إسماعيل جمال
مع تواصل التحقيقات التركية في التفجير الذي وقع الأحد الماضي في شارع استقلال السياحي الشهير في إسطنبول وخلف 6 قتلى وعشرات الجرحى، أخذت التحريات بعداً دولياً بالتركيز على ما تقول الجهات الأمنية التركية إنه مصدر التخطيط وقيادة العملية من قبل الوحدات الكردية شمالي سوريا والجهات التي حاول بعض المتهمين ونجح بعضهم الآخر في الفرار إليها عقب العملية وخاصة اليونان وبلغاريا.
وفي ظل الاتهامات المباشرة للوحدات الكردية بالمشاركة في العملية إلى جانب المتهم الرئيسي تنظيم بي كي كي، يتصاعد الغضب التركي من الدعم الغربي للوحدات الكردية وسط عودة قوية للتلويح بعملية عسكرية جديدة في شمالي سوريا وأفق أزمة جديدة تلوح بين أنقرة وواشنطن التي تتهمها الأولى بتقديم الدعم السياسي والعسكري للوحدات الكردية التي تؤكد تركيا أنها «جزء لا يتجزأ من تنظيم بي كي كي الإرهابي».
وبالتزامن مع التشعبات التي وصل إليها التحقيق من دخول الخلية المنفذة إلى تركيا من سوريا بشكل غير قانوني وتخطيط المنفذة للهرب إلى اليونان والتكهنات بهروب أحد أهم أعضاء الخلية إلى بلغاريا، عاد النقاش مجدداً وبقوة حول أمن الحدود وخاصة مع سوريا والعراق، وملف الهجرة غير الشرعية براً وبحراً نحو اليونان وما يحمله ذلك من مخاطر كبيرة على الأمن في الداخل التركي.
تفاصيل جديدة
والأحد الماضي، وقع انفجار في شارع استقلال المتفرع من ميدان تقسيم السياحي الشهير في إسطنبول خلف 6 قتلى و83 جريحاً أكدت التحقيقات التركية أنه وقع نتيجة انفجار حقيبة معبئة بالمتفجرات تركتها سيدة تحمل الجنسية السورية تدعى أحلام البشير التي جرى اعتقالها عقب ساعات من التفجير وسط حملة اعتقالات طالت أكثر من 50 مشتبهاً بعضهم وجهت له تهم مباشرة في المشاركة بالتخطيط والمساعدة والتنفيذ.
وحسب بيانات الأمن التركي، فإن أحلام البشير هي من تركت القنبلة في شارع استقلال بمساعدة أشخاص أوصلوها للمكان وكانوا يخططون لنقلها إلى اليونان قبل اعتقالها، وإنه جرى التخطيط للعملية وإعطاء الخلية الأوامر من قيادات في تنظيم «بي كي كي/ب ي د» في شمالي سوريا، حيث جرى اعتقال عدد كبير من المتهمين فيما لا تزال التحقيقات تكشف مزيداً من التفاصيل يوماً تلو الآخر.
وفي أحدث ما كشفت عنه مديرية أمن إسطنبول، فإن التحقيقات تتركز حول المشتبه به الفار بلال حسان، ومكان عملهما الذي يديره فرهاد حبش، حيث توصل الأمن إلى أن شقيق حبش يعمل لصالح الوحدات الكردية و«تم تحييده في عملية للقوات المسلحة التركية».
ويقول الأمن التركي إنه حصل على وثائق لعقد زواج مزور بين المشتبه به الفار بلال حسان والمنفذة أحلام البشير، والوثيقة زوّرت على أنها عقد زواج تم من قبل «المحكمة الشرعية بحلب» كما جرى اعتقال عمار جركس الذي أوصل الفار بلال حسن إلى ولاية أدرنة قرب الحدود اليونانية والبلغارية، وحسين غونش الذي استقبل حسام في الولاية، وكشفت التحقيقات عن الخلية التي ساعدته بالفرار.
وحسب تحقيقات نيابة إسطنبول التي أمرت بحبس 17 من المتهمين الموقوفين، فإن البشير كانت تعتزم تنفيذ التفجير يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر إلا أنها أجلته إلى 13 من الشهر نفسه. تقول النيابة: «البشير تواصلت مع ياسر الكورالي الذي يعمل سائق سيارة أجرة غير مرخصة عقب جولتها الاستطلاعية الأولى، وتوجهت مرة أخرى إلى تقسيم بهدف الاستطلاع. انتظر كورالي البشير وبعدها أقلها إلى ورشة الخياطة، وأخيرا قرر كل من البشير و(الفار بلال) حسان التوجه إلى تقسيم في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، وتواصلا مع الكورالي ثم تخليا عن قرارهما وأجلا ذهابهما إلى 13 تشرين الثاني/نوفمبر اليوم الذي وقع فيه التفجير».
توسع التحقيقات
بينما تتواصل التحقيقات والتحريات والملاحقات في مناطق مختلفة في تركيا، امتدت القضية إلى دول أخرى عقب توقيف مطلوب رئيسي مرتبط بالهجوم في شمالي سوريا، وسط أنباء عن اعتقال مجموعة تهريب في بلغاريا يعتقد أنها ربما ساعدت في تهريب متهمين رئيسيين بالمشاركة في الهجوم الذي تكشفت الكثير من تفاصيله ولا يزال الغموض يكتنف الكثير من التفاصيل الأخرى.
والأربعاء، قالت مصادر رسمية تركية إن قوات الأمن التركية في مدينة اعزاز شمالي سوريا ألقت القبض على عضو في تنظيم «بي كي كي/ بي واي دي» يلقب بـ«حسام» قالت إنه متورط في التفجير الذي وقع بشارع استقلال في إسطنبول، موضحة أن الموقوف عضو في الوحدات الكردية شمالي سوريا ووصل إلى إسطنبول قبل عام من التفجير ورصد وهو يتحرك بإسطنبول إلى جانب منفذة التفجير وأشخاص آخرين ساعدوها.
وأوضحت المصادر أن المشتبه به ساعد منفذة التفجير أحلام البشير والمشتبهين الذين تحركوا معها خلال إعدادهم للتفجير، مشيرًة أن حسام فر إلى سوريا قبل إلقاء القبض عليه في العملية التي انطلقت عقب التفجير. ويعتقد أن الاعتقال جرى بالتنسيق بين المخابرات والجيش التركي وعناصر أمن محلية تابعة للمعارضة السورية في أعزاز شمالي سوريا.
وعقب اعتقال قوات الأمن التركية المشتبه به «حسام أ» الذي ثبت بصور كاميرات المراقبة أنه قدم مساعدة مباشرة للمنفذة أحلام البشير، تتركز الجهود حالياً للوصول إلى شخص يدعى بلال حسان الذي يعتقد أنه قد تمكن بالفعل من الفرار إلى بلغاريا عبر الحدود التركية براً.
وبلال حسان هو شخص أقام لأسابيع طويلة بنفس المنزل مع المنفذة أحلام البشير وكان يقول إنه زوجها، كما عمل معها بنفس ورشة الخياطة التي عملت بها في إسطنبول، وتتوقع الجهات الأمنية التركية أن حسام ليس الزوج الحقيقي للمنفذة وإنهم مثلوا أنهم أزواج لفترة طويلة كون ذلك يساعدهم على التحرك بسهولة من الناحية الأمنية.
وحسب التحقيقات التركية، فإن بلال حسن هو أهم شخص في الخلية التي نفذت الهجوم بعد المنفذة أحلام، كونه الشخص الذي أوصلها إلى ميدان تقسيم قبل أن تدخل شارع الاستقلال لتفجير القنبلة، كما جرى التثبت من أنه أول شخص اتصلت فيه المنفذة عقب تفجيرها القنبلة، وتشير التحقيقات إلى أنه تواجد في أدرنة قرب الحدود اليونانية والبلغارية ليلة التفجير ويعتقد أنه دخل بطريقة غير قانونية نحو بلغاريا.
صحيفة «حرييت» التركية قالت في تقرير لها إن قوات الأمن التركية على تواصل مع الجهات المعنية في بلغاريا وأن الجهات الأمنية هناك تمكنت من إلقاء القبض على 5 أشخاص يحملون جنسية مولدوفا يعتقد أنهم خلية من مهربي البشر ساعدوا بلال حسان في الدخول إلى الأراضي البلغارية، وسط تنسيق أمني ومساع مشتركة للوصول إلى المتهم.
وتشير الصحيفة إلى أن خلاصة التحقيقات تشير إلى أن العقل المدبر الأساسي للهجوم هو عمار جركس وهو سوري وصل إلى تركيا قبل نحو عام، وتلقى التعليمات المباشرة من شخص يدعى «حاجي» في القامشلي شمالي سوريا، حيث رصد اتصال هاتفي يقول فيه مخطط الهجوم «البنت (منفذة الهجوم) ليست مهمة، اقتلوها، عمار مهم بالنسبة لنا، أخرجوه (من تركيا إلى اليونان أو بلغاريا)».
تقول وكالة «الأناضول» إن المنفذة أحلام البشير اعترفت أثناء استجوابها الأول لدى السلطات التركية أنها تلقت أمر تنفيذ الهجوم من مسؤول كبير في تنظيم «بي كي كي» يدعى باسمه الحركي «حاجي» كما اعترفت بأنها كانت تخطط للفرار إلى خارج البلاد عبر ولاية أدرنة الحدودية بعد تنفيذ التفجير، كما كشفت عن أنها دخلت إلى تركيا عبر عفرين-إدلب بعد أن مكثت في مدينة منبج لمدة شهرين.
التلويح بعملية عسكرية
الاتهامات التركية المركزة حول إدارة العملية من شمالي سوريا من قبل قادة في الوحدات الكردية التي تؤكد أنقرة أنها امتداد وتنظيم متكامل مع «بي كي كي» أعاد إلى الواجهة بقوة التهديدات التركية بالقيام بعملية عسكرية جديدة ضد ما تقول إنها «منابع الإرهاب» وبشكل خاص المناطق التي تنطلق منها الهجمات ضد القوات التركية في شمالي سوريا والداخل التركي وخاصة تل رفعت وعين العرب/كوباني.
وعلى المدى السنوات الماضية، هددت تركيا بالقيام بعملية عسكرية جديدة عقب سلسلة عمليات سابقة ضد الوحدات الكردية في شمالي سوريا، إلا أن هذه التهديدات أخذت بعداً جديداً عقب الاتهام المباشر للوحدات بالمشاركة في هجوم استهدف مدنيين في قلب إسطنبول والتأكيد على حقها في القضاء على «منابع الإرهاب» وهو يعطي أنقرة مبرراً على الصعيدين الداخلي، والخارجي الذي يعارض العمليات التركية هناك.
وتشدد أنقرة على ضرورة إبعاد الوحدات الكردية عن كامل الحدود التركية لحفظ أمنها القومي، وهو ما يتركز بدرجة أساسية حول مناطق من منبج وعين العرب/كوباني وهي مناطق من شأن السيطرة عليها وصل مناطق القوات التركية والمعارضة السورية في عفرين ومناطق عملية «نبع السلام» في رأس العين وتل أبيض، وهو ما يعتبر أولوية في حسابات الجيش التركي.
هذه المعطيات فاقمت الغضب التركي من الدعم الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام للوحدات الكردية الذي تعتبره دعماً مباشراً للإرهاب الموجه ضدها، حيث وجهت اتهامات لواشنطن وعواصم غربية بالمشاركة غير المباشرة في ازهاق أرواح المدنيين الأتراك عبر استمرار دعم الوحدات الكردية.
الهجرة وأمن الحدود
ولم تتوقف ارتدادات التفجير عند هذا الحد، وإنما أعاد طرح أسئلة كبيرة حول أمن الحدود وملف الهجرة لاسيما عقب الكشف عن دخول الخلية المنفذة إلى تركيا بطريقة غير قانونية من سوريا، وسعي أفراد في الخلية وخاصة المنفذة الرئيسية إلى الهروب نحو اليونان عبر طرق الهجرة غير القانونية.
وتصاعدت الدعوات من شخصيات سياسية وحزبية وإعلامية وحتى خبراء أمنيين بضرورة تشديد إجراءات ضبط الحدود مع سوريا، ومحاربة ملف الهجرة غير القانونية حيث باتت تركيا في السنوات الأخيرة ممرا أساسيا للهجرة نحو أوروبا وهو ما بات يعتبر «تهديداً للأمن القومي» الأمر الذي يتوقع أن ينعكس على تعامل الأمن والسلطات التركية مع ملف المهاجرين والإقامات خلال المرحلة المقبلة.
المصدر: القدس العربي