معقل زهور عدي
تركت غزوة فاغنر العالم مذهولًا، لم يكن أحد يتوقع أن يتجرأ طباخ بوتين وخريج السجون الروسية القائد لمجموعة المرتزقة الإجرامية التي تمتهن الموت وتجعل من الجمجمة علما لها على خطا القراصنة والمكونة من أعتى المجرمين الذين جرى إطلاقهم من السجون الروسية لتشكيل ذلك الجيش الذي جاء لينافس منظمة البلاك ووتر ذات السجل الأسود في العراق أقول لم يكن أحد يتوقع أن يتجرأ في التمرد على الكرملين بل والدخول للأراضي الروسية ليخترقها كما تخترق السكين قطعة الجبن دون مقاومة تذكر ويصل إلى مشارف موسكو بعد أن قطعت قواته حوالي 1000 كم وسيطرت على مدينة رئيسية جنوب روسيا ( روستوف ) وفيها مقر القوات الروسية التي تدير الجبهة الأوكرانية .
هل وضعت أي من أجهزة المخابرات االغربية مثل ذلك السيناريو أو فكرت فيه في أقصى الإحتمالات؟
تراجعت قوات فاغنر حسب الاتفاق الذي تم بين بريغوزين وبوتين برعاية لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا لكنها تركت وراءها جبلا من الدهشة والتساؤلات التي لاتجد جوابا لها حتى الآن .
فهل كانت جرأة بريغوزين تستند إلى علاقاته بدوائر نافذة ضمن المؤسسة العسكرية تسعى لتغيير منحى الحرب الأوكرانية ؟
ولماذا ترك الجيش الروسي العظيم قوات فاغنر تجتاز الحدود الروسية في عمل “خياني غادر” حسب توصيف بوتين في خطابه المعلن الذي جاء بعد غياب لافت؟
ولماذا تطرق بوتين لخطر الحرب الأهلية الذي يحمله ذلك التمرد الذي يفترض النظر إليه كعمل شرذمة مسلحة معزولة ليس لها علاقة بالمجتمع الروسي وقواه المسلحة الوطنية ؟
ألا يعني ذلك احتمال أن تجد فاغنر حاضنة لها وسط الشعب الروسي وأن تنضم إليها وحدات من الجيش الروسي؟ يؤيد ذلك التشبيه الذي ذهب إليه بوتين في تطرقه للثورة البلشفية التي قامت في روسيا القيصرية بينما كان الجيش الروسي منغمسا في الحرب العالمية الأولى فهل قامت الثورة البلشفية لولا انقسام المجتمع الروسي وتعبئة العمال وقسم من الفلاحين والجنود وراء الثورة؟
وأين كان سلاح الجو الروسي الذي دمر مدنا بكاملها في سورية وكان وراء ” انتصار النظام” وهو يرى ” الخونة الذين يطعنون روسيا في الظهر ” يتجاوزون الحدود ويتقدمون كأنهم في نزهة أوسباق للوصول إلى موسكو ؟
وبعد ذلك كله , أليس من دواعي الذل البالغ أن يتم استبدال تدمير تلك المحاولة ” الإجرامية الغادرة ” وأن يتم ازدراء وتجاهل الوعود التي قطعها بوتين رسميا وعلى الأشهاد بسحقها وإنزال أقسى العقوبات بمرتكبيها ويستبدل ذلك باتفاق ودي يكتفي بانسحابها مقابل ضمان أمن وسلامة جميع من شارك فيها بمن فيهم بريغوزين نفسه بل وتحقيق مطلبه في عزل وزير الدفاع ورئيس الأركان في خضوع لسيادة روسيا أمام منظمة من المرتزقة ولو بعد شهر أوشهرين؟
لماذا يرضى جبار الكرملين ” القيصر” بمثل تلك النهاية التي تحمل في طياتها معنى العجز والخوف والذل وطلب السلامة من تحرك شرذمة لاوزن لها نسبة لجيش روسيا العظيم ؟
انتهت غزوة بريغوزين لكن خلفت وراءها حقائق رهيبة تمس تماسك الجيش الروسي وقيادة بوتين والمخاوف التي تتردد في أرجاء جدران الكرملين كالأشباح ملاحقة بوتين ومن يحيط به حول مصيره ومصير الحرب في أوكرانيا ومصير روسيا.