مزهر جبر الساعدي
من المؤمل أن يعقد مؤتمر القمة العربية في الجزائر في الأول والثاني من نوفمبر المقبل، وكانت آخر قمة عربية قد تم عقدها في مارس عام 2019 في العاصمة التونسية. القمة المرتقبة قيل عنها إنها سوف تكون قمة للَم الشمل العربي، وتوحيد خطاب العرب السياسي، ومواجهة المشاكل التي تعاني منها دول الوطن العربي، وهي مشاكل عويصة بكل تأكيد، أو قمة لوضع منهاج عمل للمباشرة في تفكيك هذه المشاكل وبالتالي وضع الحلول لها.
هذا هو ما يروج له في الإعلام، وأيضا على لسان مسؤولي الجزائر الدولة المضيفة للقمة العربية. بصرف النظر عما يعترض انعقاد هذه القمة من شروط بعض الأنظمة، الواجب توفرها؛ حتى يتم لهم الحضور أو المشاركة فيها، ويبدو أنه قد تم الأخذ بها.
جميع القمم العربية باستثناء قمة الخرطوم، التي تم عقدها عام 1967 توحد فيها الخطاب العربي الموجه للشعوب العربية، وإلى الكيان الإسرائيلي المحتل، وأيضا إلى العالم، أما بقية القمم العربية فلم تساهم في حلحلة أي مشكلة عربية، ولو بدرجة بسيطة، بل على العكس ساهم البعض منها في زيادة الاحتقان، بل فتحت الأبواب مشرعة واسعة، وبلا مصدات للتدخل الخارجي، لإيجاد الحلول لبعض المشاكل المستعصية في وقتها على التفكيك والحل العربي. هي بالفعل مشاكل عويصة في وقتها، ولكنها غير عصية على التفكيك والحل العربي، لو كانت النية جدية ومؤثرة وفعالة، إنما النية كانت في ذلك الوقت تسير في اتجاه مختلف تماما، أي السعي للاستعانة بقوى دولية عظمى. هنا لا أعني مشكلة واحدة بحد ذاتها، بل جملة من المشاكل التي كانت في حينها تعترض طريق التضامن العربي، ووحدة الموقف العربي، والخطاب السياسي العربي، والتكامل العربي على مختلف الصعد. إن النظام الرسمي العربي، ليس مؤهلا لحل مشاكل العرب! في الوقت الحاضر، كما إنه لم يكن مؤهلا في وضع الحلول لمشاكل العرب، سواء ما كان بين الدول العربية، أو بين البعض من تلك الدول مع محيطها في الجوار العربي؛ لأن أغلب الأنظمة العربية هي ذاتها، وفي علاقتها مع شعوبها تعاني كثيرا من المشاكل التي تستوجب وضع الحلول لها، حتى تستقيم العلاقة بين الشعب والدولة والنظام العربي الحاكم. فكيف يستطيع أي نظام المساهمة الفعالة في تفكيك وحلحلة المشاكل، وهو لم يستطع بناء علاقة سليمة مع أبناء شعبه؟!
إذا ما نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، هي أن أغلب الأنظمة العربية تتكئ في وجودها وبقائها على الدعم الخارجي، سواء ما هو إقليمي في الجوار العربي أو دولي، وفي الوقت عينه؛ تقوم بتكميم أفواه الشعب وتسلب منه حرية الرأي والكلمة، ناهيك من أصواته في إنتاج حكومة تمثله نصا وروحا. وفي الحقيقة أن التدخلات الخارجية، سواء من الجوار العربي، أو من الفاعل الدولي، هي التي ترسم الخطوط العامة للدول العربية، أو البعض منها. إن رفع الشعارات العربية، وفي كل قمة عربية منذ بدأت القمم العربية؛ ما هي إلا للاستهلاك الإعلامي وإظهار هذه الأنظمة بمظهر الماسك بزمام الأمور والأوضاع في بلدانهم، عكس الواقع المعيش على الأرض الذي يقول الضد تماما. الأمر المهم الآخر أن هذه القمم وهذه القمة بالذات؛ تفتقر إلى خطة عمل واضحة، وبرامج عمل واقعية لحلحلة المشاكل العربية، وبأدوات لها القدرة على التنفيذ على أرض الواقع، وبآلية عمل متيسرة قادرة على إنتاج الحلول. أتحدث عن الواقع وليس عما يصاغ من خطط ليس لها قابلية التنفيذ، بل هي خطط على الورق فقط، أي للاستهلاك الإعلامي. والأعم الأغلب من هذه الدول؛ جنحت في الفترة الأخيرة إلى التطبيع المجاني مع الكيان الإسرائيلي، ظنا منها؛ أن التطبيع مع كيان غاصب ومحتل وقاتل؛ سوف يقود إلى تثبيت أركان حكمها، ويكون بوابة هذه الأنظمة للقوى العظمى، أي الولايات المتحدة الأمريكية، لكسب رضاها وعونها ومساعدتها في مختلف المجالات، ومنها غض الطرف عن تغييب إرادة شعوبها في طبيعة النظام وإجراءاته. المشكلة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في دولة ذات سيادة كاملة، هذه المشكلة هي أم المشاكل العربية، بل إن جميع ما جرى، وما هو جار الآن، وما سوف يجري مستقبلا؛ لا يمكن بأي شكل من الأشكال فصله عن الصراع العربي الإسرائيلي، بل هو قاعدة أساس، لكل ما حدث وما هو حادث وما سوف يحدث. هل القمة المقبلة قادرة على وضع خطط وبرامج لدعم الحق الفلسطيني في الساحة الإقليمية والدولية؛ باستخدام ما تمتلكه الدول العربية بمجموعها من عناصر وعوامل وإمكانات ضغط لا يستهان بها على الإطلاق، لو تم الاستثمار الأمثل لها وبنية صادقة وجادة تهدف إلى الحصول على نتائج مهمة، لو تمت إجادة اللعب بها في المجالين الإقليمي والدولي؟ وهل للقمة المقبلة وللدول العربية التي سوف تشارك فيها؛ النية والعزم، في وضع خطط ومنهاج عمل واقعي وجدي لوضع حل لجميع المشاكل التي تعاني منها دول عربية بعينها؟ لا أعتقد انها قادرة على لعب هذا الدور، أو ليس في نيتها وتخطيطها أن تلعب هذا الدور، وتزيح الفاعل الإقليمي في الجوار العربي بما تمتلك من أدوات ضغط بمجموعها، لأن أي دولة عربية بمفردها، مهما امتلكت من قوة فعلية، تظل أقل من قدرات دول الجوار العربي.. الحقيقة أن هذه القمة والقمم التي سبقتها؛ ليس في إمكانياتها فعل ذلك؛ فالأوضاع معقدة جدا، والاشتباك الإقليمي والدولي والإسرائيلي الخفي على أشده في الساحات الداخلية لدول يسودها الفوضى والاضطراب الذي يختفي فيه صوت العقل. لم يمر على الأوطان العربية في تاريخها الحديث، بعد التحرر من الاستعمار، ما مرّ عليها وعلى شعوبها في السنوات الأخيرة، من فوضى واقتتال أهلي واضطراب، في فضاءات تبخرت فيها كيانات الدول العربية التي تعرضت لهذه الفوضى الخلاقة، على حد وصف مستشارة الامن القومي الأمريكي السابقة كونداليزا رايس. إن الدول العربية التي تعاني من الفوضى وضياع بوصلة الطريق إلى الأمن والسلم الأهلي، وما يقاسيه الشعب من فقر وانعدام الأمن، والحياة الكريمة؛ مثل سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن، جميعها الفاعل الإقليمي والدولي لهما الدور الاساس في رسم معالم سياساتها. ففي سوريا الاقتتال على جغرافية تقع تحت الاحتلال الإقليمي والدولي، ما يقود حكما إلى أن النظام فاقد الشرعية، ففي سوريا الأسد؛ لجنة كتابة الدستور معطلة أو معلقة، وقسم من الأرض السورية محتلة من تركيا وأمريكا، وتظل هذه هي الحقيقة مهما قال النظام خلاف هذا.. والأمر ذاته ينطبق على اليمن وعلى لبنان وعلى ليبيا، وعلى العراق أيضا. السؤال المهم هنا، بل هو أس هذا المؤتمر، الذي سوف يعقد في الاول والثاني من نوفمبر المقبل؛ هل المؤتمر هذا له القدرة، أو في نية المؤتمرين فيه؛ وضع إطار عمل واضح وبأدوات واقعية وبآلية قابلة للتطبيق لوضع الحلول الواقعية لإنقاذ هذه الدول مما هي فيه؛ بإزاحة العامل الدولي والإقليمي من ساحة اللعب في هذه الدول؛ هذا التوجه وأقصد التوجه لجهة الواقع الفعلي وليس لجهة ذر الرماد في العيون والكذب على الشعوب، ببيان مهلهل لا صلة له بالواقع، ربما يصدر في ختام أعمال المؤتمر، الذي حسب التسريبات الإعلامية وتصريحات المسؤولين العرب، من أن انعقاده بات في حكم المؤكد. أما لماذا؛ لا يوجد برنامج عمل واقعي، يخرج به المؤتمر المرتقب؟ فهناك سببان، وباختصار هما: أولا ليس هناك نية للدول التي ستشارك في هذا المؤتمر في اتجاه الحلحلة، لأنها هي الاخرى لها أجنداتها الخاصة في الدول سابقة الإشارة لها، هذا من جانب أما من الجانب الثاني؛ فإن هذه الدول العربية والأصح الأنظمة العربية التي تعلن انها تريد لَم شمل العرب، مشتبكة مصلحيا ونفعيا مع الفاعل الدولي حصريا، وليس مع الفاعل الإقليمي. ثانيا؛ العامل الإقليمي والدولي مشتبك اشتباكا عضويا مع القوى السياسية في دول الفوضى والاضطراب والاقتتال، ودولة الإرادات المتعددة، والمختلفة في الهدف والغاية. هذه القوى؛ قوى فاعلة في المشهد السياسي في دولها، أو هي صاحبة الشأن في هذه الدول.. في النهاية أتمنى أن يكون المعلن هو الواقع، أو أن يتحول إلى واقع..
كاتب عراقي
المصدر: القدس العربي