سعيد أبو معلا
يوم دام عاشه مخيم جنين، بعد الهجوم الأصعب الذي تعرض له منذ 21 عاماً، أي منذ العملية العسكرية التي اجتاحت خلالها دبابات الاحتلال المخيم في عام 2002 خلال أحداث الانتفاضة الثانية.
وسادت حالة كبيرة من الغضب والحزن بعد أن سقط في المخيم 9 شهداء، خلال ساعات، بعضهم مقاومون، فيما اعتبر نشطاء أن الرقم الكبير من الشهداء يدلل على ضراوة وحجم وكثافة الاشتباك، الذي شهدت عليه شوارع وأحياء المخيم بين المسلحين وقوات الاحتلال.
وكان بادياً، منذ بداية عملية الاقتحام الأكبر منذ سنوات، أنه سيكون مختلفاً، بدلالة حجم القوات التي شاركت بالاقتحام، وتوقيته في لحظة خروج المواطنين إلى أعمالهم في الصباح.
وبحسب ما أعلن عنه جيش الاحتلال، فإن الاقتحام كان بهدف اعتقال 3 مطلوبين مسؤولين عن عمليات إطلاق نار استهدفت مستوطنات وقوات من جيش الاحتلال.
وكان المخيم قد استفاق تمام الساعة السابعة صباحاً على اقتحام القوات الخاصة، غير أن الاستفاقة الثانية كانت بعد انسحاب قوات الاحتلال، حيث تحسس المواطنون أنفسهم وعائلاتهم وشاهدوا فظاعة العملية العسكرية.
ما إن انسحبت قوات الاحتلال من مخيم جنين ومحيطه حتى انتشر مئات المواطنين متجولين في أنحاء المكان بهدف معاينة المجزرة التي أطلق عليها “الخميس الأسود”.
وكانت نتيجة العدوان، الذي استمر على مدى أربع ساعات ثقيلة، سقوط 9 شهداء، بينهم امرأة مسنة، فيما أصيب أكثر من 20 مواطناً على الأقل، أربعة منهم بحال الخطر.
وبدأ اجتياح المخيم، الذي أعاد للأذهان اجتياح العام 2002، بعد أن اكتشف مقاومون قدوم قوة خاصة إسرائيلية قامت بمحاصرة منزل يعود لعائلة الصباغ، في منطقة جورة الذهب، في وسط المخيم.
واستمر تحديث أسماء الشهداء على مدار الساعات الأربع، إلى أن استقر الرقم على تسعة شهداء، وهم: الشهيد نور غنيم من برقين، والشهيد معتصم أبو الحسن، والشهيد حمودي الواشي، والشهيد عبدالله الغول، والشهيد حمودي الشقي، والشهيد صائب ازريقي، والشهيد محمد غنيم برقين، والشهيدة أم زياد، والشهيد عز الدين صلاحات.
كانت القوات الخاصة قد اقتحمت المخيم وحاصرت منزل عائلة الصباغ، وهناك دارت اشتباكات مسلحة عنيفة، حيث قتلت قوات الاحتلال 3 مقاتلين، واعتقلت مقاوماً رابعاً من خلية مقاومة تابعة لحركة “الجهاد الإسلامي”، بحسب ادعاء الجيش.
ووصف مدير مستشفى جنين الحكومي وسام أبو بكرة أن ما تعرض له المخيم هو مجزرة إسرائيلية مروّعة بكل ما تعني الكلمة من معنى.
وإلى جانب الشهداء أكدت الوزارة أن 20 فلسطينيًا أصيبوا أيضًا برصاص جنود الاحتلال، بينهم 4 بحالة خطيرة.
وأكد أبو بكر أن الإصابات في أغلبها بالرصاص الحي، وفي مناطق علوية، أي في منطقة الرأس والصدر والبطن.
وبحسب مصادر محلية قريبة من مجموعات المقاومة، فإنه، وعند السابعة من صباح الخميس، اقتحمت قوة إسرائيلية خاصّة مخيم جنين متخفّية بشاحنة ألبان تجارية عليها ملصقات تحمل اسم شركة “الجبالي”، وحين تم اكتشاف أمر القوة الخاصة، اندلعت مواجهات بالرصاص بين مقاومين وجنود القوة الإسرائيلية الخاصة.
وأضافت المصادر أنه، وبعد انكشاف القوة الخاصة، وصلت، خلال دقائق، تعزيزات عسكرية كبيرة عبر حاجز “الجلمة”، وتوغلت داخل المخيم.
وزعم جيش الاحتلال أنه اقتحم مخيم جنين لوقف التحضيرات لعملية كبيرة كان يتم التخطيط لتنفيذها داخل الخط الأخضر، وأضاف أنه استخدم إجراء “طنجرة الضغط” ضد منزل في المخيم تواجد فيه مسلحون.
ونقلت وسائل إعلامية عربية عن مصادر خاصّة في حركة “الجهاد الإسلامي” أنه تم إبلاغ وسطاء بأنه إذا لم يتوقف العدوان على جنين، فالأوضاع مرشّحة لكل الاحتمالات.
وأشارت وزيرة الصحة مي الكيلة إلى أن الوضع في مخيم جنين كان حرجاً للغاية، وأنّهم تبلغوا من “الهلال الأحمر” بوجود إصابات عديدة يصعب إنقاذها وإخلاؤها.
وبيّنت أن الاحتلال الإسرائيلي أعاق دخول مركبات الإسعاف إلى داخل مخيم جنين لإنقاذ الجرحى، كما أكدت الكيلة أن قوات الاحتلال أطلقت بشكلٍ متعمّد قنابل الغاز المسيل للدموع تجاه قسم الأطفال في مستشفى جنين الحكومي، ما أدى لإصابة أطفال بحالات اختناق.
وأشارت إلى أنها دعت إلى اجتماع عاجل مع منظمة الصليب الأحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية، لوقف هذا العدوان والتدخل لإنقاذ حياة أبناء الشعب الفلسطيني.
وناشدت كافة المؤسسات الحقوقية والمجتمع الدولي بضرورة التحرك الفوري والعاجل لكبح الممارسات العنصرية التي يقوم بها جيش الاحتلال الآن في جنين.
وقال مدير إسعاف الهلال الأحمر في جنين، محمود السعدي، إن قوات الاحتلال منعت طواقم الإسعاف من الدخول لمخيم جنين، مضيفًا أن الاحتلال يطلب أن يتم إجراء تنسيق لكل حالة إسعاف.
وبحسب الهلال الأحمر، فإن جنود الاحتلال منعوا طواقمه من الوصول إلى الجرحى، إلّا بعد التنسيق مع الصليب الأحمر.
ووصف الدكتور وسام أبو بكر وضع مستشفى جنين الحكومي بالسيئ، في ضوء قربه من منطقة الاشتباكات. إلى جانب ممارسات قوات الاحتلال في منع وإعاقة وصول الطواقم الطبية للمصابين.
مقاومة عنيفة
وبحسب شهود عيان ومراقبين، فإن كافة فصائل المقاومة الفلسطينية شاركت في صد الهجوم على المخيم.
وقالت مصادر محلية لـ “القدس العربي” إن ما يفسر الأعداد الكبيرة من الشهداء هو طبيعة الاشتباكات، ويقظة كتائب المقاومة التي قامت بالاشتباك مع قوات الاحتلال من اللحظة الأولى لاقتحامها المخيم.
وأسقط مقاومون طائرة درون صغيرة لجيش الاحتلال بعد تحليقها في سماء مخيم جنين.
كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أنه، وأثناء العملية في جنين، هاجم المقاومون سيارة جيب مصفحة لقائد كتيبة الضفة الغربية في جيش الاحتلال آڤي بلوت بوابل من النيران من سيارة، حيث عطلت العملية الجيب المصفح للجيش واضطر إلى جرها لإخراجها.
وقالت “سرايا القدس”، التابعة لـ “الجهاد الإسلامي”، إن مقاتليها خاضوا اشتباكات عنيفة، وتم استهداف جيبات الاحتلال وإصابتها إصابات مباشرة.
وأضافت: “لقد تم تفجير عبوات ناسفة معدة مسبقاً بقوة في محيط أحد المنازل، وإطلاق النار على جرافة إسرائيلية بصليات كثيفة ومتتالية في جنين”.
وأكدت كتائب “شهداء الأقصى”، التابعة لـحركة “فتح”، إن مقاتليها خاضوا اشتباكات مسلحة، حيث ارتقى عزالدين صلاحات، ابن الكتائب خلال الاشتباكات في المخيم.
وبدروها قالت “كتائب القسام”، التابعة لحركة “حماس”، إن مقاتليها خاضوا اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال في مخيم جنين إلى جانب بقية فصائل المقاومة.
وبحسب ما نشرته قناة كان العبرية، فإن قائد وحدة اليمام صرح أن مقاومي المخيم قاتلوا القوات الإسرائيلية وجهًا لوجه، كما أطلقوا العبوات الناسفة والرصاص من كافة الاتجاهات.
وفي بيان مشترك لجيش الاحتلال والشاباك وقوات حرس الحدود جاء أنه “في عملية مشتركة لقوات جيش الدفاع والشاباك والوحدة الشرطية الخاصة تم تحييد عدد من المخربين ضمن خلية إرهابية للجهاد الاسلامي في مخيم جنين”.
وقال البيان إن الحديث يدور عن مطاردة مطلوبين أمنيين من نشطاء حركة “الجهاد الإسلامي” يتهمهم الاحتلال بمقاومته وبضلوعهم بعمليات إطلاق نار ضد قوات الجيش، إلى جانب التخطيط لتنفيذ عمليات كبيرة.
وأكد البيان أنه خلال محاولة قوات الاحتلال اعتقال المطلوبين تعرضت قواته لإطلاق نار حيث ردت على المقاومين باستهداف المسلحين.
وأكد البيان أن العملية بناء على معلومات دقيقة قدمها جهاز الشاباك والتي دفعت القوات نحو شقة اختباء للعناصر المقاومة داخل مخيم جنين.
تدمير وحشي وحداد
وخلال العملية الوحشية هدمت جرافات الاحتلال جدارًا لنادي مخيم جنين الرياضي ومجموعة من المرافق، كما سحقت المركبات المتواجدة في محيط المكان.
كما دمرت قذائف الأنيرجا منزل عائلة الصباغ، فيما هدمت جرافات الاحتلال أجزاء واسعة منه.
ووثقت صور نشطاء من داخل مستشفى جنين الحكومي احتراق جثة لأحد المقاومين كانت قوات الاحتلال قد استهدفته في منزل تحصن داخله المقاومون.
ووصف محافظ جنين أكرم الرجوب الاقتحام بأنه الأكبر والأوسع، وأن الوضع صعب وخطير، وطالبَ المجتمع الدولي بالتدخل لحماية المواطنين، والسماح للطواقم الطبية بأداء عملها في إنقاذ المصابين.
وعم الإضراب الشامل محافظات الضفة الغربية، بما فيها القدس، حداداً على أرواح الشهداء الذين ارتقوا خلال العدوان الاحتلال الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها.
ودعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إلى الإضراب الشامل، والتصعيد في كل بقعة ونقاط التماس مع الاحتلال، والنفير العام لردع الاحتلال عن الاستمرار بالاستفراد في جنين ومخيمها.
وأضافت: “آن أوان الشد، فلينتفض شعبنا في كل مكان، وليتحمل الجميع مسؤوليته في ردع العدوان، ولتكن شوارعنا ساحات مواجهة مع المعتدين والمستوطنين”.
وفي القدس، دعت حركة “فتح” إلى الحداد العام، والغضب والنفير الشعبي، في جميع أنحاء محافظه القدس، إسنادا لمخيم جنين، فيما عم الإضراب الشامل مخيم شعفاط وبلدة عناتا شمال شرق القدس المحتلة.
وفي محافظة رام الله والبيرة، أعلنت القوى الوطنية والإسلامية الإضراب الشامل، والتوجه نحو نقاط التماس، نصرة لجنين ومخيمها.
وفي طولكرم، دعت “فتح” إلى الإضراب الشامل، حدادا على أرواح شهداء جنين ومخيمها، واستنكارا للمجزرة الاحتلالية فيها.
وفي بيت لحم، دعت لجنة التنسيق الفصائلي في المحافظة للإضراب الشامل، والخروج بمسيرات إلى نقاط التماس، تنديدا بالمجزرة. وهو الأمر الذي تكرر في طوباس والخليل وقلقيلية.
إعدامات وإفلات من العقاب
بدوره، قال رئيس الوزراء محمد اشتية، إن قوات الاحتلال تواصل ارتكاب متوالية القتل والإعدامات بحق أبناء الشعب الفلسطيني، مدفوعة بشعور القدرة على الإفلات من العقاب.
وطالب اشتية الأمم المتحدة وجميع المنظمات الحقوقية الدولية، بالتدخل العاجل لتوفير الحماية لشعبنا ووقف متوالية الدم التي يذهب ضحيتها الأطفال والشباب والنساء.
وطالبت وزارة الخارجية والمغتربين المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية بالتحرك ووقف الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في محافظة جنين ومخيمها.
وأدانت الخارجية، في بيان صحفي، الاقتحام الدموي والهمجي للمخيم، حيث حاصرته القوات وأغلقت مداخله كافة وأطلقت الرصاص الحي بهدف القتل بدم بارد، ومنعت الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف من الوصول إلى الجرحى، وتركتهم ينزفون وهم على الأرض حتى الموت، والاعتداء بقنابل الغاز المسيل على مستشفى جنين، في صورة تعبر عن عنجهية الاحتلال وإصراره على تصعيد الأوضاع في ساحة الصراع بما يهدد بتفجيرها بالكامل.
وتساءلت الوزارة: إذا لم يتحرك المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية الآن، وفي ظل هذه الجرائم الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال فمتى يمكن أن يتحرك لينتصر لمبادئه ومواقفه ويحافظ على ما تبقى من مصداقيته؟
واعتبر الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة أن ما يجري في جنين ومخيمها مجزرة تنفذها حكومة الاحتلال الإسرائيلية، في ظل صمت دولي مريب.
وأضاف أبو ردينة أن العجز والصمت الدولي هو ما يشجع حكومة الاحتلال على ارتكاب المجازر ضد شبعنا على مرأى العالم، وما يزال يستخف بحياة أبناء شعبنا، ويعبث بالأمن والاستقرار عبر مواصلته لسياسة التصعيد.
وشدد على أن شعبنا صامد، ولن يتنازل عن القدس والمقدسات، مهما ارتكبت قوات الاحتلال من جرائم ومجازر، داعيا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لحماية شعبنا.
وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد وتنكيس الأعلام ثلاثة أيام، على أرواح شهداء المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين، كان وزير الأمن القومي المتطرف ومفوض الشرطة يعقد مؤتمراً صحفياً جاء فيه أنهم يهنئون القوات الأمنية على العملية في جنين.
المصدر: “القدس العربي”