أحمد مظهر سعدو
لاشك أن من حق السوريين أن يتخوفوا ويتوجسوا مما يقال هنا أوهناك، بين الفينة والأخرى، من مزاعم تحاول إلصاق التهم المتتابعة، في كنف الحراك الوطني الكبير الذي يعم محافظة السويداء منذ اكثر من ثلاثة أسابيع متوالية. ويبدو أن هناك الكثيرين ممن هم في طرف نظام المقتلة الأسدية، وأيضًا من أطراف أخرى متناثرة على طول وعرض الجغرافيا السورية، ولعل أهم تلك الاتهامات وأكثرها خطورة وفجورًا سياسيًا هي القول أن هذا الحراك سيؤدي بمحافظة السويداء إلى منحنيات وادي التقسيم أو الحكم الذاتي والإدارة الذاتية، أو حتى الإنفصال الكلي، ويطنب هؤلاء المتنطحين لمثل هذه التهم في الحديث عن احتمالات دولية وإقليمية للدفع بهذا الخيار الصعب والسيء باتجاه الإنجاز السريع والمستعجل كما يقولون، ضمن حالة اللعب المستمر بالورقة السورية وتمنع النظام السوري عن الولوج ضمن مسارات أي حل سياسي، وهروبه إلى الأمام، ومزايدته في ذلك وفي كل متعرجات الواقع السوري، واتهام الناس ممن يعارضونه في السويداء وغيرها، بالتخوين أو الارتباط بالخارج، وكأن هذا النظام الأسدي الكيماوي الذي باع السيادة الوطنية بكليتها للروس والإيرانيين، بَعيد عن الارتماء في أحضان الخارج، أو الولوج ضمن نفق الخيانة الوطنية العظمى. لكن من يذهب طويلًا وبعيدًا في سياقات اتهامات الحراك الوطني السوري في محافظة السويداء، تغيب عنه الكثير من الحقائق التاريخية والمجتمعية والقيمية وأيضا السياسية التي تحول دون السماح لأية احتمالات يشار إليها من التحقق أو الإنجاز، بل لعل أهل محافظة السويداء كانوا ومازالوا من أكثر الناس السوريين الذين يتمسكون بوحدة سورية أرضًا وشعبًا وقد كانوا وعلى الدوام شعلة وطنية متوقدة، لم تنطفيء يومًا ولا تحنت أمام كل العواصف والخيبات التي عاشها السوريون. وإذا كنا مقتنعين تمامًا بهشاشة الطرح الإتهامي ذااك، وهلامية الفكرة بحد ذاتها، وبعدها عن الواقع المعاش وافتئاتها على الحقيقة فلأن ذاك يعود للأسباب التالية:
_أولًا : إن السوريين في السويداء، والدروز منهم كطائفة وطنية سورية بامتياز، على وجه الخصوص لم يكونوا يومًا ما وعبر التاريخ مطية أو متكئًا لأي محتل، أو مستعمر، ولم يقبلوا أبدًا التخلي عن وطنيتهم السورية، ولا عن انتمائهم العربي، عبر عقود طويلة ومديدة من الزمن، ليس أولها ولا آخرها ثورة سلطان باشا الأطرش، وقدرته على الاندماج في الواقع السوري، وتأكيد سوريته وعروبته بالرغم من كل المغريات التي قُدمت له من المستعمر الفرنسي في تلك المرحلة، وهو الذي ثار وانتفض عسكريًا وشعبيًا على المحتل الفرنسي في ثورة ١٩٢٥، وتآلف وتضامن وتعاون مع ثوار الغوطة الدمشقية، وكل ثوار سورية ضج المستعمر، ولم يكن القائد سلطان باشا الأطرش إلا لبنة وجبلاً في الوطنية السورية للتوحيد وليس للتجزيء أو الإنفصال.
_ثاني هذه المرتكزات أن أهل وشعب محافظة السويداء ومنذ انطلاقة ثورة الحرية والكرامة أواسط شهر آذار/ مارس ٢٠١١ كان جوانية هذه الثورة، وليس خارجها، ويشهد له أهل درعا وكل ثوار دمشق وسورية، وكيف تعاون مع الجميع، وحمى الكثير من أهل سورية، الذين التجؤوا إلى المحافظة في جبل العرب، وكان جزءًا أساسيًا من ثورة عارمة طالت كل الأنساق الاجتماعية في كل المحافظات، وهذا مايؤكده اليوم عبر تمظهر شعارات الحراك في السويداء وهتافات الشباب والنساء والأطفال، فهي نفس هتافات (القاشوش) في حماة، وذات هتافات (الساروت) في حمص وهي التي توازي شعارات الحرية والكرامة الأولى وينطلق منها ويؤسس عليها، كما كان ومايزال حال السوريين المنتمين للثورة في جل الواقع والجغرافيا السورية.
_المسألة الأخرى التي لابد من الوقوف عندها أن القضية الأهم والأساس بالنسبة لأهل السويداء ليست حكمًا ذاتيًا، كما أنها ليست خلافًا على هوية من يحكم سورية، ومنها بالضرورة محافظة السويداء، بل لعل القضية الأساس التي أدت إلى هذه الانتفاضة الكبرى كامتداد للربيع السوري كانت حجم الفساد والإفساد الكبير الذي أدى إلى نهب ثروات الوطن، من قبل عصابات أسدية تدعي أنها تملك مؤسسات تحكم بها البلد، بينما كانت هي التي تستنزف خيرات الوطن وتساهم في خنق حيوات الناس، عبر مجموعات تشبيحية، تتخذ من الحكم والسلطة وإدارتهما مساحة وافرة للوصول إلى عملية شفط كل شيء في سورية، ثم كم الأفواه، وقمع الناس وزجهم في السجون والمعتقلات وتدمير البنية التحتية السورية، فاصبح الشعب السوري بقضه وقضيضه على ايديها يعاني الأمرين من ذلك، ويشترك أهل السويداء بالضرورة مع كل السوريين في نفس المعاناة، ولا يفترقون عنهم في شيء، ويعرف الجميع حجم التضامن الذي لقيه ابن الساحل الناشط أيمن فارس المتحدر من مدينة اللاذقية، الذي اعتقلته سلطات الأمن الأسدي وهو متجه إلى محافظة السويداء ليحتمي بها وبشعبها.
_ إضافة إلى ذلك فإن هناك فرق كبير بين من يتحدث في شمال شرق سورية عن إدارة ذاتية وحكم ذاتي، ولامركزية سياسية، وليس إدارية، يراد منها اقتطاع جزء من سورية، وضمه إلى الدولة الكردية المفترضة والموعودة، وهم الذين يعتبرون أن شمال شرق سورية ليس إلا (روج آفا) سورية، أي غرب كردستان الكبرى المحتملة، ويشتغلون على ذلك إثنيًا وعرقيًا، ويسيطرون على أجزاء كبيرة جدًا من مناطق سورية، بدعم أميركي، وبين شعب سوري أصيل وعربي، ينتمي إلى سورية الكبرى، ويتمسك بالأرض والوطن، ويعمل عبر الماضي والحاضر والمستقبل، من أجل سورية الدولة المدنية دولة المواطنة وسيادة القانون والدستور .
إذا المسألة أضحت واضحة وضوح الشمس، من أن لانية ولاقبول أبدًا لدى الحراك في السويداء في تنفيذ أجندات خارجية لا وطنية، وهم في ذلك يعلنون جهارًا نهارًا في أن سورية واحدة بشعبها وأثنياتها وطوائفها، وأن لا إمكانية أبدًا حتى لمجرد التفكير والسماح للبعض بالوصول إلى مثل هكذا رؤيا سياسة غير وطنية، من الممكن أن تهدد أمن الوطن كل الوطن، وتسهم في تقويض الانتفاضة الكبرى في السويداء، وهو مايريده النظام السوري المجرم وزبانيته في الإعلام الرسمي السوري التشبيحي، وبعض إعلام لبنان التابع لولاية الفقيه. ولأن “الدروز تاريخيًا ليس لديهم نزوع انفصالي بل نزوع اندماجي” داخل سورية، لأن كل مايقال عن هذه المسألة هو دلالة على سياسة مفتعلة لشيطنة الثورة في السويداء، وجرها إلى مهاوي الفعل اللاوطني، وتشويه سمعتها الوطنية عالية المستوى.
المصدر: موقع أورينت