أسامة آغي
قبل الحديث عن واقع سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، ينبغي طرح السؤال التالي: هل سيراجع هذا الحزب مواقفه السياسية بعد فوز كاسح لحزب العدالة والتنمية التركي ورئيسه رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة، وما تؤشر عليه من دلالاتها السياسية على مستوى تركيا والخارج، بما في ذلك القضية السورية ومفرداتها؟
وهل سينتهج هذا الحزب سياسات واقعية حيال سورية وتركيا، أم إنه سيبقى في مربعه الخاص المتناقض جذرياً كمشروع سياسي مع قوى الثورة ومع تركيا الذي تعتبره تهديداً لأمنها القومي؟
يمكننا القول، إنه لا تزال سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي “PYD” بلا بوصلة عمل وطنية سورية حقيقية، هذه البوصلة السورية، هي من يجنبه حرب تركيا القادمة عليه، فهذا الحزب، الذي ولد بتاريخ 20 أيلول / سبتمبر 2003، ولد كذراعٍ سياسية سورية لحزب العمال الكردستاني التركي الأصل، إذ تبنّى المفاهيم النظرية والسياسية التي وضعها عبد الله أوجلان مؤسس العمال الكردستاني السجين في تركيا.
إن تبني الـ PYD لمفهوم “الإدارة الذاتية” وتطبيق ذلك على المناطق التي سيطر عليها شرق نهر الفرات، إنما هي الخطوة الأولى نحو فصل شمال شرقي سورية “الجزيرة” عن باقي الأراضي السورية، وقد اتضح ذلك من خلال إطلاقه تسمية “روج آفا” أي (غرب كوردستان) على هذه المناطق.
الرؤية الأساسية لدى حزب العمال الكردستاني وذراعه السورية الاتحاد الديمقراطي هي بناء الدولة الكردية الكبرى، على أراضٍ موزعة على أربع دولٍ وفق سايكس بيكو، هذه الدول هي (تركيا وسورية والعراق وإيران).
وباعتبار أن ميليشيا الـ PKK استفادت من الخلل في الأوضاع الأمنية السورية، فهي دفعت بكوادرها المقاتلة والسياسية إلى مناطق الشمال الشرقي من سورية، من أجل الانتشار لتحقيق هدفين رئيسيين، هذان الهدفان هما محاربة الدولة التركية انطلاقاً من جنوبها، وكذلك تأسيس مرتكز جيوسياسي لتنفيذ أجندة حزب العمال على حساب الأرض السورية.
منذ البداية وقف حزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” ضد الثورة السورية، وسارع إلى التسلح تحت مسمى “وحدات حماية الشعب الكردية”، التي صار اسمها لاحقاً بصورة مضللة “قوات سوريا الديمقراطية” واختصاراً قسد.
مشروع الثورة السورية غاب عن هذا الحزب، لأنه بالأساس مجرد ذراعٍ سياسية لحزب تركي اسمه PKK. ومشروعه السياسي ليس دحر الاستبداد الأسدي، وإنما تحويل شمال شرقي سورية إلى كيانٍ تحت مسمى “الإدارة الذاتية”، هذا الكيان مرفوض من قوى الثورة والمعارضة، ومرفوض من قبل نظام أسد.
قوى الثورة والمعارضة لا تدرج حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية قسد ضمن القوى الثائرة على نظام الأسد، لأنه رفض منذ البداية أن يرفع قيم الثورة وشعاراتها وعلمها، ورفض الانضمام إلى مؤسساتها، وهو ما يعني أن مشروعه السياسي ليس مشروع الثورة السورية.
هذا التناقض بين قوى الثورة السورية وحزب الاتحاد الديمقراطي ظهر عبر تناقض شديد بين أحزاب المجلس الوطني الكردي من جهة وبين الحزب المذكور، هذا التناقض في الرؤية السياسية، دفعت حزب الاتحاد الديمقراطي إلى شنّ حملة اعتقالات واسعة ضد أحزاب المجلس الوطني الكردي، كما أغلقت مقرات أحزابه المؤتلفة مع قوى الثورة والمعارضة.
كان الهدف الرئيس من حملات التصفية السياسية هو فرض رؤية حزب الاتحاد الديمقراطي كرؤية وحيدة على المكونات السياسية الكردية في الشمال الشرقي من سورية، أي توحيد الصف الكردي بالقوة لصالح برنامج سياسي إستراتيجي، يهدف إلى بناء دولة كردية على أراضي الدول الأربع التي ذكرناها قبل قليل.
هذه الرؤية تتناقض مع مصالح الكرد السوريين، الذين تمثلهم أحزاب المجلس الوطني، والتي عبّرت عن رفضهم لسياسات PYD غير الوطنية، مع العلم أن غالبية المكون الكردي السوري تؤيد سياسياً المجلس الوطني الكردي، وتعتبره ممثلها الحقيقي، وتعتبر أن فرض سياسة سلطة الأمر الواقع الممثلة بميليشيا قسد هي سياسة استبدادية مفروضة بالقوة.
إن فشل الحوار والتفاوض بين أحزاب المجلس الوطني الكردي وحزب PYD الذي رعته الولايات المتحدة، يقف خلفه إصرار الأخير على بقاء القوة المسلحة بيده، ورفض دمج قوات البيشمركة مع قوات قسد، وهذا يعني بقاء السلطة بيد PYD.
هذه الحالة التي تمارسها قسد، لا تنم عن استقلالية القرار السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD، وهو يكشف عن سيطرة كوادر حزب العمال الكردستاني على سياسات هذا الحزب، والذي لا يمكن تصنيفه بأنه وطني سوري.
حالة واقع الصراع في سورية وضعت ميليشيا قسد في حالة “بندقية مأجورة” أمريكياً، وهذا يعني أنها ليست من قوى الثورة، وإن سياساتها تُدار من الحزب الأم PKK، وبالتالي فهي بلا بوصلة سياسية وطنية، وهي أيضاً لن تتمكن من فرض رؤيتها السياسية لشكل الحكم في سورية القادمة، باعتباره كونفدرالياً أو فدرالياً أو نظام حكم لا مركزي إداري، فليس من الواقعية أن يفرض حزب سياسي قوته مستمدة من حماية قوى دولية له رؤاه على الشعب السوري.
إن حزب الاتحاد الديمقراطي في ظل الظروف المحيطة بالقضية السورية لن يستطيع الحفاظ على إدارته الذاتية، فقوى الثورة ترفض أن يفرض عليها هذا الحزب رؤاه، وكذلك فنظام أسد رفض قطعياً مطالب هذا الحزب، وهو ما يجعله يحلّق وحيداً في فضاءات إستراتيجية تخصّ الحزب الأم PKK.
كذلك فإن سياسات هذا الحزب وضعته بمواجهة مع الدولة التركية وأمنها القومي، وهو أمر لا يمكن لتركيا أن تدعه كعامل تهديد لها، لذلك، ليس أمام هذا الحزب وميليشياته سوى فكّ ارتباطه بكوادر قنديل، أو مواجهة الجيش التركي.
فهل يستطيع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD أن يستقل بقراره السياسي ويصير حزباً سورياً؟ أم إنه يدفع بعربة مواقفه نحو فشله السياسي والعسكري، وتحديداً بعد أن خسر مناصروه في حزب الشعوب الديمقراطي مقاعد عديدة في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة؟
تركيا لن تسكت عن استمرار بقاء التهديدات الأمنية الآتية من ترابط النشاط الإرهابي لميليشيا PKK وPYD. هذه الحالة تحتاج من كوادر حزب الاتحاد الديمقراطي مراجعة إستراتيجيتهم السياسية، بما يمنع أي كوارث بحق المكون الكردي السوري لاحقاً.
فهل يتمرد كوادر هذا الحزب على تبعيتهم لـ PKK، أم سيذهبون إلى فشل سياسي وعسكري محقق؟
المصدر: اوريينت