أحمد مظهر سعدو
بعد أن وضعت الحرب الإعلامية في انتخابات البرلمان التركي أوزارها، وراحت أخرى تشحذ سيوفها لحرب ضروس ثانية ما برحت قاب قوسين أو أدنى من الفعل الممارس، تهيئة لانتخابات كبرى ومصيرية رئاسية، كانت قد رُحِّلت لأول مرة منذ مئة عام نحو جولة إعادة، ستكون بين قطبين رئيسيين، ومهمين، قطب يمثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، وما يحمله من تحالف أيديولوجي واسع، وآخر هو كمال كليشدار أوغلوا بما يمثله من تحالف عريض يضم الكثير من الأيديولوجيات المتنافرة والمتناقضة، اجتمعت جميعًا في محاولة منها لاقتناص الفرصة والانقضاض على كرسي الرئاسة التركية والندوة البرلمانية.
وإذا كان موعد جولة الإعادة قد توافق بالصدفة مع ذكرى فتح إسطنبول الذي وقع في 29 أيار/ مايو 1453 ميلادي، فإن الكثير من أنصار الرئيس أردوغان يعتبرون استحقاق انتخابات الرئاسة سوف توازي أو تقترب من تلك الذكرى التاريخية المهمة لدى الأتراك بكليتهم، وكذلك لدى المسلمين كافة، لما تمثله من تجاوز عتبة كانت من الأهمية بمكان، بحيث فتحت الطريق نحو الهيمنة والنصر على الأوربيين في تلك المرحلة.
اليوم يبدو أن المشهد يقول: إن احتمالات نصر أردوغان على نظيره كليشدار أوغلو ستشكل فتحًا جديدًا طالما حلم به أنصار أردوغان، في ظل استقطابات كبرى وتحاجز غير مسبوق بين تيارين سياسيين مؤدلجين يريد كل منهما أن يزيح الآخر، وينجز نصره عليه. فهل يستطيع أردوغان وأنصاره تحقيق ذلك في 28 أيار؟ وهل العوامل والشروط والمحددات باتت مساعدة في إنجاز هذا النصر المتوقع؟
فرص أردوغان في الجولة الثانية
يرى العديد من المتابعين أن الرئيس رجب طيب أردوغان يمتلك ورقة انتخابية جديدة ومتجددة ومهمة تتمثل في طريقة إدارة حكومته وكتلته للعملية الانتخابية، ومن ثم نجاحها الباهر بذلك برلمانيًا، وصولًا إلى موعد استحقاق الرئاسة الذي تعثر قليلاً وأدى إلى انزياح زمني ضروري إلى مابعد 14 يومًا من الاستحقاق الأول، ولعل القدرة الميدانية التي أدارها حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان، مع تمظهر خسارته لبعض المقاعد، إلا أنها كانت أنموذجًا أربك الآخرين، ضمن تأطيرات عملانية ساهمت في سيطرة تحالف الجمهور على البرلمان التركي ضمن غالبية برلمانية مريحة.
في اللعبة الديمقراطية التي مورست مؤخرًا برزت عدة عوامل ساهمت بامتياز في تحقيق ذلك، وحققت خيبة كبرى وصدمات نفسية لدى المعارضة التركية و(تحالف الأمة)، منها الشخصية الكارزمية للرئيس أردوغان التي أظهرت قدراته القيادية المهمة، رغم كل ما أصاب تركيا بعد وباء كورونا، ومن ثم حرب أوكرانيا، من تضخم اقتصادي عالمي أصاب كذلك الداخل الاقتصادي التركي وترك آثاره المباشرة عليه. ومع ذلك تمكن أردوغان بشخصيته الكارزمية وحنكته ودهائه من إيصال الوضع الانتخابي إلى ما هو عليه، من فوز على المعارضة برلمانيًا، واحتمالات أكبر للفوز رئاسيًا.
يضاف إلى ذلك قدرة الدولة والحكومة التركية على التعامل مع كارثة الزلزال التي أصابت جنوب تركيا وشمال سورية، ودمرت ما ينوف عن 12 ولاية تركية، وهي كارثة كبرى تربك أي حكومة أو سلطة، لكن حكومة العدالة والتنمية استطاعت تخطي ذلك وما شاهدناه من حصول أردوغان وحزبه على نسب عالية من الأصوات في الولايات المتضررة من الزلزال، يوحي بنجاح الحكومة في تجاوز تلك الأزمة بقوة واقتدار.
ولا يجب أن ننسى ضعف الشخصية الأخرى المرشحة لمواجهة أردوغان الذي أعلن عن نفسه أنه (علوي) جهارًا نهارًا، وحتى لو كانت الدولة عَلمانية والواقع المجتمعي واعي، إلا أن ذلك يستفز شرائح كبيرة من الأتراك، ولن يجعل من كليجدار أوغلو قادرًا على أن يكون متقبلًا من الناس والمجتمع التركي المسلم.
المشاريع الاقتصادية والخدمية الكبرى والعظيمة التي أنجزها الرئيس أردوغان وحزبه خلال حكمه وتوقيت الإعلان عنها قبل موعد الانتخابات بفترة زمنية ليست بالبعيدة، أظهرت للناس حجم الاشتغال الجدي لدى هذه الحكومة، وقدرتها على الفعل، وليس التنظير فقط كحال الآخرين.
كما إن الدور الإقليمي التركي الذي استطاع خلال عقدين متواصلين من حجز المكان الأرحب لتركيا على مستوى الإقليم والعالم، وذلك الدور الكبير الذي قامت به تركيا، جعل من الأتراك يعيشون حالة انبهار وإعجاب لدور تركي يحلمون به بين دول العالم، وهو ما تحقق فعليًا لهم.
ناهيك عن انفتاح أردوغان في السنتين الأخيرتين على الكثير من الدول العربية والإقليمية، والعمل على إنجاز (صفر مشاكل) مع العالم المحيط، وهو ما جعل الاقتصاد يتحرك، والمستقبل التركي يكون أكثر إشراقًا وأكثر تفاؤلاً.
السوريون والانتخابات التركية
كل ذلك وغيره خلق حالة تركية ديمقراطية متميزة داخل الجغرافيا التركية، حركت لدى السوريين الكثير من الحسرة بمقارنتهم بين ديمقراطية تركيا، واستبداد آل الأسد وقمع وإرهاب السلطات الطائفية الأسدية التي دمرت البلد بدلًا من أن تبنيه، وهجرت البشر بدلًا من إسكانهم وتطوير حيواتهم.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأخطاء التي حصلت في تركيا وخاصة مسألة إفساح المجال للعنصرية من التحرك والانقضاض على السوريين اللاجئين، لتسود الكراهية في كثير من الأحيان، جعلت من السوريين يبحثون عن ملاذات آمنة أخرى في أوروبا أو سواها.
ومع ذلك يُعتقد أن نتائج هذه الانتخابات خاصة إذا ما اكتملت، في نجاح أردوغان في 28 أيار/مايو سوف ينعكس إيجابًا على واقع السوريين، وسوف تتحجم العنصرية، حيث أظهر الناخب التركي أنه ليس معها، ولا يوافق أن يمثله في البرلمان من يمتلك الفكر العنصري، فأحجم عن انتخابه، ودفعه خارج أروقة البرلمان.
هي مسألة ستنعكس بالضرورة على الكثير من المناحي الأخرى، حيث كانت الحكومة التركية تستعجل الوصول إلى اتفاقات تصالحية مع نظام دمشق إلا أنها اليوم وبعد الانتخابات، لن تكون بالحماس نفسه، الذي عملت عليه قبل الانتخابات، والذي كان يريد خطب ودّ الأتراك الذين لا يريدون اللاجئ السوري بين ظهرانيهم. من هنا فإنّ الكثير من الأمور سوف تتغير في الواقع السوري بعد الانتخابات، ولن يكون ما بعد الانتخابات كما كان قبلها، وهي مسألة غاية في الأهمية، ويدركها السوريون، وكانوا يتوجسون خيفة فيما لو نحجت المعارضة، التي كانت قد دخلت في بازار انتخابي واضح من أجل ترحيل السوريين، بين من يريد ترحيلهم في سنتين اثنتين، أو من سوف يرحلهم في سنة واحدة فقط. فهل ستنفرج أسارير السوريين بعد 28 أيار/مايو القادم؟
المصدر: موقع أورينت