بيسان عدوان
يعد التاريخ الشفوي سابقة قديمة في الثقافة العربية والفلسطينية، حيث تنبع من تقاليد شفوية أشمل. استخدمت هذه السابقة بعد النكبة في عام 1948، وفقًا للباحث الأكاديمي نور مصالحة، لدعم الثقافة والذاكرة للفلسطينيين في مواجهة محاولات المحو والطمس. منذ ذلك الحين، استمر التاريخ الشفوي في حمل الرواية المضادة في سياق الاستعمار والاستيطان الحثيث في أرض فلسطين وبقايا الاستعمار في العالم العربي، وأصبح وسيلة رئيسية للتفاعل مع الأحداث الصادمة أو التعبئة الجماعية.
بالنسبة للفلسطينيين في الوطن والمنفى، يركز التاريخ الشفوي على تجربة النزوح والتشريد المشتركة. فحوالي 67% من الفلسطينيين هم نازحون ومهجرون، ويصل عددهم، وفقًا لأحدث التقديرات لعدد النازحين واللاجئين الفلسطينيين عالميًا، إلى قرابة 8 ملايين شخص. من خلال إحياء التاريخ الشفوي، يمكن للنازحين والمهجَّرين الذين ينتمون إلى القرية التي تم تطهيرها عرقيًا خلال النكبة، خلق مركز مادي لهم، حتى بعد أن فقدت القرية سكانها.
يعتبر التاريخ الشفوي أداة قوية للحفاظ على الهوية الفلسطينية وإحياء التراث والذاكرة الجماعية. يتم تناقل القصص والتجارب من جيل إلى جيل، ويساهم في توثيق معاناة الفلسطينيين .
أحد الباحثين الرائدين في مجال التاريخ الشفوي الفلسطيني هو الأكاديمي نور مصالحة، الذي أشار إلى دور الحكواتي بعد النكبة في دعم الثقافة والذاكرة الفلسطينية. تسعى دراسات مصالحة إلى فهم كيفية استخدام التاريخ الشفوي كوسيلة للتصدي لمحاولات المحو والطمس وللحفاظ على الهوية الفلسطينية.
كما قامت الباحثة دينا زيادة بدراسة التاريخ الشفوي في سياق النساء الفلسطينيات. تركزت بحوثها على قصص النساء النازحات والمهجَّرات ودورهن في نقل التراث والثقافة الفلسطينية من جيل إلى جيل. وتسلط زيادة الضوء على قوة صوت النساء في إحياء التاريخ الشفوي وتأثيرهن في الحفاظ على الهوية الفلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك، أجرى الباحث رشاد الشبكي دراسات حول التاريخ الشفوي الفلسطيني، مركزًا على تأثيره في إيجاد مساحة للمهجَّرين للتعبير عن هويتهم وتجاربهم. يسلط الشبكي الضوء على دور التاريخ الشفوي في تمكين النازحين والمهجَّرين من إنشاء مكان لهم في الواقع المادي والثقافي، حتى في غياب الوطن الذي فقدوه.
تجدر الإشارة أيضًا إلى الباحثة ريما هموس، التي استخدمت منهجية التاريخ الشفوي في دراستها حول الذاكرة والهوية الفلسطينية. أظهرت هموس كيف أن التاريخ الشفوي يمكن أن يكون وسيلة قوية لمحاربة الاستعمار والطمس، وللحفاظ على الروابط الثقافية والاجتماعية بين الفلسطينيين.
من خلال بحوث هؤلاء الباحثين والباحثات وغيرهم، ندرك أهمية التاريخ الشفوي في الثقافة الفلسطينية ودوره في الحفاظ على الذاكرة الجماعية والهوية الوطنية. يعتبر التاريخ الشفوي وسيلة فعالة للمقاومة والتصدي لمحاولات المحو والاستعمار، حيث يمكنه إعادة صياغة الروايات والتجارب التي تم تجاهلها أو طمسها في السجلات التاريخية الرسمية.
من خلال جمع وتوثيق قصص النازحين والمهجَّرين، يتم إنشاء مساحة مادية لهم في التاريخ، حتى بعد خلو القرى والمدن التي فقدوها من السكان. يساهم التاريخ الشفوي في إحياء الذاكرة الجماعية للفلسطينيين وإبراز تجاربهم المشتركة والتحديات التي واجهوها.
وفي ظل استمرار النزوح والتشريد، يبقى التاريخ الشفوي وسيلة مهمة للفلسطينيين في نقل قصصهم وتجاربهم ومعاناتهم إلى الأجيال القادمة. يعتبر هذا التواصل الجيلي من خلال التاريخ الشفوي أساسًا لبناء الهوية والتعبير عن الصمود والأمل في مستقبل أفضل للفلسطينيين..
عيوب التاريخ الشفوي كيف يمكن تفاديها
على الرغم من أهمية التاريخ الشفوي في الحفاظ على الذاكرة الجماعية والتراث الثقافي، إلا أنه يشوبه بعض العيوب التي يجب مراعاتها وتفاديها.
أحد العيوب الشائعة في منهجية التاريخ الشفوي هو التحيز الشخصي والموضوعي. يتعلق هذا بتأثير المفردات والآراء الشخصية للحكواتي أو المتحدث في تشكيل الرواية. ينبغي أن يتم التعامل مع هذا العيب عن طريق مصادرة أكبر قدر ممكن من الروايات المختلفة وتحليلها بشكل نقدي للحصول على صورة أكثر شمولية وعادلية للأحداث.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي الاعتماد الكبير على الذاكرة الشفوية إلى تشويه الأحداث وتفاصيلها مع مرور الوقت. يجب أن يتم استخدام منهجية التاريخ الشفوي بتوازن مع الأدلة الأخرى مثل الوثائق المكتوبة والأدلة الأثرية للتأكد من صحة المعلومات وتوثيقها بشكل أفضل.
كما يمكن أن يكون جمع الروايات وتحليلها عملية صعبة ومكلفة في بعض الأحيان. قد يكون من الصعب العثور على الشهود العيان والمتحدثين الأصليين، وقد يكون من الصعب التعامل مع تحيزاتهم وذواتهم الثقافية. ينبغي توخي الحذر والاستفادة من مجموعة متنوعة من المصادر والخبرات لضمان دقة وشمولية الرواية.
أخيرًا، يجب الاعتراف بأن التاريخ الشفوي لا يمثل وجهة نظر الجميع. قد تكون هناك قصص وتجارب غير مسجلة أو غير ممثلة في التاريخ الشفوي. يجب أ
يجب أن يتم إدراك أن التاريخ الشفوي لا يمثل وجهة نظر الجميع. هناك قصص وتجارب غير مسجلة أو غير ممثلة في التاريخ الشفوي. يجب أن يتم دعم البحوث والمشاريع التي تهدف إلى استكشاف وتوثيق هذه القصص المفقودة، وتوسيع نطاق الرواية الشفوية ليشمل تجارب متنوعة ومتعددة.
وينبغي أن يتم تجاوز الاعتماد الكلي على التاريخ الشفوي وتوسيع مصادر الأدلة والرواية التاريخية. يمكن أن تكون الوثائق المكتوبة والأرشيفات والأدلة الأثرية مصادر قيمة لإثراء فهمنا للتاريخ. يجب أن يتم الجمع بين مختلف المنهجيات التاريخية للحصول على رؤية أكثر اتساعًا وتوازنًا.
للتغلب على العيوب المحتملة في منهجية التاريخ الشفوي، ينبغي توخي الدقة والحذر في جمع الروايات وتحليلها. يجب توثيق المعلومات بدقة وتبني منهجية علمية لضمان مصداقية الرواية وتحقيق التوازن بين الشهادات المختلفة.
في النهاية، التاريخ الشفوي يظل أداة قوية للحفاظ على الذاكرة والهوية الوطنية والمقاومة الثقافية. من خلال توخي الحذر واستخدام المنهجيات العلمية و تحقيق التوازن في جمع المصادر وتحليلها، يمكننا تعزيز قوة التاريخ الشفوي والحصول على صورة أكثر اكتمالًا وشمولية للتجربة الفلسطينية.