في 24 شباط/فبراير عام 2022 أعلن الرئيس بوتين الحرب على أوكرانيا بخطاب لم يتجاوز أربعة دقائق , طلب فيه من الجيش الأوكراني صراحة إلقاء السلاح , وأعلن بوضوح أن هدف الحملة العسكرية تجريد أوكرانيا من قوتها العسكرية والقضاء على حكومتها المنتخبة التي وصفها بالنازية .
لم يكن بوتين بحاجة للكثير من الشرح لتبرير حملته العسكرية , ولم يهمل توجيه إنذار شديد اللهجة لأية محاولة للغرب للتدخل في الحرب .
ظهر بوتين واثقا وحازما .
في 21/2/2022 ألقى بوتين خطابا ماراثونيا استغرق ساعة وثلث الساعة , خطابا يكاد يكون مملا , ظهر فيه بعض المستمعين نائمين , وآخرون يتثاءبون , والبعض ينظر للسقف تارة وحوله تارة أخرى .
حاول بوتين تبرير قراره بالحرب بأن الوطن الروسي كان مهددا , أي أن أوكرانيا هي التي كانت تهدد بالزحف على موسكو , بل وتهدد وجود الدولة الروسية ! ولكي لاتصبح الصورة غريبة وغير مفهومة , كان لابد من الاستعانة بنظرية المؤامرة حيث الغرب الشرير وراء الأوكران النازيين !
ومن محاولة تبرير قرار الحرب دلف بوتين لحملة واسعة على الغرب , ولاشك أنه نسي ماقاله سابقا في أحدى إطلالاته من أنه طلب من الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الانضمام لحلف الناتو بعد استلامه السلطة من خلفه بوريس يلتسن مطلع العام 2000 باعتبار أن روسيا لم تعد شيوعية ولا معادية للغرب بل تطمح أن تكون جزءا من الغرب .
اليوم استعان بوتين بقاموس الاتحاد السوفييتي لهجاء الغرب , فالغرب يريد الهيمنة واستغلال الشعوب , وهو غير عادل يكيل بمكيالين , ومخادع وغادر .
تكرار بوتين لوصف الغرب بالخداع وصولا لذكر الخداع الديبلوماسي يترك التساؤل فيما إذا كان بوتين يشعر أنه وقع ضحية خداع الولايات المتحدة حين أظهر رئيسها بايدن برودا غير عادي أمام احتمال غزو روسيا لأوكرانيا مكتفيا بأن ذلك سيكلف روسيا بعض العقوبات التي لم يجهد نفسه حتى بتحديدها .
بينما كان البعض يتوقع من بوتين خطابا يعلن فيه بدء حملة عسكرية شاملة , بمايتطلبه ذلك من إظهار الحزم والتصميم والثقة بالنصر , جاء الخطاب ممطوطا مملا خاليا من الحماس بالنسبة لدولة متورطة بحرب تكبدت فيها أكثر من مئة ألف قتيل حتى الآن من خيرة جنودها وضباطها , دون أن يظهر في الأفق أي إشارة للنصر وانتهاء الحرب .
لهجة الاعتذار والتبرير كانت واضحة ولم تكن ضرورية بعد عام كامل لو لم يكن بوتين يشعر بالأزمة , اعتذار بالمدلول اللغوي القديم بمعنى تقديم العذر وليس الاعتراف بالخطأ .
لم يكن هناك الكثير من الأشياء الجديدة خلال ساعة وثلث الساعة . الجديد فقط هو اعلان تجميد روسيا لاتفاقية ستارت لتخفيض الأسلحة النووية كنوع من معاقبة مخففة للغرب على دعمه غير المتوقع لأوكرانيا .
في انتقاده للغرب المثير للشفقة ذكر بوتين أن الغرب منح أوكرانيا 150 مليار دولار كمساعدات لكنه لم ينفق على المساعدات للدول النامية والفقيرة سوى 60 مليار دولار . لكن ماذا عن روسيا سيادة الرئيس ؟ كم أنفقت كمساعدات للدول الفقيرة بل كم أنفقت في سورية على بناء المستشفيات والمدارس والجامعات ؟ بدل الصواريخ التي دمرت فيها أحياء كاملة من حلب وعشرات البلدات والقرى الآمنة ؟
يتكلم عن اللاجئين الذين تسببت حروب الغرب في خلقهم وينسى ماتسببه طيرانه من هجرة ملايين السوريين .
فقط كان محقا في أن العقوبات الاقتصادية لم يظهر أثرها واضحا على الاقتصاد الروسي حتى الآن .
بوتين يريد أن يتأ قلم الروس مع حرب طويلة بدل الحرب الخاطفة . حرب استنزاف يراهن الغرب فيها على استنزاف روسيا بينما يراهن بوتين اليوم على استنزاف أوكرانيا وحلفائها الغربيين . فهل تراجعت روسيا عن حملة الربيع الشاملة المتوقعة بعد أن أوشك الثلج أن يذوب .