أحمد مظهر سعدو
تعكف جامعة الدول العربية على صياغة أجندات تفصيلية ممكنة ومتوافق عليها، لاجتماع القمة العربية القادم الذي سيعقد في الجزائر العاصمة، بتاريخ 1 و2 تشرين الثاني / نوفمبر 2022، بعد انقطاعات كثيرة ومتتالية، وعثار كبير، نتيجة وباء الكورونا أولًا، ثم الخلافات البينية على بعض بنود برنامج عمل القمة ثانيًا، ومنها بالضرورة مسألة عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بعد شغور المقعد السوري لما يقرب من عشر سنين خلت، وأشياء أخرى.
لم تكن الجامعة العربية في معظم حالاتها معبرة عن الواقع الشعبي العربي، ولم تكن قادرة على إنجاز وحدة الصف ولا وحدة الموقف إلا ما رحم ربي، فجميع القمم العربية خلا قمة الخرطوم، التي عقدت عام 1967 بعد هزيمة حزيران/ يونيو تلك التي توحد فيها الخطاب العربي الموجه للشعوب العربية، وإلى الكيان الصهيوني، وأيضًا إلى العالم، عبر إطلاق اللاءات الثلاثة المعروفة في حينها، أما القمم العربية ومنذ السبعينيات وحتى اليوم فلم تساهم في حلحلة أي مشكلة عربية، ولو بدرجات متواضعة، بل ساهم بعضها في زيادة الاحتقان بين الدول العربية، ولا تنتظر الشعوب العربية منها الكثير، ولا قدرة لها على تحقيق وتنفيذ مجمل الأجندات التي تتوافق وتتفاهم عليها، حيث تبقى في كليتها حبرًا على ورق، وحبيسة أدراج الجامعة العربية في القاهرة. وهي في ذلك إذ تعبر عن الحال العربي الرسمي الذي وصلت إليه المؤسسة الرسمية العربية للنظام الرسمي العربي، إلا أنها أيضًا تشير إلى حجم المعاناة والارتباطات الخارجية التي كانت وما زالت ديدن وكنه النظام العربي الرسمي الذي يتحرك دائمًا لخدمة من وضعه في الحكم وليس خدمة جماهيره التي لا حول لها ولا قوة، وتمارس الأنظمة عليها كل أنواع القهر والاستلاب والطغيان، التي أدت فيما أدت إليه إلى الكثير من ثورات الربيع العربي، التي تم إجهاض معظمها، وما زالت بعض موجات الربيع العربي ضد الأنظمة مستمرة، وتعيد إحياء نفسها يومًا إثر يوم وصولًا إلى المبتغى.
وإذا كان من المتوقع هذه المرة أن يلتئم مجلس قمة العرب، ومن ثم أن ينتج عن ذلك عقد مؤتمر القمة العربية في الجزائر في أوائل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لأن ذلك يأتي بعد انقطاع طويل، حيث عقدت آخر قمة للعرب في شهر آذار/ مارس عام 2019 في العاصمة التونسية. أي منذ أكثر من ثلاث سنوات ونيف.
الشعارات الكبرى والأسماء العامة التي تطلق على القمة القادمة تأتي تحت عناوين (قمة لَم الشمل العربي)، (توحيد الخطاب السياسي العربي)، لكن هناك الكثير من البنود الملحة التي تتمظهر أمام العرب لتكون في صلب أجنداتها لمؤتمر القمة الرسمي القادم نذكر منها:
– وضع آليات ومنهاج عمل لإنجاز عملية تفكيك محفزات النهوض الشعبي العربي والإطباق على جهوزية الشعوب لمنعها من محاولات إعادة إنتاج انتفاضاتها وثوراتها التي أقلقت ليس فقط الأنظمة التي حصلت داخل حدودها، لا بل أقلقت أيضًا كثيرًا من دول الجوار التي ما برحت تخاف من احتمالات امتداد ذلك الربيع العربي وصولاً إليها، وتهديدًا لعروشها الصدأة. وبالتالي لا بد من العمل على وضع حلول ما لمشاكل الواقع الداخلي العربي إبعادًا لاحتمالات الثورة من جديد. وهو الهم الأساسي لمعظم دول النظام الرسمي العربي.
– الاشتغال جماعيًا إن أمكن ذلك، على مواجهة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها دول الوطن العربي، وهي مشاكل صعبة وتتفاقم وتزداد باضطراد بعد وباء الكورونا، وبعد نتائج حرب روسيا على أوكرانيا، وما خلفته من أثقال وأحمال طالت الكثير من مفاصل البنية الاقتصادية في واقع الدول العربية وغيرها من العالم ودول الإقليم.
– القضية الفلسطينية وهي العقدة الأهم في المسيرة العربية منذ ما يزيد عن ثمانين عامًا، والتي عجز النظام الرسمي العربي عن القيام بأي فعل جدي أو قرار جماعي بشأنها، وبقيت كل قرارات الجامعة الخاصة بالقضية الفلسطينية كلامًا إنشائيًا لا يغير في الواقع الفلسطيني شيئًا ولا يعيد الحق الفلسطيني والعربي، ولا يؤثر أي تأثير في مسارات القضية، لكن القضية الفلسطينية تبقى على أي حال الركن الأساس والمركزي في كل أجندات الجامعة العربية، وهي اليوم تعيش حالة من التفكك والضياع بعد الكثير من الانفلاتات الرسمية العربية، (وبلا مقابل) نحو التطبيع المجاني مع إسرائيل، بينما تستمر إسرائيل في ضرب وقتل الشعب الفلسطيني والاستمرار في احتلال الأراضي في فلسطين والجولان وبعض جنوب لبنان. ومع كل ذلك تصر بعض دول النظام الرسمي العربي على المزيد من إقامة العلاقات البينية مع الكيان الصهيوني، ضاربة عرض الحائط بكل القرارات العربية والعالمية بهذا الشأن.
– وفي أجندات الجامعة العربية مشكلة الغاز والبترول والطلبات الغربية المستمرة بزيادة ضخ الغاز وحل مشكلة الطاقة تعويضًا للنقص الذي أحدثته روسيا، عبر حربها ضد أوكرانيا، وحالة الارتباك الكبرى التي تطول النظام الرسمي العربي الذي ينوس بين عملية إرضاء الغرب وأميركا منه بشكل أساسي، أو تحقيق مصالحه الأخرى مع روسيا.
– يضاف إلى ذلك كيفية التصدي لإيران، وتوحيد الصف من أجل مواجهة الخطر الإيراني الذي بات تهدد كل الواقع العربي الرسمي والشعبي، بعد ما فعلته إيران في سوريا واليمن ولبنان والعراق وهو أكبر شاهد على حجم الخطر القادم تجاه العرب جميعًا من جهة دولة الملالي في إيران، خاصة بعد احتمالات كبرى ومتوقعة لإنجاز الاتفاق النووي الغربي مع إيران، وما يمكن أن يتركه ذلك من آثار سلبية على المحيط العربي.
– ويُتوقع أن يتم طرح مسألة إعادة تأهيل النظام السوري، ومن ثم عودته إلى الجامعة العربية في دوراتها القادمة، وتطرح الجزائر في هذا السياق وساطات وحوارات في ذلك، حيث تؤمل من ذلك الوصول إلى تنازلات ما، من قبل النظام السوري وعودته إلى الولوج من جديد في عملية الانتقال السياسي التي يمكن أن تجعله مقبولًا لدى بعض الدول العربية التي ما زالت ترفض ولوجه الجامعة العربية حتى الآن. وهو أمل جزائري لا يبدو أنه سيلقى تجاوبًا من السعودية وقطر وبعض الدول الأخرى الفاعلة.
وتبقى المسألة الكثيرة الوضوح في أن كل هذه القمم العربية ومنها بالضرورة هذه القمة القادمة؛ ما زالت تفتقر إلى برنامج عمل واضح وخطة ومشروع عربي رسمي يمكنه أن يواجه الأخطار المحدقة بالعالم العربي برمته، فليس هناك من برامج عمل منطقية واقعية ممكنة التطبيق، للمساهمة في حل المشاكل العربية، وليس هناك حتى اليوم من أدوات تمتلكها هذه الدول ولها القدرة على النفاذ والتنفيذ في الواقع المادي المعاش.
الخطر الإيراني الداهم، والذي بات يهدد الجميع، يؤشر إلى أنه لا قدرة لأي دولة عربية لوحدها، ومهما حصلت على قوة عسكرية أو اقتصادية فعلية، على مواجهته، وتظل أي دولة بمفردها أقل من أن تواجه إيران دون عمل جماعي وتوحيد للقوى.
كما لا بد من التأكيد اليوم وبكل شفافية على أن النظام العربي الرسمي، ليس مؤهلًا حقيقة لحل مشاكل العرب! في الوقت الحاضر، ولا يمتلك القدرة ولا الإمكانية ولا الخطط، لإنجاز أي معطى جديد يمكن هذه الدول من النهوض العربي، وتخطي حالة التشظي العربي، والتذرر المزمنتين، والتي تزداد يومًا إثر يوم، ولا عملًا جديًا لحلها، ولا إمكانيات، ولا نيات واقعية وصادقة، من أجل إنجازها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا