حسن النيفي
لم تكن بدعةً أن يتزامن العدوان الأسدي الجديد على سكان الشمال السوري ( أدلب وريفها والريف الغربي من حلب) مع العملية التي استهدفت الكلية الحربية في حمص، يوم الخميس ، الخامس من شهر تشرين أول الجاري، وأودت بحياة أكثر من مئة وعشرين شخصاً وإصابة عشرات آخرين، عدد غير قليل منهم من المدنيين جاؤوا لحضور حفل تخرّج أبنائهم وذويهم من الضباط، بل يمكن التأكيد على أن هذا التزامن كان أمراً لازماً وضرورياً لنظام الأسد وحليفه الإيراني، ليس لأنهم بحاجة إلى ذرائع تبرر عدوانهم على المواطنين السوريين، فذلك متاح لهم ولا رادع في الأصل لعدوانهم المتكرر منذ أكثر من عقد على سائر البلاد السورية، ولكن ما يبدو ضرورياً لرأس النظام هو تجدُّد إستراتيجيات الإجرام التي توجب عليه فتح آفاق جديدة لفصول أخرى من إزهاق أرواح السوريين، وليس مهمّا أن تكون تلك الأرواح التي تُزهق من خصومه أو مواليه، فما يريده بشار الأسد هو سلامة السلطة واستمرارها، ولن يكون أقرب مواليه وأشدّهم إخلاصاً له أكثر من وقود تشتعل حتى تصبح رماداً، المهم أن يبقى بشار الأسد حاكماً ولو شكلياً لسوريا، لتبقى البلاد السورية مجالاً حيوياً لإيران التي باتت معنيّةً بالحفاظ على الأسد ولو قاد ذلك إلى افتعال المزيد من المجازر بحاضنة النظام وضباطه وسائر رجاله وحاشيته.
ما هو مؤكّد أن عملية الكلية الحربية بحمص، سواء أكان التنفيذ بواسطة طائرة مسيرة أو غير ذلك، لا أحد بمقدوره على تنفيذها أو استثمارها سوى نظام الأسد ذاته، وذلك وفقاً للحسابات العسكرية التي تؤكد عدم قدرة خصوم الأسد بمختلف أشكالهم وتلويناتهم على الوصول إلى مكان الكلية الحربية لا بطائرات مسيرة ولا بوسائل أخرى، فضلاً عن الملابسات التي أحاطت بالعملية ولعل أبرزها مغادرة وزير دفاع النظام علي عباس ومحافظ حمص مكان الاحتفال قبل وقوع المجزرة بعشرين دقيقة فقط، ما يعني أن ما حدث في حمص لم يكن مقصوداً بذاته، بل أراد حاكم دمشق أن يجعل من تلك العملية منطلقاً إلى استراتيجية جديدة للخروج من محنة تضغط على خناقه باستمرار، ولن تكون تلك الاستراتيجية مفارقةً لماهيته الأصلية، أعني التمادي في القتل والإجرام، وهذا ما يبيّن حقيقة التزامن بين ما جرى في حمص وبين الهجوم الهستيري الذي شنه النظام في الوقت ذاته على سكان الشمال السوري، لترتفع دوامة العنف وليدخل ما ينوف على أربعة ملايين سوري في الشمال في فصل مأسوي جديد يتجسّد قتلاً وتشريداً ونزوحاً، و لن يجعل منه قدوم فصل الشتاء سوى مواجهة حقيقية مع عوامل الفناء.
منذ أن انطلق حراك جبل العرب في الثامن عشر من شهر آب الماضي بدأ نظام الأسد بمحاولات عديدة لتحييد حراك مدينة السويداء، فحاول الاستثمار في قتال دير الزور بين قسد وقوات العشائر، محاولاً إشغال الرأي العام عن انتفاضة السويداء، ولم يجد ذلك نفعا، إذ إن الحراك الشعبي لمدينة السويداء بدا اكثر إصراراً واتساعاً، كما بدأ يحظى باهتمام دولي يوماً بعد يوم، وأمام عجز النظام عن مواجهة هذا الحراك بوسائله الوحشية المعتادة لأسباب لا تغيب عن الجميع، فلم يجد سوى التمادي في العنف الذي لم يكن يمتلك سواه في الأصل، إذ إن الدخول في حرب جديدة على السوريين وارتفاع وتيرة العنف في البلاد قد تؤدي إلى خلط الأوراق وإتاحة الفرصة لقوات الأسد لتجاوز التخوم التي تحول بينها وبين المدن المنتفضة ومنها السويداء، فضلاً عن رغبة الأسد وحليفه الإيراني باختراق الحراك الشعبي السلمي وتحويله إلى حالة مواجهة عسكرية تعطي النظام الفرصة من جديد لممارسة التنكيل بالسوريين، وربما حاول الأسد مرة أخرى إيهام المجتمع الدولي بأن نظامه يواجه قوى إرهابية في سورية تستهدف ضباطه وحاضنته، ولا يواجه حراكاً شعبياً بدا يحظى بتضامن وطني عام وتأييد دولي ملحوظ.
ما يقوم به بشار الأسد بإيحاء من رموز الإجرام في طهران وميليشياتها الطائفية ينبغي أن يكون رسالة ناصعة الوضوح لحاضنة الأسد وما تبقى من مؤيديه قبل سواهم، مفادها أن رأس النظام لن يدّخر دماءكم طالما أنه يحارب من أجل السلطة، بل إن دماء أبنائكم لن تكون عنده مختلفة عن دماء مئات الآلاف الذين أزهق أرواحهم من السوريين، نعم الأسد سيقتلكم جميعاً قبل أن يُقتل أو يُعلق على المشنقة أو يودع في قفص أبدي.
المصدر: موقع المجلس العسكري السوري