أحمد مظهر سعدو
تواكب مسيرة الوجود الاحتلالي الكولونيالي الإيراني في الجغرافيا السورية تحركها الطغياني الإجرامي الاغتصابي ضد أهل وشعب سورية في كل المحافظات السورية. حيث دخلت هذه الميليشيات الإيرانية الأرض السورية منذ بدايات الثورة السورية عام 2011، تحت ذرائع مختلفة قام باختلاقها النظام السوري وأيضًا قيادات مايسمى ” الحرس الثوري الإيراني” وهم الذين كانوا على مقربة من مصادر صنع القرار في الجهاز الأمني والاستخباراتي للنظام السوري.
تعيد الميليشيا الطائفية الإيرانية تموضعها بين الفينة والأخرى على امتداد الساحة السورية، وذلك هربًا من الاستهداف الإسرائيلي الذي يطال أماكن تواجدها، وكان آخره ماجرى من ضربة إسرائيلية لمواقع (حزب الله) و(الحرس الثوري الإيراني) المتواجدة في الجنوب السوري ضمن أراضي محافظة السويداء، والذي أدى إلى تدمير الموقع بالكامل.
لكن التمركز والهيمنة الإيرانية التي تتواجد في محافظة حمص، وهي المنطقة الثائرة ضد الطغيان الأسدي جاوزت كل حد حيث تعمل السياسة الإيرانية الملالية على تغيير ديمغرافي خطير يحاول الإمساك بالمجتمع الحمصي، وخاصة الأرياف منه، عبر الإغراءات المالية أحيانًا والترهيب في حالات أخرى، في محاولة من الإيرانيين لعملية تشييع الكثير من القرى في ريف حمص، والإيرانيون يدركون تمامًا ماذا يعني الحصول على ملموسية هذا التغيير الديمغرافي الخطير، الذي يحيل المسألة بكليتها إلى تبعية مطلقة للولي الفقيه وحكومة الملالي، حيث ضاقت شعوب إيران ذرعًا بسياساتها، فكيف وهم يشتغلون بهذا المعنى ضمن أراضي سورية، لم تكن يومًا بتبعية إيرانية أو تبعية مذهبية لهم بأي حال من الأحوال.
ولعل هذه الاستراتيجيا الإيرانية المنهمكة في كينونة التغيير الديمغرافي الخطير جدًا على المنطقة بمجملها، وليس على تركيبة المجتمع السوري فقط، المتعارض بتكوينه وأنساقه الاجتماعية بشكل عام، مع كل منتجات ومعطيات المشروع الفارسي الطائفي الذي يريد تمددًا وإنفاذًا لأطماع فارسية طالما حلم بها منفذوا سياسة الملالي في العصر الحديث، أي منذ أن تم خطف السلطة في إيران من قبل دولة الملالي في طهران عام ١٩٧٩ يوم انتصرت ماسمي بثورة الشعوب الإسلامية في جغرافية إيران السياسية، والتي شكلت أكبر خطر تمددي على المنطقة العربية والشرق أوسطية برمتها. وكان ماكان من تغول سياسي واحتلال كولونيالي كبير وخطير طال السكان وتركيبتهم، كما طال الموارد الاقتصادية السورية من فوسفات وموانيء ومطارات وشركات خليوي، حيث يراد منها السيطرة والتجسس على كل شيء في سورية، خوفًا من استمرار الثورة الشعبية السورية التي كانت ومازالت في حالة عداء ندي مع كل سياسات إيران التكتيكية والاستراتيجية في سورية والمنطقة بمجملها.
تعتبر سياسات واستهدافات الإيرانيين للسوريين في محافظة حمص ذات مدلولات محددة تواكب الاشتغال التغييري الديمغرافي الذي تريده إيران في سورية، وقد أكدت مجسات المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 10 حزيران/ يونيو 2022، قيام ميليشيات تابعة لـ “الحرس الثوري” الإيراني، (بحرق نحو 5 منازل في الحي الغربي من مدينة تدمر الأثرية بريف حمص الشرقي، ووفقًا لمصادر المرصد السوري، فإن(عمليات حرق المنازل جرت بحجج واهية إما أن أصحاب المنازل عملوا سابقًا مع تنظيم “الدولة الإسلامية” وفصائل المعارضة، أو أن أصحاب المنازل يقطنون بمناطق خارجة عن سيطرة النظام وميلبشيات إيران أو متواجدين خارج سورية، وأثناء عملية الحرق، تم إضافة مادة خاصة من قِبل عناصر الميليشيات، تعمل على تفتيت مادة البيتون وخصوصًا للأسقف، بحيث يقوم من يعمل معهم بسحب مادة الحديد والأسلاك النحاسية وبيعها وكل ذلك يتم أمام أنظار قوات قوات النظام التي لاتحرك ساكنًا رغم مناشدات الأهالي القاطنين في مدينة تدمر بضرورة تحجيم دور الميليشيات الإيرانية في المدينة.)
والحقيقة أنه سبق وأن قامت ميليشيات إيران (بالاستيلاء على منازل مدنيين في تدمر بالإضافة إلى سرقة أثاث منازل بحجة أن أصحابها إما شاركوا بالحراك السلمي ضد النظام أو ممن قاتلوا في صفوف فصائل المعارضة وتنظيم “الدولة الإسلامية”.)
وحسب المرصد السوري لحقوق الانسان ففي ( 21 حزيران/يونيو 2022، اتخذت ميليشيا “فاطميون” الأفغانية الموالية لإيران والعاملة في مدينة تدمر الأثرية بريف حمص الشرقي، من مبنى صوامع الحبوب والواقع شرقي مدينة تدمر 10 كلم مقرًا جديدًا لعناصرها، حيث يقع مبنى الصوامع قرب الاوتستراد الدولي تدمر – دير الزور، وعقبها بثلاثة أيام عمدت حواجز عسكرية تابعة لميليشيا “فاطميون” الأفغانية وميليشيا حزب الله اللبناني، والمتواجدة عند مداخل ومخارج مدينة القريتين بريف حمص الجنوبي الشرقي ضمن البادية السورية، إلى إطلاق حملة تفتيش موسعة على جميع الداخلين والخارجين إلى المدينة، حيث قامت الحواجز بعمليات تفتيش دقيقة على السيارات والمارة لأسباب مجهولة، وسط مطالبتهم بأوراق ثبوتية.)
تجدر الإشارة وحسب مصادر محلية إلى (وصول خبير إيراني بحماية “الحرس الثوري” الإيراني إلى موقع الصوانة لإجراء أبحاث في منطقة حقول الفوسفات الخاضعة لسيطرة ميليشيات إيران جنوبي مدينة تدمر.) وبحسب مصادر المرصد السوري، فإن (الخبير الإيراني الذي وصل المنطقة هو الثالث بعد أن وصل خبيران في أواخر مارس/آذار من العام الجاري، وجرى تغيير طاقم الحراسة الخاص بهم وباتوا يخضعون للحراسة من قِبل 10 عناصر إيرانيين تابعين لـ “الحرس الثوري” الإيراني ويتنقلون عبر سيارات مصفحة في المنطقة). كما قامت ميليشيا فاطميون بنقل كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى مواقع محصنة ضمن أقبية في منطقة سوق الهال القديم بمدينة تدمر، حيث يقع السوق القديم قرب مطار تدمر العسكري.
وتشير معلومات مؤكدة إلى أن هناك تصاعداً كبيراً للتحركات العسكرية لميليشيات إيران في بادية حمص بوسط البلاد خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وأن «مناطق نفوذ الميليشيات الإيرانية في محافظة حمص وباديتها تحديداً شهدت تحركات عسكرية مكثفة خلال سبتمبر/أيلول، حيث “وصلت تعزيزات عسكرية لميليشيا (حزب الله) اللبناني إلى مدينة مهين بريف حمص الشرقي”. وأضافت المعلومات المؤكدة أن هذه التعزيزات تتألف من 5 سيارات دفع رباعي عليها رشاشات ثقيلة، إضافة إلى عدد من العناصر، والقوات الجديدة استقرت في منطقة بمحيط مدينة مهين.
تحدث «المرصد» عن أنه في الثالث من سبتمبر/ أيلول، “نقلت الميليشيات كميات من الأسلحة والصواريخ من مقراتها القريبة من منطقة الأوراس بريف حمص، إلى قرية خطاب بريف حماة، تحسباً لاستهدافها من قبل إسرائيل، حيث تم إفراغ تلك الأسلحة ضمن أماكن محصنة بالقرب من القرية”.
وفي الرابع من سبتمبر/ أيلول نقلت ميليشيا «فاطميون» الأفغانية عدداً من الطائرات المسيّرة الموجودة في عدة مواقع بمحيط مدينة تدمر الأثرية إلى مطار تدمر العسكري بريف حمص الشرقي، بحسب «المرصد»، الذي أوضح أن هذه الميليشيا خزّنت الطائرات المسيّرة داخل عدد من الهناجر المحصنة، وبدأت، تحت إشراف ضباط من «الحرس الثوري» الإيراني، بتدريب عدد من عناصرها على كيفية استخدامها ضمن مطار تدمر العسكري.
وبتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول، تحدث «المرصد» عن (وصول 35 عنصراً من «ميليشيا حزب الله السوري»، المدربة والمسلحة من قبل «حزب الله» اللبناني، مع عتادهم الكامل من أسلحة وآليات، إلى مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، قادمين من منطقة السخنة بالبادية السورية، حيث تمركزوا ضمن المدينة ومحيطها وأنشأوا نقاطاً هناك، عقب تلقيهم معلومات عن استهداف تنظيم «داعش» أماكن تواجدهم في السخنة.)
كما أشار «المرصد» إلى أن (تعزيزات عسكرية للميليشيات الإيرانية انتقلت من دير الزور إلى بادية حمص الشرقية بتاريخ 19 سبتمبر/ أيلول، حيث وصلت قوات من «لواء فاطميون» الأفغاني وميليشيا «حزب الله العراقي» إلى منطقة تقع بين قرية آرك وحقل آرك للغاز، على بعد نحو 35 كيلو متراً من مدينة تدمر، قرب أوتستراد تدمر – دير الزور، وذلك بغية حماية الحقل من هجمات واستهدافات محتملة قد تنفذها خلايا تنظيم «داعش».).
كما تحدث «المرصد» عن (تحويل ميليشيا «فاطميون» ما يعرف بـ«ملعب الصناعة» ضمن مدينة تدمر، إلى مركز تدريب على السلاح خاص بعناصرها فقط. كما افتتحت ورشة ضمن الملعب لإصلاح السيارات.).
تغيير ديمغرافي خطير:
يبدو أن إيران وعبر ميليشياتها وبعثاتها تحاول توسيع الأقلية الشيعية في سورية لجعلها مركز ثقل في الأراضي السورية، وقادرة على تغيير أي معادلة من خلال تكبير عدد المنتسبين إليها عبر عدة طرق ووسائل متبعة . والميليشيات الإيرانية المتواجدة في مدينة القريتين بريف حمص عمدت مؤخراً إلى تقديم إغراءات مالية ودروس فقهية وشرعية في المذهب الشيعي لأهالي المدينة، في محاولة منها لنشر الفكر الشيعي في المناطق التي تتواجد فيها والتي لا يوجد فيها أي موطئ قدم سابق لذلك الفكر الدخيل على الأهالي في سورية.
مصدر مطلع قال:( الميليشيات الإيرانية حولت مؤخراً جامع الصحابي عمرو بن العاص الواقع شرقي مدينة القريتين، إلى مركز لإعطاء الدروس الفقهية والشرعية الخاصة بالمذهب الشيعي لأهالي المدينة، وجعله مركزاً ثقافياً وفقهياً لنشر التشيع داخل المدينة). وتبين المصادر أن (القائمين على المركز المُنشأ حديثاً على أنقاض المسجد، ينتمون بمعظمهم إلى الميليشيات الإيرانية المنتشرة في القريتين، فضلاً عن معممين جاؤوا حديثاً إلى المدينة وبدأوا بإعطاء الدروس والأحكام الشرعية، إضافةً إلى إقامة دورات تعليمية في اللغة الفارسية.)
وكشفت المصادر عن (تقديم الميليشيات عدة امتيازات للأهالي المنخرطين والمواظبين على حضور الندوات والدروس الشيعية، فضلاً عن توزيع جوائز مادية قيمة للفائزين في مسابقات اللغة والفقه الشرعي، وتخصيص مبلغ مادي قدره 75 ألف ليرة سورية كراتب شهري لطلاب العلم، وتقديم معونات غذائية لذويهم.)
الميليشيات الإيرانية تعتمد في نشر فكر التشيع على(المدعو ” سفيان الساعاتي” وهو أحد أبناء مدينة القريتين ويمتلك نفوذاً كبيراً داخلها، ويراه البعض كممثل عن المدينة نتيجة إجرائه مصالحة مطلع العام 2014 بعدما كان قيادياً في الجيش الحر).
وتؤكد المصادر أن (الساعاتي يعمل حالياً كسمسار لاستقطاب الأهالي إلى المذهب الشيعي من خلال حضهم على حضور الندوات الدينية المقامة، وإطلاق الوعود بجلب مساعدات مادية وعينية للعوائل الفقيرة التي يحضر أبناؤها تلك الدروس، مبينةً أنه استطاع حتى اللحظة تشييع أكثر من 40 عائلة داخل المدينة.).
ويبلغ عدد سكان مدينة القريتين قرابة 22 ألف نسمة أي نصف عدد سكانها الإجمالي والبالغ 45000 نسمة ، والذين اضطروا لمغادرتها عُقب تفاقم التصعيد في سورية من قبل النظام السوري ودخول تنظيم الدولة على خطوط المواجهة وسيطرته على مناطق شاسعة ومن ضمنها مدينة القريتين. وتواصل الميليشيات التابعة لإيران، عمليات التغيير الديمغرافي في سورية، وتتركز التحركات الإيرانية الأخيرة في ريف حمص الشمالي، حيث تنشُط حركة شراء العقارات في الأرياف المحيطة ببلدة تلبيسة، وتشمل الأراضي الزراعية بالإضافة لمنازل ومحال تجارية، وذلك عبر عدة أساليب. وبحسب مصادر مطلعة فإن عمليات الشراء في أرياف حمص، شملت حتى المنازل المدمرة، مبينةً أن عمليات الشراء تتم بالترهيب عبر قوة السلاح أو عن طريق الترغيب بأسعار مرتفعة في استغلال واضح لحاجة السكان المحليين نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها سورية.
والمنطقة شهدت مؤخراً، وبشكل لافت حركة بيع وشراء للعقارات، وذلك لصالح ضباط تابعين للنظام السوري أو لصالح تجار عقارات ممن عادوا إلى ريف حمص عقب سيطرة النظام السوري عليه منتصف العام 2018. وتُشير هذه المصادر إلى أن (من بين هؤلاء الضباط، المدعو “رباح العلي”، من مرتبات الإنشاءات العسكرية، وينحدر من مدينة تلبيسة في ريف حمص، ويرافقه في عمليات الشراء تاجر عقارات يدعى “ناصر النواف”، حيث يعمل الأخير علي إيجاد الزبائن الراغبين في البيع، ممن مازالوا في الريف عقب سيطرة النظام أو من المهجرين إلى الشمال.)
وهذا يدل على استمرار العمل التغييري الديمغرافي الخطير في المجتمع السوري من قبل إيران ، وخاصة في ريف حمص، وسط صمت مطبق من العالم أجمع، وعدم وجود أي تحرك من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان عالميًا.
المصدر: وكالة ثقة