أصبح استخدام الطائرات بدون طيار أمرا شائعا في النزاعات المسلحة الحديثة خاصة في الشرق الأوسط، وذلك بفضل تكلفتها المنخفضة وفعاليتها كسلاح أو أداة للمراقبة. وتستخدم العديد من دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل وتركيا وإيران والسعودية، طائرات بدون طيار وتسوقها بقوة.
ويجري استخدام الطائرات بدون طيار من قبل الدول الفقيرة والمنظمات التي لا يمكنها الوصول إلى الطائرات المقاتلة المتقدمة، كما يجري استخدامها من قبل الدول الثرية التي تجدها بديلاً قيمًا عن الطائرات المقاتلة المتطورة ولكن المكلفة.
وبالرغم أن تركيا أصبحت رائدة في هذا المجال مع إنتاجها طائرة “بيرقدار” إلا أن التنافس الإقليمي على الطائرات بدون طيار موجود حاليًا بين إيران وإسرائيل. وبينما تحاول إيران تعويض عزلها عن الموردين العسكريين والأسلحة التكنولوجية المتطورة من خلال تطوير الطائرات بدون طيار التي تنقلها أيضا لوكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تفتخر إسرائيل بأسطول متقدم للغاية من الطائرات بدون طيار التي يتم تسويقها في جميع أنحاء العالم، وبعض الدول العربية.
وتغير هذه المنافسة (ببطء ولكن بثبات) طبيعة الحرب وبالتالي تغير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.، فمجموعات مثل “حماس و”الجهاد الإسلامي” في غزة و”حزب الله في” لبنان و”الحوثيون” في اليمن والميليشيات الموالية لإيران في العراق غالبا ما تطور قدراتها عبر الطائرات بدون طيار التي يتم تهريبها أو إرسالها إليهم بطريقة أخرى.
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل دمرت مصنع لطائرات بدون طيار إيرانية في سوريا في يوليو/تموز الماضي، ويقال إن هذا المصنع كان يستخدم لتوزيع الطائرات بدون طيار على الوكلاء في المنطقة.
ويستخدم “الحوثيون” و”حزب الله” الطائرات بدون طيار المسلحة بالصواريخ (بما في ذلك الصواريخ الموجهة) ضد إسرائيل والقواعد الأمريكية والناقلات في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي.
وأطلق الحوثيون بين عامي 2015 و 2021 حوالي 430 صاروخًا باليستيًا و851 طائرة بدون طيار مسلحة باتجاه السعودية، مما أسفر عن مقتل 59 مدنيًا سعوديًا، وفقًا للمتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والذي قال أيضًا إن إيران و”حزب الله” يزودون الحوثيين بالطائرات بدون طيار.
وهناك عدة عوامل زادت من شعبية المسيرات خاصة بين الدول غير الثرية والمنظمات غير الحكومية.
أولا، تعد المسيرات غير مكلفة. ولا تملك الجهات الفاعلة غير الحكومية من حركات التحرر إلى المنظمات الإرهابية التمويل اللازم أو القدرة التشغيلية لشراء الطائرات المقاتلة.
ثانياً، تستطيع العديد من الطائرات بدون طيار التهرب من الرادار، نظرًا لصغر حجمها وقدرتها على الطيران على ارتفاعات منخفضة، وقد أثبتت فاعليتها حتى ضد الأهداف المحمية بمنظومات دفاعية متطورة للغاية.
أخيرًا، تعد الطائرات بدون طيار جيدة في جمع المعلومات لأنها قد تكون بمثابة جواسيس رخيصة ولا يمكن اكتشافها تقريبًا في السماء، لذلك تهتم بها الحركات المسلحة التي لا تمتلك سلاحًا جويًا قويًا أو القدرة على وضع عملاء بشريين في أراضي العدو.
وفي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، بدأت إسرائيل في تطوير طائرات بدون طيار لجمع المعلومات في وقتها عن العدو. وبالتالي، كان لدى إسرائيل طائرات بدون طيار منذ عقود، ولا تظهر أي علامة على تباطؤ وتيرتها في التطوير.
وفي عام 2019، كانت حوالي 50 شركة ناشئة إسرائيلية محلية تعمل على نماذج للطائرات بدون طيار، وبلغ حجم صناعة الطائرات بدون طيار في البلاد مليارات الدولارات. ووفقًا لدراسة أجرتها شركة متخصصة، فإن إسرائيل كانت رائدة عالميا في مجال الطائرات بدون طيار بين عامي 2005 و 2013.
في المقابل، استخدم وكلاء إيران في المنطقة طائرات بدون طيار لأغراض عسكرية تتراوح من المراقبة والاستطلاع إلى حمل القنابل والصواريخ الموجهة. واضطرت إيران ووكلاؤها إلى الاعتماد على استخدام الطائرات بدون طيار حيث لا يمكن لأي منهم شراء طائرات مقاتلة. لذلك وجهوا اهتمامهم إلى تحسين تكنولوجيا الطائرات بدون طيار وتوسيع استخداماتها.
وبالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين، تمثل الطائرات الإيرانية بدون طيار خطراً حقيقياً. وظهر التهديد الذي تشكله هذه الطائرات في يوليو/تموز الماضي عندما قال الجيش الإسرائيلي إنه أسقط 3 مسيرات استخدمها “حزب الله” في محاولة هجوم على منصة استكشاف للغاز في المياه البحرية المتنازع عليها مع لبنان.
كما هددت إيران ووكلاؤها الشحن في الخليج العربي وخليج عمان. وقبل امتلاكها الطائرات المسلحة بدون طيار، كانت إيران تستهدف الناقلات والسفن التجارية باستخدام سفن تابعة للبحرية وخفر السواحل، والتي كانت أدوات القتال الرئيسية في الثمانينيات. وتمددت صناعة الطائرات بدون طيار الإيرانية أيضًا إلى دول أخرى، ففي مايو/أيار 2022، افتتحت إيران مصنعًا للطائرات بدون طيار في طاجيكستان لإنتاج مسيرات “أبابيل2” القادرة على الاستطلاع والقتال.
وفي سبتمبر/أيلول 2022، صادرت البحرية الإيرانية طائرتين بدون طيار تابعتين للبحرية الأمريكية، وأثار الحادث مخاوف الولايات المتحدة بشأن زيادة تسليح إيران ووكلائها بمسيرات جوية وبحرية، بالإضافة إلى استخدامها للصواريخ الباليستية.
كما زودت إيران وكلاءها بالأدوات اللازمة لبناء مصانع الطائرات بدون طيار الخاصة بهم، فعادة ما تكون هذه المسيرات نسخًا لطائرات بدون طيار إيرانية، ولكن يتم إعطاؤها أسماء جديدة لإبعاد اسم إيران عن أفعالهم. وقد نجحت “حماس” في إرسال طائراتها بدون طيار إلى إسرائيل والعودة بأمان إلى غزة.
تصعيد مطرد
قررت إيران تطوير صناعة الطائرات بدون طيار لمواجهة تفوق القدرات العسكرية الجوية لإسرائيل ولمساعدة وكلائها في الشرق الأوسط. وخوفًا من تقدم إيران في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، اختارت إسرائيل في فبراير/شباط 2022 مهاجمة المصانع الإيرانية المشاركة في تصنيع ونشر الطائرات بدون طيار. وشكل الهجوم تصعيدا للحملات السرية وغير المباشرة التي يشنها البلدان منذ سنوات.
ومع ذلك، بث التلفزيون الإيراني في مايو/أيار 2022، لقطات لقاعدة طائرات بدون طيار أسفل سلسلة جبال زاجروس في إيران والتي ورد أنها تحتوي على “أكثر من 100 طائرة بدون طيار للقتال والاستطلاع والهجوم”.
وبدأت إيران أيضًا في تزويد روسيا بطائرات بدون طيار، ففي يوليو/تموز الماضي زار الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إيران للقاء نظيريه التركي “رجب طيب أردوغان” والإيراني “إبراهيم رئيسي” ومناقشة استراتيجيات التنسيق في سوريا.
وأرادت إيران من روسيا استخدام تفوقها العسكري الجوي في سوريا لتقويض قدرة إسرائيل على مهاجمة الأهداف التابعة للنظام السوري وإيران و”حزب الله” على الأراضي السورية، فيما طلب “بوتين” من إيران تزويد روسيا بأكبر عدد ممكن من الطائرات بدون طيار المسلحة حيث أدرك الرئيس الروسي وجنرالاته أنهم متأخرون في تطوير وتصنيع هذا السلاح القيم وغير مكلف.
من جهتها، تبنت إسرائيل موقفًا صارما تجاه تهديد المسيرات الإيرانية. وفي أغسطس/ آب 2019 على سبيل المثال هاجمت إسرائيل أهدافًا في سوريا ولبنان والعراق مرتبطة بإيران. وأسفر الهجوم على سوريا عن مقتل عنصرين من “حزب الله”، وشنت إسرائيل هجومين إضافيين على سوريا في نفس الأسبوع، وزعمت إسرائيل أنه كان يستهدف منشآت لطائرات بدون طيار تابعة لفيلق القدس.
وفي الهجوم على العراق، قصفت طائرة مسيرة إسرائيلية قافلة للميليشيات الشيعية مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص بينهم قائد كبير، فيما كان ثالث هجوم إسرائيلي بطائرات مسيرة مسلحة في العراق منذ ضربة يوليو/تموز 2019 على مستودع أسلحة إيراني، والذي كان أول هجوم إسرائيلي على الأراضي العراقية منذ عام 1981.
وقد وصف الرئيس اللبناني “ميشال عون” هجمات الطائرات بدون طيار على بيروت، والتي تسببت بأضرار طفيفة، بأنها “إعلان حرب”، ووعد زعيم حزب الله “حسن نصر” الله بالرد.
وفي غزة، جعلت “القبة الحديدية” من الصعب على “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إلحاق أضرار كبيرة بإسرائيل باستخدام الصواريخ. لذلك قررت حماس الاعتماد على الطائرات بدون طيار، وبدأت إيران بعد ذلك في تزويد المجموعتين بطائرات بدون طيار مجهزة بالأسلحة وجمع المعلومات الاستخبارية.
وبحسب ما ورد كان هناك عدد كبير من عمليات تسلل الطائرات بدون طيار إلى إسرائيل من غزة، لذلك ركزت إسرائيل على استهداف مستودعات الطائرات بدون طيار ومواقع الإنتاج في غزة. من ناحية أخرى، حصلت حماس على طائرات صغيرة بدون طيار تصنعها الصين لأغراض المراقبة، وأعلنت إسرائيل عن إسقاط بعض هذه الطائرات في مناسبات عديدة.
تغيير وجه الصراع
تتصاعد حرب الطائرات بدون طيار بين إسرائيل من جهة وإيران ووكلائها من جهة أخرى منذ ما لا يقل عن عقدين من الزمن، ويجسد ذلك كيف تطورت الحرب الاستراتيجية جنبًا إلى جنب مع تطور تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، خاصة أنها أصبحت تستخدم من قبل الدول الفقيرة والجهات الفاعلة غير الحكومية.
وتستخدم إيران الطائرات بدون طيار لتعويض فقرها النسبي فيما يخص الطائرات العسكرية بينما تواصل إسرائيل استخدام الطائرات بدون طيار لتعزيز قدراتها العسكرية الجوية.
ومع تزايد فعالية وشعبية الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط، حذر العديد من الاستراتيجيين العسكريين ومنتجي الأسلحة من أن المسيرات الرخيصة أصبحت تحديا خطيرا للجيوش النظامية حيث بإمكانها نشر الفوضى في الأهداف المحصنة على بعد أميال.
وأصبح الاستخدام الواسع بالفعل لهذه التكنولوجيا أكثر وضوحًا يومًا بعد يوم، وهو اتجاه من المرجح أن يغير طبيعة الحرب لسنوات قادمة.
المصدر | بشارة باهباه/ المركز العربي واشنطن دي سي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد