إبراهيم عبد المجيد
بتوقيع الرئيس الروسي قوانين فيدرالية بدخول أربع مناطق أوكرانية للاتحاد الروسي، يكون بذلك قد أكمل عملية الضم التي تشهد معارضة دولية كبيرة، لكن فلاديمير بوتين لم يكن الأول الذي يوسع حدود بلاده عبر “قضم” أراض مجاورة.
قوانين انضمام دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيا وخيرسون إلى روسيا، التي وقعها بوتين الأربعاء الخامس من أكتوبر (تشرين الأول)، اعتبرت أكبر توسع لأراضي روسيا منذ نصف قرن على الأقل، وبموجبه ينتقل نحو 18 في المئة من أراضي أوكرانيا إلى السيادة الروسية، وذلك إثر تصويت البرلمان الروسي لصالح عملية الضم.
سوابق تاريخية
تعرف موسوعة المعارف البريطانية “بريتانيكا” عملية الضم على أنها “عمل رسمي تعلن الدولة بموجبه سيادتها على أراض كانت خارج نطاقها”، مشيرة إلى أنه على عكس التنازل، حيث تمنح الأراضي أو تباع من خلال معاهدة، لكن الضم هو عمل انفرادي يتم تفعيله من خلال الحيازة الفعلية وإضفاء الشرعية عليه من خلال الاعتراف العام.
وعادة ما يسبق الضم غزو واحتلال عسكري للأراضي، لكن حالات أخرى لم تشهد تحركاً عسكرياً، مثل ضم ألمانيا للنمسا الذي جاء سلمياً بموافقة من الحكومة النمساوية من دون أعمال عدائية عسكرية.
كذلك لم تؤد جميع عمليات الاحتلال إلى إعلان المحتل ضم الأراضي المحتلة، فعلى سبيل المثال، احتلال الحلفاء العسكري لألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية لم يتبعه ضم، كما قد يكون تغيير السيادة على الأراضي نتيجة عملية تجارية مثل ضم الولايات المتحدة ألاسكا بعد شرائها من الإمبراطورية الروسية عام 1867 في صفقة بقيمة 7.2 مليون دولار.
الإطار القانوني
على الصعيد القانوني، يرتبط موقف القانون الدولي من مسألة ضم الأراضي بميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص في فصله الأول على أن من أهداف المنظمة الدولية حفظ الأمن والسلم الدوليين، والعمل على تعزيز العلاقات الدولية بين الأمم على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب وحقها في تقرير مصيرها.
وأوجب الميثاق على الدول الأعضاء الامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة.
وهناك عديد من الأحكام الصادرة عن محاكم دولية ببطلان ضم دولة أراضي الغير، حيث رفضت محكمة نورمبيرغ التي تشكلت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945، قيام ألمانيا بضم النمسا والأجزاء الشرقية من بولندا وبعض الأجزاء من لوكسمبورغ، وبذلك وضعت مبدأ قانونياً مفاده تحريم ضم أراضي الغير، وأصبح ذلك جزءاً من مبادئ القانون الدولي.
كذلك أصدرت محكمة العدل الدولية في يوليو (تموز) 2004 رأياً استشارياً بشأن الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل في الضفة الغربية، استجابة لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أكدت على مبدأين أحدهما هو عدم الضم، وجاء في الفقرة (73) من حيثيات الرأي أن مجلس الأمن تبنى في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1967 القرار رقم (242)، الذي أكد عدم قبول ضم الأراضي نتيجة الحرب، وفي الفقرة (74) قالت محكمة العدل الدولية إن سلسلة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل منذ سنة 1967 من مصادرة للأراضي والممتلكات وترحيل للسكان ونزع الملكية وضم القسم المحتل من القدس “هي تصرفات باطلة بالكلية”.
دولة الاحتلال
لإسرائيل، تاريخ مع ضم أراضي الفلسطينيين، فقبل 41 عاماً وتحديداً في 14 ديسمبر (كانون الأول) 1981 دعا رئيس وزرائها مناحم بيغن حكومته للموافقة على قانون لتطبيق القانون الإسرائيلي في مرتفعات الجولان التي سيطرت عليها خلال حرب 1967.
وعلل بيغن ذلك بـ”الموقف المتشدد” من جانب سوريا تجاه إسرائيل، ووافق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون بضم الجولان، لكن معظم الدول رفضت الاعتراف بالخطوة، وأصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 497، الذي نص على أن “القرار الإسرائيلي بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغ وليس له أي أثر قانوني دولي”.
كما أعربت إدارة الرئيس الأميركي في ذلك الوقت رونالد ريغان عن معارضتها للقرار، لكن السياسة الأميركية التي ظلت راسخة لأكثر من 35 سنة غيرها الرئيس السابق دونالد ترمب بتغريدة اعترف فيها بسيادة تل أبيب على الجولان، وذلك في مارس (آذار) 2019، ولم تلغ إدارة جو بايدن القرار وبدا أنه لا توجد رغبة في تغيير تلك السياسة.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في لقاء تلفزيوني في فبراير (شباط) من العام الماضي إن السيطرة على الجولان لا تزال “ذات أهمية كبيرة” لأمن إسرائيل حالياً، مضيفاً أنه في حال تغير الوضع في سوريا فستتم إعادة التقييم، لكن هذا الأمر “بعيد” في الوقت الحالي.
كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في منتصف عام 2020 عن خطة لضم أجزاء من الضفة الغربية، لكن علقت تلك الخطط إثر اتفاق تطبيع العلاقات الذي توصلت إليه إسرائيل ودولة الإمارات في يوليو (تموز) من العام نفسه.
ما بعد الاحتلال
تحدد دراسة صادرة عن البرلمان الأوروبي عام 2015 الفارق بين الاحتلال وضم الأراضي في القانون الدولي، وتشير إلى أن الأراضي المحتلة من المفترض أن يكون وضعها موقت حتى ولو استمر الاحتلال عقوداً، وتتحمل قوة الاحتلال تبعات قانونية وفق قواعد القانون الدولي مثل لائحة لاهاي 1907 واتفاقية جنيف 1949 وغيرها، التي تطبق داخل الأراضي المحتلة ولا تطبق قوانين دولة الاحتلال، فيما يبدأ تطبيق نظام وقوانين المحتل في حال إعلانه ضم تلك الأراضي.
وتؤكد الدراسة أن عملية الضم لا بد أن تكون بشكل سلمي وبموجب استفتاء شعبي، وإلا تكون العملية غير قانونية وفق قواعد القانون الدولي، وعلى الرغم من ذلك تصف ضم روسيا الاتحادية لشبه جزيرة القرم عام 2014 بأنه “زائف” على الرغم من أنه أعقب استفتاء أجري في مارس من ذلك العام ووافق فيه 97 في المئة من الناخبين على الاستقلال عن كييف، ما مهد الطريق لإعلان انضمامها إلى الاتحاد الروسي بعد يومين من ذلك الاستفتاء.
وعارض معظم المجتمع الدولي تلك الخطوة عدا بضع دول قريبة الصلة بموسكو مثل سوريا وكوريا الشمالية وقيرغيزستان، التي اعترفت بالقرم جزءاً لا يتجزأ من روسيا، لكن تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية نشر عام 2020 أشار إلى أنه على الرغم من المعارضة الدولية، لا يتصور أحد بأن القرم ستنفصل عن روسيا وأنها صارت بحكم الأمر الواقع إحدى جمهوريات الاتحاد الروسي، ما يعني “نجاح الضم”.
وتنص المادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 المتعلقة بقواعد الحرب البرية على أنه “تعد أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو، ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها”.
وتعد واجبات سلطة الاحتلال محددة بشكل أساس في لائحة لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة، إضافة إلى القانون الدولي الإنساني العرفي، ومن أهم نصوصها أنه “لا يكتسب المحتل سيادة على الأرض” ما يجعل ضم الأراضي بالقوة غير قانوني.
كما تتضمن “واجبات المحتل” احترام القوانين النافذة في الأرض المحتلة ما لم تشكل تهديداً لأمنه أو عائقاً لتطبيق القانون الدولي للاحتلال، وعدم إجبار السكان في المنطقة المحتلة على الخدمة في القوات المسلحة لسلطة الاحتلال، وحظر عمليات النقل الجماعية أو الفردية للسكان من الأرض المحتلة أو داخلها، وحظر العقاب الجماعي أو أخذ الرهائن ومصادرة الممتلكات الخاصة.
المصدر: اندبندنت عربية