آلان ديلوتافو*
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
بصفتنا جنس “الإنسان العاقل”، فإننا نقف في قمة السلسلة الغذائية، لكننا غير متسامحين. إننا نريد أن نلتهم كل ما يمكننا رؤيته، ولدينا ذلك الوهم غير العقلاني بالعظمة لأننا المفترس الوحيد المتبقي. لكن الفريسة والمفترس هما الشيء نفسه.
بعد الاستماع إلى أفكار يوفال هاراري عن الإنسان العاقل، استوعبت، بمنظور جديد، حالة إنسانيتنا. أدركت بعمق أننا آخر الأنواع البشرية حقا. كان أقرب أقربائنا ومنافسينا، “إنسان نياندرتال”، قد كف عن الوجود منذ فترة طويلة. وإذن كيف يمكننا، بصفتنا الـ”هومو سابينز” (الحكماء)، أن نضمن بحكمة رفاهية ومستقبل جنسنا البشري؟ يبدو السؤال عاما جدا -أو حتى غير ذي صلة بالنسبة للكثيرين، بالنظر إلى أن الحياة اليومية على الأرض ما تزال مستمرة على الرغم من أهوال الحروب ودمار الكوارث ونذر نهاية العالم.
ولكن دعونا لا نستخف بالقدرات والميول المدمرة لجنسنا البشري، التي ربما تكون قد لعبت دورا مهما في زوال “إنسان نياندرتال”، والتي يمكن أن تهدد وجودنا نحن أيضا.
أصبحت الحياة على كوكب الأرض الآن متعددة الأوجه وأكثر تعقيدا مما كانت عليه عندما كنا ما نزال نتعايش مع كوكبنا إلى جانب الأنواع البشرية الأخرى. فقد تحولت ثنائية “نحن وهم” القديمة لتصبح “بيننا” الحديثة والمعقدة بطريقة تنطوي على مفارقة؛ ثم تحول ذلك إلى “نحن مقابل نحن”. لقد أصبحنا النوع البشري الوحيد المتبقي -لكننا النوع الوحيد المتبقي الذي يريد أن يدمر نفسه من أجل ما يعتقد أنه خدمة المصلحة الذاتية.
لدى تأمل الآثار المترتبة على كوننا الجنس البشري الوحيد المتبقي على كوكب الأرض، خلُصت إلى المبادئ الآتية التي ينبغي أن تحكم علاقاتنا الدولية.
كنوع بشري واحد يعيش على كوكب واحد، ينبغي اعتناق:
مبدأ التعايش
إن لنا جميعا الحق في التعايش السلمي والمنتج على كوكب الأرض من دون عزل الآخرين بسبب التنوع الظاهري والسطحي، مثل الموقع الجغرافي، ولون البشرة، والأيديولوجية الاجتماعية، والثقافة؛ أو بسبب الإدارة الاستغلالية للموارد، وطنيا أو خارجيا.
مبدأ البقاء المتبادل
لا يمكننا البقاء على قيد الحياة من دون سلامة النظام البيئي البشري. الحياة البشرية هي نظام بيئي متعدد الأبعاد. وهي لا تستطيع الاستمرار والازدهار بميزة أو خاصية واحدة في مكان واحد فقط. إنها تستلزم التنوع العالمي والتبادلية. لكي يبقى جنسنا البشري على قيد الحياة، يجب أن تقوم علاقاتنا على البقاء العالمي المتبادل.
مبدأ الازدهار المشترك
لا يمكننا أن نزدهر في معزل عن نظام الحياة العالمي. سوف يؤثر انحدار ودمار موقع جغرافي واحد أو عرق واحد أو سمة طبيعية واحدة على النظام البيولوجي المجتمعي الكوني بأكمله. وعلى النقيض من ذلك، فإن ازدهار موضع واحد، أو عرق واحد، أو سمة طبيعية واحدة، بالتشارك مع أخريات، سوف يساعد النظام البشري بأكمله على الازدهار.
مبدأ المنافسة التنموية
لدينا كل من الميل الكامن إلى النوبات المدمرة، والميل إلى المنافسة التنموية. وغالبا ما تؤدي العلاقات الدولية القائمة على النوبات المدمرة في نهاية المطاف إلى أزمات عالمية. أما العلاقات العالمية القائمة على المنافسة التنموية فتدفع حضارتنا إلى التقدم. وكل تقدم في مجال مختلف، على الرغم من أنه لن يكون هو نفسه، يكمل مسيرة التقدم بأكملها.
مبدأ الحماية المشتركة للموطن
لدينا موطن واحد فقط؛ موئل واحد لجنسنا البشري ليمارس فيه العيش والازدهار؛ ونحن عائلة بشرية واحدة. ولن يؤدي السماح لعناصر هذا الموطن بالاضمحلال إلى انحطاطنا فقط؛ إنه سيأخذنا إلى المخاطرة النهائية بفقدان بقائنا نفسه.
بصفتنا جنس “الإنسان العاقل”، فإننا نقف في قمة السلسلة الغذائية، لكننا غير متسامحين. إننا نريد أن نلتهم كل ما يمكننا رؤيته، ولدينا ذلك الوهم غير العقلاني بالعظمة لأننا المفترس الوحيد المتبقي. لكن الفريسة والمفترس هما الشيء نفسه. وليس من السذاجة تحديد ما يمكن وصفه بأنه بناء نظري مثالي. ولكن دعونا نقبل أيضا حقيقة أن العوامل الأكثر تأثيرا في علاقاتنا الدولية هي إما استغلالية على المستوى التجاري، أو غازية على مستوى الأيديولوجيا. وهذه العلاقات ليست مستدامة ولا مفيدة عالميا -لأنها خير محسوب مخصص للفوائد المؤقتة التي تجنيها قلة قليلة. وسوف يمكِّننا مبدأ تقديم الصالح العام من الرؤية أكثر لما هو أبعد من حالتنا الحالية ومحاولة ضمان رفاهية ومستقبل جنسنا البشري.
*آلان ديلوتافو Alan Delotavo: يحمل درجة الدكتوراه من جامعة بريتوريا. كاتب وباحث مستقل من كندا. كان أستاذا مساعدا في العلوم الاجتماعية ورجل دين سابقا قبل أن يصبح علمانيا. لديه خلفية في الدراسات الأنثروبولوجية متعددة التخصصات وفي الدين والأخلاق، وقدم أوراقا علمية في المؤتمرات الدولية. يركز حاليا على التحليل الاجتماعي والسياسي البديل وإعادة تسمية المجتمع.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Principles of International Relations as Homo Sapiens
المصدر: الغد الأردنية/ مودرن ديبلوماسي