فراس محمد
بعد أكثر من 7 أشهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا يقف العالم اليوم على صفيح ساخن، في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها الحرب في أوكرانيا والتي بلغت ذروتها من خلال تهديد روسيا باستخدام الأسلحة النووية، وهو تطور هائل في سير الحرب الدائرة هناك سيزيد حتما من حدة الاستقطاب والاصطفافات الدولية في ظل المخاوف من تحولها إلى حرب كونية مدمرة.
تداعيات هذه الحرب لم تتوقف على الجانب الميداني والعسكري، بل امتدت لتطول الاقتصاد العالمي وامدادات الطاقة، ما زاد من حدة الصراع ودفع أغلب دول العالم للاصطفاف واتخاذ مواقف عملية اتجاه الحرب الدائرة، بينما آثرت بعض الدول التريث في اتخاذ موقف واضح وفقاً لمصالحها الوطنية، أو بانتظار أن تتضح موازين القوى بشكل أكبر.
أمام هذا المشهد العام الذي خلفته الحرب الأوكرانية بات من الواضح أن النظام العالمي الذي بقي قائما منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1990 بدأ بالتصدع، وأن هناك نظاما عالميا جديدا في طور التشكل لا يمكن التنبؤ بشكله النهائي، ويجب على كل القوى الدولية التحضير وربما المساهمة في تشكيل هذا النظام العالمي الجديد، وأن تحسن الاصطفاف كي لا تجد نفسها على الجانب الخاسر من التاريخ.
ضمن هذا المشهد تبدو القضية السورية ليست ببعيدة عن عين العاصفة، وربما كانت في وقت من الأوقات مؤشرا واضحا على تغير المزاج الروسي في البحث عن دور مركزي في النظام العالمي، وعدم الاكتفاء بالدور السابق الذي لم يكن يتجاوز المحيط الإقليمي في دول الاتحاد السوفييتي السابق.
ورغم اعتقاد البعض بأن القضية السورية أصبحت قضية هامشية في الصراع الدولي القائم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن هذا الرأي يجافي الحقيقية، وهو ما يؤكده الوجود العسكري لقوتين عظميين (الولايات المتحدة وروسيا) وثاني أكبر جيش في الناتو “تركيا”، بالإضافة لميليشيات متعددة الجنسيات، لكن مرد هذا الاعتقاد هو هامشية دور السوريين (موالاة ومعارضة) في الصراع الدائر على أرضهم، وتحولهم تدريجياً إلى بيادق محدودي الحركة على رقعة الشطرنج المحلية، ومعدومي التأثير على مستوى رقعة الشطرنج الدولية، وهذا الواقع المتردي كان سابقاً لتفجر الصراع في أوكرانيا.
وعلى النقيض من هذا الرأي القائل بهامشية القضية السورية، فقد أتاح الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة تاريخية لإعادة القضية إلى صدارة الأحداث الدولية، من خلال تحريك المياه الراكدة، وإعادة تحريك الملف السوري وخاصة من قبل المعارضة، فحالة الجمود الذي وصلت إليه الأوضاع في سوريا كانت بحاجة لحدث جلل كي يكسر الجمود، فكيف إذا كان الحدث بحجم الغزو الروسي لأوكرانيا والذي بات يهدد النظام العالمي بالتصدع، لذا فإن هذه الحرب كانت فرصة تاريخية قد لا تتكرر للمعارضة السورية من أجل الاستفادة من الزخم الدولي بشكل عام، والغربي بشكل خاص الرافض للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والوقوف إلى جانب العالم المتحضر الرافض للبربرية الروسية، وعرض القضية السورية للمجتمع الدولي على أنها هي الأخرى نتاج لهذه البربرية، ولم لا يعاد ترتيب العلاقة مع الدول الغربية الفاعلة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية من أجل إعادة الزخم للملف السوري إن لم يكن من خلال التصعيد العسكري، فعلى الأقل من الناحية السياسية، لكن إلى الآن وبعد 7 أشهر لم تقم المعارضة السورية بأي ردة فعل يذكر، باستثناء بعض التصريحات والبيانات التي لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، ولا ترقى أبداً إلى مستوى الحدث.
وهنا يحق لنا كسوريين أن نتساءل ماذا تنتظر المعارضة السورية للخروج من سباتها، ماذا تنتظر لاتخاذ موقف متقدم يليق بتضحيات الشعب السوري ضد الطغمة الحاكمة في دمشق وضد البربرية الروسية، التي لم تتوان عن ارتكاب عشرات المجازر في سوريا في سبيل تثبيت النظام الدكتاتوري في دمشق، ولو كان ذلك على حساب مئات آلاف الضحايا السوريين على امتداد الوطن السوري.
قد نقبل على مضض وقوف بعض الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري على الحياد من الصراع القائم في شرق أوروبا، وذلك احتراماً للمصالح القومية لتلك الدول، كما يمكن تفهم مواقف دول أخرى ارتأت التريث قبل اتخاذ موقف حازم من الغزو الروسي، فلكل دولة سياساتها ومصالحها القومية، لكن ما لا يمكن فهمه أو قبوله هو موقف المعارضة السورية التي ارتضت لنفسها هذا الدور الثانوي في قضايا تمس صلب القضية التي تدعي تمثيلها، خاصة أنها تملك كل المبررات السياسية والعسكرية والأخلاقية لاتخاذ موقف ضد العدوان الروسي، وهي غير ملزمة لا سياسياً ولا أخلاقياً باتخاذ موقف يتناغم مع حلفائها الإقليميين، فالحلفاء لهم سياساتهم ومصالحهم وأمنهم القومي الواجب احترامه، لكن ما يجب على الآخرين تفهمه واحترامه أيضاً هو مصالحنا كسوريين، وحقنا في استغلال الظرف الدولي بهدف البحث عن حل ينهي المأساة السورية الممتدة لأكثر من 12 عاماً.
ويجب على ساسة المعارضة السورية أن يدركوا أن مهمتهم الأساسية هي تمثيل مصالح الشعب السوري الذي يستمدون شرعيتهم منه، لذا فإن واجبهم بناء تحالفات غايتها الرئيسية هي مصالح الشعب السوري، وهو ما يوفره الظرف الدولي القائم من خلال التحشيد الدولي عموماً والغربي خصوصاً ضد الغطرسة الروسية، وإدراك أن التحالف مع القوى الإقليمية الشقيقة والصديقة لا يعني بأي حال من الأحول التبعية، لأن التبعية العمياء تعني بالضرورة انتهاء الدور الوظيفي لهذه المعارضة إلى غير رجعة.
في الختام يجب أن ندرك كسوريين أن أحداثا بحجم القضية الأوكرانية لا تتكرر كل يوم، لذا فإن الفشل في التعاطي مع الحدث الأوكراني كما هو حاصل الآن سيكون ثمنه استمرار المأساة السورية دون أفق واضح لنهايتها، كما سيرسخ فكرة لدى المجتمع الدولي والدول الفاعلة في الملف السوري بأن المعارضة السورية ليست سوى حالة صوتية تم إفراغها من محتواها، وجهة فاقدة للأهلية، ولن يكون هناك أي جدوى من إشراكها في أي مشروع إقليمي أو دولي، كما أنها ستكون خارج الحسابات في أي حل محتمل للقضية السورية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا