مع الإعلان عن توجه الرياض وطهران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية توالت ردود الأفعال والبيانات الداعمة، والتي تؤكد على أهمية “خفض التصعيد” وتعزيز الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
وجاء الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بعد محادثات لم يعلن عنها من قبل استمرت أربعة أيام في بكين بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين، فيما قال مسؤول في البيت الأبيض لقناة “الحرة” إنه لطالما شجعت واشنطن “على الحوار المباشر والدبلوماسية للمساعدة على خفض التوتر وتقليل أخطار النزاع”.
ووقع اتفاق الجمعة كل من علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ومساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني السعودي، واتفق خلاله البلدان على إعادة تفعيل اتفاقية للتعاون الأمني تعود لعام 2001، بالإضافة إلى اتفاقية أخرى سابقة للتجارة والاقتصاد والاستثمار.
وقطعت السعودية العلاقات مع إيران، في عام 2016، بعد اقتحام سفارتها في طهران في أثناء خلاف بين البلدين بشأن إعدام الرياض رجل دين شيعي، كما أنها جاءت بعد عام على بدء العمليات العسكرية من “التحالف العربي بقيادة السعودية” ضد الحوثيين في اليمن.
فما الذي تعنيه عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران على مسار الحرب التي تدور في اليمن؟، والتي بدأت، منذ عام 2014، بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا، والحوثيين المدعومين من إيران.
وأودى الصراع مذاك بعشرات آلاف اليمنيين وتسبب بأزمة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم مع نزوح ملايين الأشخاص، بحسب تقرير سابق لوكالة فرانس برس.
“الملفات التي تشكل بؤر توتر”
المحلل السياسي السعودي، عبدالله الرفاعي، قال في حديث لموقع “الحرة” إن هذا “التقارب السعودي-الإيراني قد يؤثر على جميع الملفات، التي تشكل بؤر توتر في العلاقات”.
وأضاف أن من أهم هذه الملفات التي سيطالها التأثير “الملف اليمني”.
وقال مستشار الأمن الوطني السعودي، العيبان “إننا نثمن ما توصلنا إليه، ليحدونا الأمل أن نستمر في مواصلة الحوار البناء، وفقا للمرتكزات والأسس التي تضمنها الاتفاق، معربين عن تثميننا وتقديرنا لمواصلة جمهورية الصين الشعبية دورها الإيجابي في هذا الصدد”.
وتعد السعودية وإيران أبرز قوتين إقليميتين في المنطقة، ولكنهما على طرفي نقيض في العديد من الملفات، إذ تبدي الرياض قلقها من نفوذ طهران الإقليمي وتتهمها بـ”التدخل” في دول عربية مثل سوريا والعراق ولبنان، ناهيك عن المخاوف من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية.
وقد ذكر البيان المشترك أن البلدين اتفقا في المحادثات، التي أجريت بين 6 و10 مارس، على “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.
من جانبها رحبت الحكومة اليمنية بالاتفاق مؤكدة على إيمانها بـ”الحوار وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية والوسائل السلمية”.
وقالت الحكومة اليمنية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية “سبأ” إن “موقفها يعتمد على أساس الأفعال والممارسات لا الأقوال، والادعاءات، ولذلك ستستمر في التعامل الحذر تجاه النظام الإيراني حتى ترى تغيرا حقيقيا في سلوكه، وسياساته التخريبية في بلادنا والمنطقة”.
وأضافت أنها تأمل أن يشكل الاتفاق بين الرياض وطهران إلى مرحلة “جديدة من العلاقات في المنطقة، بدءا بكف إيران عن التدخل في الشؤون اليمنية، وألا تكون موافقتها على هذا الاتفاق نتيجة للأوضاع الداخلية والضغوط الدولية التي تواجه النظام الإيراني”.
بدورها رحبت جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله اللبناني المدعومين من إيران بالاتفاق، الجمعة.
وقال كبير مفاوضي جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، محمد عبد السلام: “المنطقة بحاجة إلى استئناف العلاقات الطبيعية بين دولها حتى تستعيد الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخل الأجنبي”، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان: “السياسة مع دول الجوار، كونها المحور الرئيسي للسياسة الخارجية للحكومة الإيرانية، تتحرك بقوة في الاتجاه الصحيح والجهاز الدبلوماسي يعمل بنشاط للتحضير لمزيد من الخطوات على الصعيد الإقليمي”.
الإعلامي اليمني، مدير قسم البرامج السياسية في قناة المسيرة التابعة للحوثيين، حميد رزق، اعتبر أن عودة العلاقات بين الرياض وطهران “خطوة مرحب بها، وهي الأصل في العلاقات بين الدول العربية والإسلامية”.
ويرى رزق في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن هذا الأمر له إيجابيات “فبعد قرابة تسعة أعوام من الحرب، تعترف الرياض ببطلان مبررها للعدوان على جارتها اليمن، وتسقط الذريعة الرئيسية للحرب، ألا وهي (الخطر الإيراني) والتي كانت كذبة كبيرة”.
وأشار إلى أنه “بموجب التقارب مع إيران تحتاج المملكة ومن شارك معها في تحالف العاصفة تحمل تبعات الحرب وفاتورتها على كافة المستويات”، مضيفا أن “الكرة في مرمى الرياض، وفي حال كانت جدية فوقف حربها على اليمن سيحتل أهمية أكبر من اهتمامها وحرصها على التطبيع مع إيران، خاصة وأن اليمن هو الجار الأقرب، ناهيك عن أن الحرب قد انتجت أكبر مأساة انسانية على مستوى العالم”.
وقالت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سينزيا بيانكو، لوكالة رويترز إن الرياض كانت تسعى للحصول على ضمانات أمنية من الإيرانيين، وهو ما قد يكون توافر من خلال إعادة تفعيل الاتفاقية الأمنية لعام 2001.
وأضافت أن إيران ربما استجابت أيضا بشكل إيجابي لدعوات الرياض لها “لدفع الحوثيين نحو توقيع اتفاقية سلام مع السعودية، تحرر السعوديين من حرب اليمن التي صارت خاسرة بالنسبة لهم”.
وتابعت بيانكو “إذا تمت تسوية هاتين المسألتين فأنا على ثقة في الاتفاق ومشاعري إيجابية تجاهه”.
وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، قد قال، في يناير، إنه يجري إحراز تقدم نحو إنهاء الصراع في اليمن.
وانتهت هدنة، في أكتوبر الماضي، لكن المحادثات السعودية مع المتمردين في الأسابيع الأخيرة أثارت تكهنات بشأن صفقة قد تسمح للرياض بالانسحاب جزئيا، وفقا لدبلوماسيين مطلعين على مسار المفاوضات.
“تبعات سلبية وإيجابية على الحرب في اليمن”
نبيل البكيري، باحث يمني كان أكثر حذرا في اعتبار أن الإعلان عن الاتفاق بين الطرفين يعد نجاحا أو عاملا لاستقرار المنطقة، وقال إن “عودة العلاقات السعودية الإيرانية هو مؤشر (على) مرحلة جديدة يحوطها الكثير من الشك والارتياب في مدى جدية عودة مثل هذه العلاقات”.
وأضاف في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن هناك “تاريخا طويلا من الشك كان يحكم مسار العلاقة بين الطرفين، ومن المبكر جدا الحديث عن نجاح هذه العلاقات واستدامتها، وصحيح أن الطرفين بحاجة ماسة للتهدئة، ولكن من غير المعلوم إلى مدى سينجحان في الاستمرار في تعزيز هذه العلاقات”.
ويرى البكيري أن “هذا الاتفاق له تأثير كبير على ملف الحرب والأزمة في اليمن، سلبا وإيجابا، سلبا في أنه سيضع حلول الأزمة اليمنية رهينة هذين الطرفين الإقليميين، وإيجابيا أنه قد يخفف التوتر ويسمح لليمنيين باستعادة أنفاسهم والذهاب لحلحلة مشاكلهم البينية والكثيرة”.
ويشرح الإعلامي رزق أن “السعودية أمام امتحان لن يطول الوقت لتظهر نتائجه، وعلى الرياض أن تدرك أن اليمن ملف مستقل، ولن يعفيه التقارب مع طهران من تبعات الحرب والعدوان على جارتها”، مضيفا أنه “لو راهنت الرياض على هذا التفاهم للإفلات من التبعات الكبرى في ملف اليمن، باعتقادي أنه تفاهم مرحلي ولن يكتب له النجاح”.
وقال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إن استئناف العلاقات بين إيران التي تدعم الجماعة اللبنانية المسلحة والسعودية “تحول جيد”.
ويرى الخبير في معهد الدول العربية في واشنطن، حسين إبيش، أنه “من المحتمل جدا أن تلتزم طهران بالضغط على حلفائها في اليمن ليكونوا أكثر استعدادا لإنهاء الصراع في ذلك البلد، لكننا لا نعرف حتى الآن ما هي التفاهمات التي تم التوصل إليها في الكواليس”، بحسب ما تحدث لوكالة فرانس برس.
الكاتب الصحفي اليمني، علي الدرواني، يؤكد بدوره أن “من لوازم الاتفاق بين الرياض وطهران أن ينعكس إيجابا على الوضع في اليمن، فالسعودية التي تخلت عن تشنجها إزاء طهران بالأولى أن يحصل ذلك في اليمن أيضا، إضافة إلى أن الحرب التي تدعيها ضد إيران في اليمن ستصبح من الماضي”.
ويوضح الدرواني وهو مقيم في لبنان، في حديث لموقع “الحرة” أن نجاح الاتفاق “رهن بمدى الجدية لدى طرفي الاتفاق، وبالذات السعودية”.
وزاد أن الاتفاق “يعني أن الرياض ستغير من النهج الصدامي لصالح نهج الحوار وخفض التصعيد، وهو ما يعني بالتالي تراجع مستويات التوتر، لا سيما إن كانت السعودية جادة في المضي بنهجها الجديد”.
ويرى الدرواني أنه يمكن “التحقق من نجاح هذا الاتفاق خلال مرحلة التنفيذ المحددة بشهرين”.
وقالت الباحثة في معهد “مجموعة الأزمات الدولية”، دينا اسفندياري، لوكالة فرانس برس إن الاتفاق غير متوقع.
وتوضح “كان الشعور العام هو أن السعوديين كانوا محبطين خصوصا وشعروا أن استعادة العلاقات الدبلوماسية هي ورقتهم الرابحة، لذلك بدا الأمر وكأنهم لا يريدون النزوح عن موقفهم. لكن هذا التغيير المفاجئ موضوع ترحيب كبير”.
وترى اسفندياري أن الاتفاق بين الرياض وطهران “نوعا ما يمهد الطريق للقوتين في المنطقة لبدء تحديد وحل خلافاتهما”.
وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي “نحن نرحب” بالاتفاق الدبلوماسي مضيفا أنه ينبغي رؤية “ما إذا كانت إيران ستفي بالتزاماتها”.
وتابع “سوف نرى.. ما إذا كان الإيرانيون سيحترمون جانبهم من الاتفاق. فهذا ليس نظاما يحترم كلمته عادة”.
وقال كيربي: “نرغب في رؤية نهاية الحرب في اليمن وأن هذا الترتيب الذي توصلوا إليه قد يساعدنا في الوصول إلى هذه النتيجة”.
بدوره قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان إن “علاقات حسن الجوار بين إيران والسعودية أساسية لاستقرار منطقة الخليج”.
وأعلنت الحكومة اليمنية والحوثيون، الجمعة، أن الأطراف المتحاربة في اليمن ستجري محادثات في جنيف، اعتبارا من السبت، لمناقشة تبادل الأسرى بين الأطراف المنخرطة في الصراع.
وكانت آخر عملية تبادل كبيرة للأسرى، في أكتوبر من عام 2020، عندما أطلق الجانبان سراح 1056 سجينا، بحسب الصليب الأحمر.
المصدر: الحرة. نت