يُعتبر (الشعب) في كل الثورات والانتفاضات، الحامل الأساسي والرئيسي في العملية التغييرية، والجسر المتين الذي يتأسس عليه و”جوانيته” حالة الانتقال الفعلية، من الركود إلى الفعل والتأثير، وصولًا إلى امتلاك أدوات التغيير الحقيقية، ضمن انبثاقات الـتأثير والبناء.
ولأن (الشعب) في كتلته الجامعة، كان وعلى الدوام عامل نجاح أو انتكاس أنساقي، فإن التركيز عليه، والانطلاق من مقولة (أنا الشعب لا أعرف المستحيل، ولا أرتضي بالخلود بديلاً) وهو الذي كان الحامل الرئيسي في تحقيق الأهداف العامة للناس، المعبرة عن روح وديناميات القدرة الحاسمة في إحداث عملية التغيير بكليتها، وإعادة البناء الجذري على أسس موضوعية، تمتلك القدرة والإمكانية الفعلية على التغيير، المعبر عن ماهية الكل، وأساس الغايات، ولعل واقع الشعب السوري الذي خرج أواسط آذار/ مارس 2011، بهبته السلمية الشاملة، كان هو المؤثر الأهم في إبداء القدرة والفعل على إعادة القطار إلى سكته، ومن ثم الإمساك الجدي في الحالة التغييرية، وهو ماشكل خطرًا حقيقيًا وجديًا وما يزال على السلطة الاستبدادية الطغيانية التي عملت ومنذ خطفها للوطن السوري على إلغاء دور الشعب، وإلغاء السياسة من المجتمع، ضمن حالة تجميد أية قدرة موضوعية أو ذاتية في إحداث الثورة الشعبية، فراح نظام السلطة الطاغوتية الأسدية يشتغل حثيثاً وعلى كل الصعد ليكون عمله (في الواقع السوري) يتمركز حول فكرة لادور إلا دور أدوات السلطة القامعة الماحية والمعطلة للدور التاريخي للناس كل الناس، وراح يزج في غياهب السجون والمعتقلات، بكل من يفكر في إحداث عملية انتفاض ما، أو حراك شعبي معين، لما لهذا الدور الشعبي الجامع من عنفوان وقدرة في القضية التغييرية الممكنة، فيما لو توفرت له الظروف الموضوعية لذلك الفعل التغييري.
وتبرز اليوم أهمية الحديث عن دور الشعب، وهو المعلم دائمًا وأبدًا وعلى طول المدى، إذ لا معلم ولا مرشد سواه، في سياقات التغيير والثورة، وعلى هدي عملية صناعة ديناميات جديدة تعبيرًا عن حالة الفوران الحقيقي الكبير، الذي تحدثه الشعوب في تحركاتها نحو التغيير، وتتمظهر أكثر وأكثر هذه الأهمية وتطفو على السطح، وتؤشر إلى المسألة الصحية، والأكثر منطقية وواقعية، مع كل الحالات والمتغيرات الجديدة التي تحدث، وتبين أن العودة إلى الناس، والعقل الجمعي للبشر، كحامل رئيسي، قادر على إعادة التموضع مرة أخرى في المكان الأصح، ليكون الشعب هو الرائز في كل ذلك، وهو البوصلة الحقة حيث يمكنه أن يمسك بناصية الحق والحقيقة، وهو القادر على ذلك، وقد أثبتت الأحداث والمتغيرات أن الشعب السوري هو المخول الوحيد والقادر على الفعل والتأثير، في إعادة المسار الواضح والنقي إلى مآلاته المفترضة، التي خرج من أجلها في ثورة الحرية والكرامة، ولقد رصدنا ذلك وشاهدناه فعلاً حقيقيًا على الأرض عندما تاهت البوصلة لدى المعارضة الرسمية السورية، وحالت بينها وبين قراءة المشهد بمنظار الثورة والحقوق الشعبية الحقيقية، فرفض البعد التطبيعي والمصالحة المفترضة بين أطراف في المعارضة، ونظام القتل الأسدي الدكتاتوري المستبد، الذي تتأهب بعض الدول الإقليمية لمصالحته والتطبيع معه، ومع حالة من الانبهار وضياع البوصلة الملحوظة لدى المعارضة الرسمية السورية، التي عاشت أيامًا طويلة من الترقب، وعدم القدرة على ملاقاة الناس في وسط الطريق، أو مجاراة الشعب السوري الواضح في تصوراته ومتطلباته، والتي ضحى من أجلها بما ينوف عن مليون سوري على مذبح الحرية والكرامة، ولم يأل جهدًا في مزيد من التضحيات، وصولًا إلى المبتغى، وهو إقامة دولة الحق والقانون، وتأسيس العقد الاجتماعي الذي يُجمع عليه كل السوريين، ويمسك بالهوية الوطنية الجامعة، ويرفع راية الوطنية السورية المنجدلة مع واقع السوريين وآمالهم في إحداث وخلق دولة المواطنة، التي تزيح جانبًا كل من يعرقل تحركاتها نحو الحرية والكرامة، أو يعوق إنجازها في كسر ثقافة الخوف، والبناء على ما تحقق وتجسد بعد مايقرب من 12 عاماً من الانتفاض الوطني الثوري، على طريق الحرية والكرامة المفتقدتين مع نظام العسف والقتل الأسدي لأكثر من خمسين عاماً أو يزيد.
العودة الجدية إلى الناس وإلى الشعب السوري كبوصلة أساسية لا مناص منها، تثبته وتؤكده الأيام وتبرز به وعبره المتغيرات البنيوية، وتؤشر إلى أهمية وضرورة الإمساك به من جديد، وهو الذي لايعرف أي مستحيل، ولا يؤمن بأي إمكانية لإعاقة ماخرج من أجله، وإذا كان لكل دولة مصالحها وأمنها القومي، فإن للسوريين أيضًا مصالحهم، التي قد تلتقى أو تتعارض أو تتخارج مع مصالح الآخرين، حتى لو كانوا أصدقاء حقيقيين للشعب السوري، وحتى لو كانوا من أكثر الشعوب والدول الذين وقفوا بصدق مع آمال وأحلام السوريين في عملية الخروج الجدي من البوتقة الأسدية، والمقتلة الطغيانية المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن.
ويبدو أن المتغيرات الدولية والأممية تثبت يومًا إثر يوم، أن جرائم حكم آل الأسد ومن يقف معهم من فرس وروس، تتبين وتتكشف، ويعترف بها المجتمع الدولي، أو ما يسمى المجتمع الدولي، ولعل آخر ماكشفه تقرير الأمم المتحدة، بعد التحقيقات الميدانية الطويلة من أن النظام السوري ومعه روسيا يتحملون مسؤولية إلقاء الكلور والكيماوي على السوريين في منطقة دوما، وأن كل ما فعلة النظام السوري ومعه روسيا وإيران وميليشياتهم وانتهاكاتهم بات مكشوفًا وواضحًا ومثبتًا عيانيًا وقضائيًا، لكن مع ذلك ما يزال المجرم طليقًا.
وإذا كان ذلك كذلك فإن العودة مرة أخرى إلى الناس كل الناس السوريين، مابرحت الملاذ والحقيقة الصرفة، فالشعب كان وما يزال هو صاحب القول الفصل في التطبيع أو الرفض لكل مسارات الحل “التسووية”، التي لا تتساوق مع آمال السوريين، ولا تعيد الحق إلى نصابه، ولاتحاسب المجرم على أفعاله، ولاتبني الحرية، ولا مجتمع الحرية الأكثر ضرورة والأهم بالنسبة للسوريين من كل ملفات ومسارات اللاجدوى واللافعل والتسويف، التي عادة ما يجري ويتحرك في ركابها نظام الأسد القمعي منذ مسار أستانا إلى مسارات اللجنة الدستورية المعطلة بفعل فاعل، والتي لم تُنتج إلا المزيد من عمليات قبض الريح، وهو كذلك اليوم في مسارات جديدة قد تَنتج عن عملية المصالحة المفترضة والمتعثرة، مع دخول الإيرانيين على خط هذ المصالحة، الذين لا يريدون إلا بقاء النظام الإجرامي الذي يخدم مشاريعهم، ولو على حساب كل أرواح السوريين.
سيبقى الشعب السوري هو المعلم وهو القادر على إعادة القطار إلى مساره الصحيح، في ظل غيابات واضحة للمعارضة، التي ظنها السوريون سوف تكون معبرة عن آلامهم وأحلامهم، لكنها أثبتت عبر مسيرتها الطويلة مع الكثير من النخب السورية، أنها غير قادرة على ذلك، فكان لابد من العودة إلى الشارع، وإلى صفوف الشعب السوري، الخالي من ترهلات المعارضة وحساباتها النفعية المصلحية، الآيلة إلى مزيد من الدمار فيما لو استمرت في خطوطها وخطواتها المتلبدة بالغيوم، والمتعثرة، تعثر المصلحة والنفعية والمحاصصة.
المصدر: موقع تلفزيزن سوريا