عمار جلّو
فتحت الحرب الروسية في أوكرانيا وتداعياتها، كقرار التعبئة الجزئي من قبل روسيا، أبواباً جديدةً لإسرائيل لاستقدام مستوطنين جدد إلى أراضيها، إذ تستغل الأزمات العسكرية والأمنية في أماكن تواجد اليهود خارجها، لنقلهم وتوطينهم فيها على المدى الطويل.
وحفاظاً على الهوية اليهودية للدولة، ولتعزيز نسبة مواطنيها اليهود مقارنةً بالفلسطينيين، استخدمت إسرائيل قانون العودة لإضفاء الشرعية على جذب المهاجرين اليهود وتوطينهم، وفق سياسة تتّبعها تل أبيب بهدف خلق تحوّل تدريجي في التوازنات الديموغرافية في أعقاب الإعلان عنها كدولة في عام 1948.
وقانون العودة، تشريع إسرائيلي صدر في 5 تموز/ يوليو عام 1950، يعطي اليهود حق الهجرة والاستقرار في إسرائيل ونيل جنسيتها. وفي عام 1970، عُدّل القانون ليشمل أصحاب الأصول اليهودية وأزواجهم. ويسري القانون، على من وُلدوا يهوداً (أي أبناء اليهودية أو أحفاد اليهودية من طرف الأم)، ومن هم من أصول يهودية (أي أبناء وأحفاد اليهودي)، ومعتنقي اليهودية (من الأرثودكس والمحافظين والإصلاحيين).
بالإضافة إلى ذلك، نظّمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، موجات عديدةً من الهجرة الجماعية لليهود إلى إسرائيل من دون أن تكون هناك أي أزمات عسكرية أو أمنية تبرر عمليات النقل هذه إليها، ومنها:
– عملية بساط الريح، أو كما يطلق عليها الغرب عملية على جناح النسر، وهي عملية تم خلالها تهجير سرّي، ونفذتها الوكالة اليهودية لترحيل نحو 49 ألف يهودي من يهود اليمن إلى إسرائيل في الفترة من حزيران/ يونيو 1949، إلى أيلول/ سبتمبر 1950، على متن طائرات أمريكية وبريطانية عبر عدن، وبلغت تكاليف هذه العملية نحو 425 مليون دولار.
عملية عزرا ونحميا، تم خلالها نقل ما بين 120 إلى 130 ألف يهودي عراقي، جوّاً، إلى فلسطين المحتلة في الفترة بين عامي 1950 و1952
– عملية عزرا ونحميا، وتم خلالها نقل ما بين 120 إلى 130 ألف يهودي عراقي، جوّاً، إلى فلسطين المحتلة في الفترة بين عامي 1950 و1952 عبر إيران وقبرص.
– عملية جوشوا، أو عملية شيبا، التي جرت في أواخر آذار/ مارس 1985، حين تم نقل نحو خمسمئة من اليهود الإثيوبيين من مخيمات اللاجئين السودانيين جوّاً، من السودان إلى إسرائيل.
إصلاح الخلل الاجتماعي
مركزية الهجرة والاستيطان، هي الفكرة المركزية في بناء “الدولة الإسرائيلية”، بحسب الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أيمن أبو هاشم، الذي يشير خلال حديثه إلى رصيف22، إلى أن “هجرة اليهود إلى فلسطين سبقت قانون العودة بأكثر من ثلاثين عاماً، وما أضافه القانون هو منح الجنسية الإسرائيلية لكل يهودي يولَد من أب وأم يهوديين، أو من أبنائهم وأحفادهم وبنات وأبناء أحفادهم اليهود، مما زاد في أعداد المهاجرين إلى إسرائيل، وتزايدت معهم مخططات ومشاريع الاستيطان، لتحويل المهاجرين إلى مستوطنين على حساب سكان الأرض الأصليين”.
وجاءت الحرب الروسية في أوكرانيا لتفتح باباً جديداً لإسرائيل لاستكمال التغيير الديمغرافي، في ظل حاجتها إلى هذه الديمغرافيا من أجل ضمان السيطرة اليهودية الكاملة على أراضيها، وضمان متطلبات العمل في جميع المجالات، زيادةً على تنفيذ الوافدين الجدد لسياسة توسيع النشاط الاستيطاني (غير القانوني)، الذي تخطط له وتنفذه تل أبيب في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
يقول الكاتب والمحلل السياسي، علي العبد الله، لرصيف22، إن “الأهداف الإسرائيلية من استقدام مهاجرين يهود جدد تتداخل مع كافة عوامل بقاء الدولة، من تعزيز قدراتها وتوفير استقرار سياسي واجتماعي خاصةً في مجال التوازن السكاني مع الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية، في ضوء التباين الشاسع في الولادات بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذي يميل لصالح الفلسطينيين بفارق كبير”.
ويضيف: “الهجرة تسمح بالمحافظة على التوازن السكاني مستقراً، أو تدفعه للميل لصالح اليهود، من جهة، وتسمح بتصحيح خلل الهرم الاجتماعي الإسرائيلي، والمهاجرون فيهم نسبة جيدة من الأطفال واليافعين، من جهة ثانية، كذلك توفير طاقة علمية، فالمهاجرون القادمون من روسيا وأوكرانيا، والدول المتقدمة في مجال التعليم، فيهم نسبة عالية من حملة الشهادات الجامعية، ومنهم نسبة لديها خبرات عملية في علوم تطبيقية تمد المختبرات ومراكز الأبحاث بطاقات شابة ذات خبرة، من جهة ثالثة. فالهجرة، بهذا المعنى، تضخ دماءً جديدةً وفتيةً في المجتمع الإسرائيلي”.
وكانت الهجرة الجماعية لليهود الروس (قرابة مليون مهاجر) من الاتحاد السوفياتي السابق خلال الفترة ما بين 1989-1990، قد شكّلت نقطةً مفصليةً في تاريخ “الدولة الإسرائيلية”، فإلى جانب الكم الديموغرافي، المطلوب إسرائيلياً، ثمة آلاف، منهم أكاديميون وعلماء ذرة وأطباء ومهندسون، ساهموا في تطور الأداء الاقتصادي وارتفاع معدلات التنمية البشرية الإسرائيلية.
ففي إسرائيل، يتحدث ما لا يقل عن 15 في المئة من السكان هناك اللغة الروسية، ويُعدّون أكبر أقلية يهودية وفقاً لمركز الأبحاث الأمريكي “ويلسون سنتر”.
ويشير أبو هاشم، إلى “توجه قوي لدى الحكومة الإسرائيلية منذ بداية الحرب في أوكرانيا، لاستغلال ما يجري بهدف استقبال أعداد جديدة من اليهود فيها، ورأس حربة هذا التوجه “وزير الشتات” نحمان شاي. واليوم ما يزيد عن 25 ألف أوكراني، وما بين 30 إلى 40 ألف يهودي روسي، قد وصلوا إلى فلسطين المحتلة، وقد أثار النشاط المتزايد للوكالة اليهودية في روسيا غضب الكرملين، من خلال تسهيل إجراءات هجرة اليهود الروس لإسرائيل، وهو ما عدّته موسكو انتهاكاً لقوانين الخصوصية”.
قانون القومية
تشكلت الوكالة اليهودية للهجرة في عام 1929، ولديها فروع في جميع أنحاء العالم، وبدأت عملها في روسيا عام 1989، مع بدء تزايد الهجرة إلى إسرائيل.
وتُعدّ الوكالة، التي تتخذ من مدينة القدس مقراً لها، أكبر منظمة يهودية غير ربحية في العالم، وتساعد اليهود على الهجرة إلى إسرائيل. وتُعرف الوكالة باسم “سخنوت”، وتهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين: الأول مساعدة اليهود في شتى أنحاء العالم على الهجرة إلى إسرائيل، والثاني تعزيز الهوية اليهودية.
وكانت وزارة العدل الروسية قد رفعت في 15 تموز/ يوليو الماضي، شكوى أمام محكمة بسماني في موسكو على الوكالة. وقالت المحكمة إن وزارة العدل طلبت تصفية الفرع الروسي من الوكالة اليهودية، فيما أوضح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن تحرك الوزارة جاء بعد انتهاك الوكالة للقوانين الروسية.
وفي هذا الصدد، رأى رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لبيد، أن “الجالية اليهودية في روسيا مرتبطة بإسرائيل بعمق، وسنواصل العمل من خلال القنوات الدبلوماسية حتى لا يتوقف نشاط الوكالة اليهودية المهم”.
بدوره، قال “وزير الشتات” الإسرائيلي، إن “محاولة معاقبة الوكالة اليهودية على موقف إسرائيل من الحرب أمر مؤسف ومهين. لا يمكن فصل يهود روسيا عن علاقتهم التاريخية والعاطفية بدولة إسرائيل”، مضيفاً: “اليهود الروس لن يقعوا رهائن بسبب الحرب في أوكرانيا”.
وبحسب العبد الله، طُلب من الوكالة وقف أنشطتها كونها أنشطةً غير قانونية، ولم يتم إغلاق مكاتبها حتى الآن، مع تحريك دعوى قضائية من أجل إغلاق مكاتبها وحظر أنشطتها على الأرض الروسية، للضغط على إسرائيل كي تكفّ عن إحراج روسيا في سوريا، وكي لا تدعم أوكرانيا بأسلحة متطورة، وهذا يعني أن الملف مطروح لمساومات سياسية على خلفية جيو-سياسية.
يضيف: “لننتظر نتيجة المساومة، ففشلها في رأب الصدع ومتابعة تحريك الدعوى القضائية وصدور حكم بإغلاق مكاتب الوكالة، ستحد من هجرة اليهود الروس إلى إسرائيل بالتأكيد، علماً أن عدد اليهود المتبقّين في روسيا ولهم حق العودة، وفق اتفاق سابق مع الاتحاد السوفياتي، نحو نصف مليون يهودي.
في تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، نشرت قناة “كان 11” الإسرائيلية، أنّ وزيرة “الهجرة والاستيعاب” الإسرائيلية بانينا تمانو شطا، عقدت اجتماعاً مع الكادر المهني لوزارتها بشأن الهجرة من روسيا، وناقشت فيه قضية “هروب اليهود الروس” على أثر مرسوم التعبئة الجزئية لتجنيد جنود الاحتياط للمشاركة في الحرب الروسية في أوكرانيا.
وزارة العدل الروسية رفعت في 15 تموز/ يوليو الماضي، شكوى أمام محكمة بسماني في موسكو على الوكالة اليهودية للهجرة
وتشير التقديرات التي أوردتها القناة، إلى أنّ الخطة تقضي بوصول قرابة 6 آلاف مهاجر يهودي شهرياً، في غضون الأشهر الستة المقبلة، وتم الاتفاق على أن تنشئ الوكالة اليهودية محطات عبور في فنلندا وأذربيجان للمهاجرين من روسيا، لإتاحة خضوع المهاجرين للإجراءات العاجلة.
يربط أبو هاشم، بين القوانين العنصرية لإسرائيل، وبين مساعيها لاستقدام المستوطنين، ففي عام 2018، أقرّ الكنيست الإسرائيلي قانون القومية، الذي يُعرّف إسرائيل كدولة يهودية. وتالياً فإن العرب غير اليهود مجرد سكان من درجة أدنى من المواطنين اليهود، وغير معترف بهم كبقية مواطني الكيان، سوى كأقلية تعاني من التمييز والعنصرية. ومع سيطرة اليمين المتشدد على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في السنوات الأخيرة، تسهر هذه الحكومات على تفعيل قانوني العودة والقومية، بهدف تشجيع المزيد من اليهود للقدوم والاستيطان في فلسطين، وتهويد الأرض والقوانين والمؤسسات، في مقابل طمس وإلغاء الهوية العربية الفلسطينية.
تحويل الضحية إلى جلاد
ذكر موقع “معاريف” في آذار/ مارس الماضي، أن بينيت، أعلن رسمياً أمام أعضاء “اللجنة الوزارية لشؤون استيعاب المهاجرين”، أن الحكومة الإسرائيلية أطلقت حملتها لجلب يهود أوكرانيا والدول المجاورة لها، تحت اسم “نهاجر للبيت”.
وتستغل إسرائيل المهاجرين اليهود المتأثرين بالصراع لنقلهم إلى مستوطنات غير قانونية، وتحويلهم إلى أداة قمع سكان آخرين. وبينما يكافح الأوكرانيون اليوم لصدّ الغزو الروسي لبلادهم، حولت إسرائيل هذه المناسبة إلى فرصة لإدامة احتلال آخر، من خلال توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية.
وبحسب دراسة لمركز الأهرام، فإن قسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية قد أعلن عن بدء إنشاء 1،000 وحدة استيطانية لاستيعاب اليهود الفارين من أوكرانيا، وتضمنت الخطة مباني سكنيةً يتم استخدامها لاستيعاب المهاجرين اليهود الجدد، وستقام المباني في مناطق قرب الحدود الشمالية في النقب، ووادي عربة، ووادي الينابيع بالقرب من بيسان، وفي وادي الأردن.
ودعا عضو الكنيست، تسفي هاوزر، إلى اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لاستيعاب الجالية اليهودية في أوكرانيا، والتي تقدَّر وفقاً لآخر الإحصاءات المعلنة بنحو 200 ألف، في أسرع وقت، ورأى أن الأوضاع الحالية فرصة تاريخية أمام إسرائيل تجب إدارتها بحكمة، وتحقيق أهداف إسرائيل كدولة للشعب اليهودي.
وبحسب العبد الله، “يفضل يهود روسيا وشرق أوروبا التوجه إلى الولايات المتحدة كأولوية، وإلى دول أوروبا الغربية في الدرجة الثانية. لكن الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية تضع معايير للهجرة، وفق نسب مئوية سنوية، وفئات عمرية، ونوعية التعليم والإمكانيات الاقتصادية… إلخ، ما يعيق هجرة نسبة معتبرة من يهود روسيا وأوروبا الشرقية إلى هذه الدول، ما دفع كثراً منهم إلى الهجرة إلى إسرائيل، والحصول على الجنسية الإسرائيلية والسفر بعدها للعيش في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية كإسرائيليين يتمتعون بغطاء معنوي قوي”.
وكانت صحيفة “هآرتس”، قد أفادت بأنه منذ إعلان التعبئة في الجيش الروسي سجلت طلبات القدوم من روسيا إلى إسرائيل ارتفاعاً بنحو 30%، وذلك عدا عن الطلبات المصادق عليها والمقدَّر عددها بـ40 ألفاً، بينما يوجد في أوكرانيا 200 ألف يهودي يستوفون شروط “قانون العودة”، ونحو 30 ألفاً تم استقدامهم إلى إسرائيل منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا. ووفقاً للصحيفة، فإنه منذ بداية العام الماضي وحتى أيلول/ سبتمبر 2022، تم استقدام نحو 60 ألف يهودي مهاجر إلى إسرائيل، معظمهم من روسيا.
وتبقى الأعداد القادمة من روسيا وأوكرانيا أقل من أعداد خطط الاستيعاب التي وضعتها حكومتا بينيت ولابيد، بحسب أبو هاشم، الذي يشير إلى محاولة اللعب على حبل الحياد لتنفيذ سياساتهما. وهذه السياسات باتت على المحك، في ظل الضغط الأوكراني لدعمها بأنظمة الدفاع الجوي (القبة الحديدية)، والذي يقابله ضغط روسي يمنعها من اتخاذ مواقف داعمة لأوكرانيا، مما قد يحد من هجرة اليهود من كلا البلدين. مع ذلك، سيبقى هذا الملف مفتوحاً على احتمال زيادة أعداد اليهود الروس الراغبين في الاستيطان في فلسطين، إذا اتجهت كفة الصراع لصالح أوكرانيا.
المصدر: رصيف 22