ياسر الحسيني
حينما تشاهد صورة تجمع الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش مع زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” الطائفية المدعو قيس الخزعلي، المدعوم من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، بابتسامة عريضة تعلو وجهيهما في لقاء جمع بالإضافة للمذكورين المدعو ريان الكلداني قائد حركة بابليون والمعروف أنهما مدرجان على قائمة الإرهاب، عندها ستكتشف طبيعة النظام العالمي الجديد وأممه المتحدة.
عندما وقع الزلزال المدمر في 6 شباط/فبراير الذي ضرب مناطق واسعة من تركيا وسورية وخاصة الولايات الجنوبية من تركيا وشمال سورية تلكّأت الأمم المتحدة في الاستجابة وحين تصاعدت الانتقادات، لجأت لنظام الأسد المجرم لطلب الإذن منه لدخول المساعدات من معابر هي بالأساس خارج سيطرته، ناهيك عن المساعدات التي دخلت إلى مناطقه التي كانت أقل تأثراً بالزلزال ومنحته فرصة استثمار الكارثة للتملّص من العقوبات من خلال التقارير المزورة التي قدمتها الفرق الميدانية التابعة للأمم المتحدة والتي عرضت العديد من المباني المهدمة في مدينة حلب نتيجة القصف بالطيران الروسي والبراميل، على أنها أبنية تهدّمت بسبب الزلزال، عندما يحصل كل هذا التواطؤ المفضوح من قبل الأمم المتحدة مع نظام مجرم استخدم كل أنواع الأسلحة ضدّ المدنيين بما فيها الأسلحة المحرّمة دولياً، عندها تعلم ماهي وظيفة هذه الهيئة الدولية في النظام العالمي الجديد.
في خضم ما سبق وذكرته، هناك عشرات القضايا الأخرى التي تخبو وتتصاعد هنا وهناك في تناغم لا يخرج عن إطار التنسيق عالي المستوى في أروقة الأمم المتحدة، على الرغم من محاولات طمس ذلك التناغم لتبدو أحداثاً مستقلة تحاول المنظمة معالجتها، من خلال المنظمات التابعة لها والتي أصبحت موضع شك كبير بمدى مصداقيتها ومستوى الفساد الذي يعتريها، بعد أن تبيّن للقاصي والداني بأنّ هذه المنظومة أصبحت تعتاش على الكوارث وتدفع رواتب موظفيها الباهظة باتباع آلية إدارة الأزمات وليس حلّها (كما نصّت بنودها التأسيسية).
وقد بدا ذلك واضحاً جليّاً لا لبس فيه من خلال تعاطي الأمم المتحدة مع الملفّات الساخنة جداً في المنطقة العربية إن كان في الملف الليبي أو اليمني، ومحاولة الالتفاف على الحكومة الشرعية هناك ومسايرة الانقلابيين في كلّ من البلدين ( اللواء حفترـ عبد الملك الحوثي)، واقتصار دور المبعوث الأممي على الوساطة في تأمين الإغاثة الإنسانية لملايين المنكوبين بما يؤمن للمنظمة باباً لتمويل طواقمها التي استشرى فيها الفساد.
ولكن في الملف السوري وعلى مدى السنوات الإثني عشر الماضية، تكشّف مدى التنسيق بين الأمم المتحدة والنظام منذ لحظة وصول (الدابي) وفريق المراقبين الأمميين الذين فضح تواطؤ الدابي وفريقه زميلهم في البعثة (أنور مالك)، والذي تطوّر إلى دعم مباشر في كثير من المحطات حتى باتت بنظر الشعب السوري المنكوب شريكاً “كاملاً” في عملية ذبح الشعب المنتفض ضدّ نظام مجرم فقد شرعيته منذ قرار مجلس الأمن 2254 التابع للأمم المتحدة، ولعلنا ما زلنا نتذكر كيف خرج علينا المبعوث الأممي الخاص إلى سورية “غير بيدرسون” بمصطلح جديد أثناء تقديمه إحاطته أمام مجلس الأمن 16/12/2020 حول سير أعمال اللجنة الدستورية في جولتها الرابعة، حين طرح مصطلح ” العدالة التصالحية” عوض ” العدالة الانتقالية” الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً واستنكاراً شعبياً وردود فعل غاضبة من المعارضة مطالبين بعدم تمرير ذلك المصطلح الذي يساوي بين الضحية والجلاد، وبذلك يتضّح الدور المشبوه للأمم المتحدة في محاولة لإعادة تدوير النظام الذي مازالت تهمة ارتكابه جرائم حرب واستخدامه للسلاح الكيماوي ماثلة أمام اللجان المختصة التابعة للمنظمة.
ثم يأتي في اليوم التالي للإحاطة خبر فوز منظمة ” الأمانة السورية للتنمية “ برتبة محكّم دولي في انتخابات هيئة التقييم الدولية ضمن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة( اليونسكو) 17/12/2020، والتي تترأس مجلس إدارتها “أسماء الأسد”، وهي ذاتها الجهة التي تستلم اليوم المساعدات المخصصة لمنكوبي الزلزال وفي اليوم التالي تباع في الأسواق أو تذهب لأسر الجنود الذين قاتلوا في صفوف ميليشيات الأسد.
إن السيرة غير الحميدة لهيئة الأمم المتحدة منذ نشأتها 1945 قد أثبتت فشلها المزمن في حلّ النزاعات منذ تأسيسها وحتى اليوم، بل أصبح دورها إطالة أمد النزاعات وإدارتها، حتى وصلت أعداد اللاجئين في العالم لأرقام قياسية تجاوزت 24 مليوناً وتحول العمل الإغاثي والإنساني لما بات يعرف بـ “صناعة العمل الإنساني” والمادة الأولية لهذه الصناعة هو الإنسان، لذا بات لزاماً على الدول والحكومات إعادة النظر ببنية هذه المنظمة التي انقلبت على أهدافها المعلنة.
المصدر: إشراق