مقالات
كشف العدوان “الإسرائيلي” المستمر على قطاع غزة، في فلسطين، طبيعة الكيان الصهيوني، ودوره في المنطقة، بطريقة لاتحتمل أي نقاش أو جدل، خصوصاً إثر تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء “الاسرائيلي” بنيامين ناتنياهو، في زيارة الدعم والمساندة غير المسبوقين يوم 18 أكتوبر الجاري، بأنه: (إن لم تكن اسرائيل موجودة فوجب علينا إيجادها.!) ما يقتضي أن يدفع كل أصحاب دعوات ومشاريع “السلام” و”التعايش” لمراجعة أطروحاتهم وتوهماتهم، والكف عن العبث بوعي الشعوب، وتسويق الأضاليل، منذ اتفاقات كامب ديفيد وصولاً الى بدعة الديانة الابراهيمية ومقتضياتها، وما بينهما من “سلام الشجعان” و”الأرض مقابل السلام”.
فالحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني، التي تأتي بعد عملية “طوفان الأقصى” البطولية والشجاعة، بدورها كشفت الكثير عن طبيعة الصراع التاريخي المستمر مع “إسرائيل”، أو القاعدة المتقدمة للمشروع الغربي_ الامبريالي في المنطقة، وإمكانية هزيمته، أو تفكيكه، كما الضعف البنيوي لهذا الكيان الغاصب، في ظل تمسك الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه وإدراكه لطبيعة العامل الديمغرافي في الصراع، مع شجاعة وبسالة في المواجهة أبهرت العدو والصديق، كما هو الأمر مراراً وتكراراً منذ الطلقة الاولى في 1965، بعد أن كان آخر ماشبه لهم عجز الانسان العربي واحباطه وهزيمته النفسية، هذا كله إضافة لما كشفه العدوان عن ازدواجية منطق الغرب في الحديث عن حقوق الانسان وقضاياه، والحريات العامة بشكل سافر، وكارثي، عندما أصبح الأمر يتعلق بمستقبل “اسرائيل” وأمنها، والخطر الوجودي الحقيقي الذي يتهددها، والاحتمالات المفتوحة لتوسع الحرب لتشمل أطراف اقليمية أخرى.
لعله من المهم لنا، هنا، أن نؤكد أن الحرب أسقطت منطق دعاة عزلتنا الوطنية عن محيطنا العربي، وفضاءاته الواسعة، سياسياً وثقافياً وتاريخياً، ومروجي الكينونة السورية تحت شعار: “سورية أولاً …سورية أخيراً” تحت حجج واهية، أو استناداً لقضايا منقوصة ومشوهة، من نوع التخاذل العربي في دعم الثورة السورية وقضية الشعب السوري بكل أبعادها، وإنحياز الفصائل الفلسطينية برمتها للنظام السوري في حربه المفتوحة على شعبنا الصابر والصامد، وحتى تورط بعضها بالدم السوري، فلقد قلنا مراراً وتكراراً، ومبكراً، أن معركتنا ليست مع النظام السوري فقط، بل هي معركة مفتوحة مع نظام إقليمي ودولي أسس وبني على الترابط الكامل والوثيق بين أطرافه المختلفة، الدور الاسرائيلي حاضر فيه بقوة وتأثير شديدين، ولايمكن تغييره كما ظن البعض، عبر الزيارات العقيمة المتوالية لاسرائيل، من أشخاص عديمي المناعة الوطنية والفهم، وبإبداء حسن النية، والاستعداد لتقديم كل ماهو مطلوب منهم، فأبجديات هذا الصراع أنه صراع شامل ليس محصوراً في فلسطين ولسنا بعيدين عنه والتأثر بمجرياته، بل هو دائم الحضور وعلى مستويات عديدة ومختلفة اقتصادية وتنموية، وثقافية، إضافة للسياسية وحتى الدينية، وهذا كله ليس اختراعاً إيديولوجياً، أو هرطقة قومية، كما يروج ويقول البعض، وليس مرتبطاً بنظام الأسد (الأب والابن)بل حقائق التاريخ والجغرافيا، والتي هي في الوعي الفطري ووجدان العامة أكثر وضوحاً ونقاءً من لدى النخب الثقافية والفكرية، للأسف الشديد، وهو ماتجلى في مظاهرات واحتجاجات المناطق الخارجة عن سلطة الأسد، والتأييد الشعبي الفطري لعموم الشعب السوري لرفض العدوان والحرب على المدنيين العزل، كموقف أخلاقي وإنساني وسياسي، دون فذلكات الدخول بالنوايا، وإثارة الشبهات التي تروج عن مشاريع حماس وارتباطاتها بالمشروع الايراني الذي هو وجه آخر للمشروع الصهيوني_ الغربي في المنطقة.
طوال السنوات الماضية ظل السؤال المطروح في أروقة الساسة والباحثين، وفي أذهان العامة، من هو الشريك الخفي الذي يحمي الأسد؟ وها نحن اليوم نرى الجواب واضحاً، فاقعاَ، لاريب فيه، إلا لمن لايريدون رؤية الواقع والحقيقة وعلى قلوبهم وأعينهم غشاوة، بل وأكثر، ما يرتب علينا مسؤوليات وواجبات في معركة الانعتاق من الطغيان إلى آفاق الحرية.
إن ارتباط معركة الحرية، الأرض والانسان، من غزة إلى إدلب، أو من فلسطين إلى سورية واحدة، بل وأبعد من ذلك في محيطها العام، امتداداً وعمقاً، لتصل إلى العراق واليمن وليبيا…بل وإلى القاهرة وعمان والرياض…
نحن السوريون إذ نبكي اليوم أهل غزة التي ترتكب بحق أهلها المجازر والفظائع، وتتعرض لابادة جماعية بمنع كل مقومات الحياة عنها في ظل التواطؤ الدولي، كنا ولازلنا نبكي حالنا منذ الأمس وحتى اليوم نتيجة مافعله بنا المستعمر المحلي، ممثلاً بنظام الاجرام الكوني، مع حلفائه المتعددين، من قتل وترويع وتهجير وإبادة وتغيير ديمغرافي.
إننا نأمل أن تكون الحرب على غزة وإدلب مقدمة لاستعادة الوعي وتنظيم الصفوف لمواجهة أعداء الداخل والخارج.
ليس ذلك إنشاءً بل هو عودة إلى البديهيات وألف باء المواجهات المفروضة علينا دون خيار لنا. إنها ساعة للعمل وليس الحزن.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين