أسعد عبود
تزويد إيران حليفتها روسيا بالمسيّرات التي تهاجم بها البنى التحتية الأوكرانية، إذا كانت قد وفرت على موسكو استخدام صواريخها الباهظة الثمن، فإنها من ناحية أخرى زادت من المشكلات المتراكمة في العلاقات بين الغرب وإيران.
لا أحد يتوقع أن تنجح المحاولات الأوروبية التي تبذل حالياً في إحياء المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تعرف اختصاراً بالاتفاق النووي لعام 2015.
كاد الرئيس الأميركي جو بايدن في تسجيل مصور نشر الأسبوع الماضي، ينعى الاتفاق، لكنه اكتفى بالقول إن الاتفاق “مات سريرياً”، وامتنع عن الذهاب أبعد، وكأنه لا يزال ثمة خيط واهٍ من الأمل باحتمال إنعاش الاتفاق.
هذا رغم أن مسؤولين أميركيين آخرين يقولون إن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالاتفاق النووي، وإنها تركز الآن على الدور الإيراني في أوكرانيا. وباتت العقوبات الأميركية الآن تركز على مسارين: الأول بيع طهران موسكو مسيّرات تضرب بها أوكرانيا، والآخر قمع الاحتجاجات الداخلية التي مضى عليها مئة يوم منذ تفجرها عقب وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في 16 أيلول (سبتمبر)، بعد ثلاثة أيام من احتجازها في مركز لـ”شرطة الأخلاق” في طهران.
في المقابل، بدا أن إيران وجدت في دورها الأوكراني وتقاربها العسكري مع روسيا، عامل ضغط آخر كي تحصل على تنازلين مهمين من الغرب في آن واحد: الأول يتعلق بالملف النووي ورفع العقوبات، وفي مقدمتها إغلاق التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في آثار الأورانيوم في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلنة، والحصول على ضمانات أميركية بعد الانسحاب من الاتفاق على غرار ما أقدم عليه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، والتنازل الآخر الذي تسعى إليه طهران هو وقف الدعم للاحتجاجات في الداخل الإيراني، وعدم تشجيع المتظاهرين المطالبين بإسقاط نظام رجال الدين على المضي في تحركهم، عبر فرض عقوبات على الأجهزة الأمنية والكيانات الحكومية الإيرانية الضالعة في القمع، لا سيما السلطة القضائية التي نفذت حتى الآن حكمين بالإعدام بينما أصدرت 47 حكماً آخر، هذا عدا الأحكام بالسجن واستمرار الاعتقالات.
وهكذا يكبر الاشتباك في العلاقات الإيرانية – الغربية، وتتسع الفجوة. والدول الأوروبية التي لا تفرض عقوبات على طهران في الملف النووي، وجدت نفسها ملزمة بالتحرك لاتخاذ إجراءات في ما يتعلق بالقمع العنيف للتظاهرات.
ومع ذلك، لفت تصريح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، بعد لقائه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في عمان على هامش قمة “بغداد-2” التي انعقدت في الأردن الأسبوع الماضي، عندما تحدث عن استمرار الاتصالات الأوروبية مع إيران، في مسألتي الاتفاق النووي والاحتجاجات الداخلية.
إذاً، هي مرحلة من الضغوط المتبادلة بين إيران والغرب في الملفات الشائكة. ويزيدها تفاقماً الدور الإقليمي لإيران في المنطقة، وخصوصاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وكان مؤتمر “بغداد-2” قد ركز على هذه النقطة عندما دعا إلى إبعاد العراق عن “الضغوط الخارجية” من دون أن يشير إلى إيران بالإسم. لكن كلمات المشاركين في المؤتمر ركزت على الدور الإيراني السلبي في العراق.
هذا التأزم في العلاقات مرشح للتصاعد في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا ما استمر النزاع الأوكراني. وسيجد الغرب نفسه مجبراً على ممارسة مزيد من الضغط على طهران، كي لا تساند روسيا في أوكرانيا وتصعّب مهمة الجيش الأوكراني في التصدي للجيش الروسي.
وإذا كان الامتداد الإيراني إلى أوكرانيا هو ما يؤرق الغرب الآن، فإن ملفي الاحتجاجات الداخلية والبرنامج النووي، لا يقلان صعوبة، بينما يبقى في الأذهان الدور الإيراني في الإقليم.
المصدر: النهار العربي