار الإسلام/ الشيعي من الوصول إلى المبتغى المخطط له، وهم في الحقيقة لايمت إلى الإسلام والدين بصلة، بقدر ما يستند إلى الدين على طريقتهم بشكل أدواتي وسياسي، يجعل من الانتماء إلى الدولة الفارسية عملًا خاصًا، يزاوج بين الإسلام (الفارسي الصفوي الشيعي)، في مواجهة العرب ودول الجوار متوجهًا إلى ملاذات سياسية تعيد تأسيس الدولة الملالية، على أسس جديدة تنتهج برامج ومشاريع سياسية توسعية من أجل الالتحام ضد العرب، في غياب المباديء والأخلاق لهذه الدولة الملالية، بل تكون المصلحة الفارسية وإقامة الدولة الإيرانية التي تخيف دول المنطقة وتكون فزاعة للجميع، وتتمدد لتقيم(إن استطاعت) دولة إيران التوسعية الفارسية الشيعية الصفوية الحاقدة.
مع وصول (آية الله الخميني) إلى سدة الحكم، وانتصار ماسمي بالثورة الإسلامية في إيران، أعلن الخميني بوضوح سياسة تصدير الثورة إلى المحيط المجاور العربي الإسلامي، وكانت بمثابة الغطاء الذي يبني من خلاله المسار التمددي لدولة إيران في المنطقة، ومنها سورية بالضرورة، ومع اصطفاف حافظ الأسد إلى جانب إيران/ الخميني ضد العراق في حرب الثماني سنوات بينهما، تكون إيران قد انتهكت بذلك السيادة الوطنية السورية، عبر جر الأسد ومعه سورية إلى الحلف مع إيران ضد العرب قاطبة، كما ضد مصلحة سورية، ثم لحق حافظ الأسد الخميني وجر معه الوطن السوري إلى الإندراج في التحالف الدولي الكبير، لإنجاز ماسمي (عاصفة الصحراء) ضد العراق، وتحت ذريعة تحرير الكويت، حيث شارك الأسد بجيش عداده مئات آلاف السوريين، الذين أُخذوا ليقاتلوا العراق، تحت قيادة الأميركان، ولتكون إيران بذلك قد كسبت سورية عبر إدخالها في حرب ليست حربها بل هي حرب إيران لتدمير العراق بكليته، ودفعه إلى أن يصبح من الدول المحاصرة والمعزولة، وهو ماينتهك من مسألة الوطنية السورية، والعروبة التي كان يدَّعيها حافظ الأسد، وكل ذلك بالتأكيد لصالح انتهاكات الإيرانيين للدولة السورية، ولجم الفكرة العربية بحد ذاتها عبر المجرم حافظ الأسد، وهي (أي إيران) التي سبق وأن قدمت للأسد الأب كل الدعم في حربه ضد الإسلاميين في سورية في ثمانينات القرن المنصرم.
هذا الانتهاك الإيراني للسيادة السورية على يد حافظ الأسد أسس إلى ماهو أكثر فجورًا، عندما قامت الثورة السورية أواسط آذار/ مارس 2011، فدخلت إيران معظم الجغرافيا السورية، بماينوف عن مائة ألف مقاتل، بين ميليشيات شيعية طائفية وحرس ثوري إيراني، ليقاتل الشعب السوري، ويكون لاجمًا لكل القرار الوطني السوري، والسيادة السورية، وآخذًا الوطن السوري من خلال وجود (قاسم سليماني) قائدًا فعليًا للحرب الأسدية ضد الشعب السوري، وصولًا إلى تواجد الميليشيات الإيرانية في معظم الجغرافيا السورية، من البوكمال شرقًا إلى اللاذقية وطرطوس غربًا ، إلى درعا والسويداء جنوبًا، وإلى حلب وإدلب والرقة شمالًا. وليصبح الوطن السوري مخطوفًا سياسيًا وعسكريًا ومواردًا لصالح دولة الملالي الإيرانية، بعد أن تُركت إيران لتعبث في الواقع السوري مع شريكتها روسيا، وسط صمت مطبق من الأميركان، والغرب، والعرب كذلك، ولأن الأميركان راضون فعلاً عن ممارسات وانتهاكات الإيرانيين في الساحة السورية، ضمن سياقات سياسية تتوضح يومًا إثر يوم مفادها يقول: الأهم أن لايقتربوا من مصالح الأميركان، ولا من أمن اسرائيل، المهم في المنطقة، ولتبقى إيران فزاعة حقيقية، ليس للسوريين فقط، بل لكل العرب، في كل المشرق والمغرب العربيين.
لجم السياسة الحكومية السورية والقبض عليها إيرانيًا، وربطها في أتون السياسات والمصالح الإيرانية في المنطقة لتكون أكبر منفذ للسياسات الإيرانية، والراعي الأهم للميليشيات الإيرانية ومن تبعهم، والمنتج والعابر والمصدر للكبتاغون، الذي يزرع في البقاع، تحت رعاية وحماية حزب الله، ومن ثم تصنيع ميليشيات إيران، وتصديره إلى دول الخليج، عبر الخاصرة الرخوة في المنطقة وهي الاردن، الذي يكافح بكل مايستطيع، ضمن إمكانيات محدودة، ليمنع الخطر الإيراني الذي وصل إلى حدوده الوطنية، بحماية من نظام بشار الأسد.
يرى المراقبون أن الهيمنة الإيرانية على مصدر وبؤرة صنع القرار في دمشق، وتحويل الوطن السوري إلى ألعوبة بيد (قاسم سليماني) ثم من جاء وخلف قاسم سليماني بعد مقتله، واستمرار وتواجد كبار الضباط في الساحة السورية، يقودون الإرهاب الإيراني الفارسي، بات يشكل خطرًا كبيرًا على المنطقة كل المنطقة، ولا مناص من أهمية وعي خطره جيدًا، والعمل على إنهاء وجوده قبل أن نصل إلى ظروف يصعب فيها قلع وكنس نواتجه وتجلياته الإرهابية المهيمنة على سورية وكل المنطقة العربية.
المصدر: وكالة ثقة