أحمد مظهر سعدو
تدرك إيران أن انخراطها في الحرب الإسرائيلية العدوانية الدائرة اليوم ضد أهل وشعب غزة في فلسطين ليس قرارًا ممكنًا على أجنداتها المتحركة، ولا صائبًا بالمطلق اتكاءً على سياساتها البراغماتية في المنطقة التي طالما تاجرت بها وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتفاعلاتها، وكل هذا الانزياح هو من أجل إنفاذ مصالحها الجيوسياسية وأطماعها في المنطقة العربية. ومن ثم فإنها ارتأت أن الأفضل لها في استراتيجيتها السياسة والعسكرية، حسب الممارسة الآنية لموقفها، ما يزال ولسوف يبقى يراوح في المكان ذاته، ويعيد إنتاج نفسه عبر استخدام الوكلاء المتعددين في المنطقة، وخاصة (وهو الأهم) تلك الأداة المنفذة والمنتمية إلى نفس المشروع والمحور، والتي تتبع ولاية الفقيه، وتعمل من أجله، وليس من أجل المصلحة الوطنية اللبنانية أبدًا، هذه الاستطالة التنفيذية هي حزب الله ومن يدور في فلكه، وإيران في ذلك تؤكد أن خوض الحرب ضد إسرائيل ليس عملًا عاقلاً، ولا يخدم من ثم الطموحات الإيرانية في الإقليم، ويمكن أن يدفع في حال التدخل الإيراني المباشر في المسألة الفلسطينية عبر صراعها المستمر مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى الهاوية السحيقة وإلى وادٍ ممتد لا قرار له، ويمكن أن يقوم بتدمير (فيما لو حصل) كل الاستراتيجيات الإيرانية المتبعة منذ زمن ليس بالقصير، أي منذ انتصار ما يسمى بثورة الشعوب في إيران، واستلام السلطة من قبل الخميني.
الواقع والمشهد السياسي في المنطقة يشير إلى أن امتناع وعدم إمكانية خوض المعركة الإيرانية مباشرة من دون وكلاء مع إسرائيل يعود للأسباب التالية:
- أولاها أن لا مبدئية لدى الإيرانيين، كما لا أهمية للدم الفلسطيني المراق بغزارة على أرض قطاع غزة في فلسطين، وهي لن تهتم كثيراً لحجم القتل والهدم في القطاع، ويبقى أن الأهم عند الإيرانيين هو الحفاظ على الوضع العسكري الإيراني القوي، ولن يفرطوا أبدًا بهذه القوة العسكرية الإيرانية حيث وصلت إليها مؤخرًا ضمن حالة الصراع الأكبر مع العديد من دول المنطقة، وخاصة دول الخليج العربي، بعد أن هيمنت إيران واحتلت ما يزيد عن أربع عواصم عربية كدمشق وبغداد وبيروت وصنعاء.
- ثانيًا: لا بد من القول إن حالة العداء التي تصدرها إيران إعلاميًا كل يوم وكل لحظة، ضد إسرائيل تارة ، وأميركا/ الشيطان الأكبر تارة أخرى، ليست حقيقية، وليس هناك من تفكير سياسي إيراني جدي سابقًا ولا لاحقًا من أجل تحرير القدس أو فلسطين، بل لعل إيران ما انفكت تعتبر ذلك همًا عربياً، وليس له أي أهمية لدى دولة فارس المتصورة والطامحة في المنطقة، حيث يمكن أن يعوق قيامها بالاشتغال في صراع معين وكبير ضد دولة إسرائيل المصطنعة والمدعومة غربياً وأميركيًا، بشكل يفوق أي حد، بما لا يقبل الشك وعلى مستويات كبرى، واستراتيجية، لم يحلم بها أي كيان في العالم.
- يضاف إلى ذلك أن كل الذي فعلته إيران منذ عشرات السنين لا تريد أن تخسره دفعة واحدة، في لحظة انفعال ما، أو هنيهة حماسية غير عاقلة، لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة.
- كما أن الدعم المالي الكبير لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، لم يكن في يوم من الأيام إلا انفاذًا وتحقيقًا وتجسيدًا لمصالح دولة إيران في المنطقة، ولتحصيل ما يمكن تحصيله مناكفة للسياسات الأميركية والغربية وكذلك الإسرائيلية، ضمن المسموح به، والمتفق عليه تحت الطاولة وفي إطار المنافسة النفعية البراغماتية ليس إلا، حيث يعرف كل طرف من هذه الأطراف الخطوط الحمر التي لا يجب الاقتراب منها أو تخطيها، حتى لا تقع الواقعة.
- علاوة على ذلك فإن السياسة الإيرانية المرنة والمستوعبة للمصالح الإسرائيلية والأميركية، والتي تحملت كثيرًا وتجرعت كؤوس السم، مرات ومرات، ليس أولها قتل قاسم سليماني، الرجل الأهم لديها، وعبر استمرار القصف الإسرائيلي على مواقع ميليشياتها المنتشرة في سوريا، وكذلك فوق رؤوس ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني وكل توابعها، وذلك منذ أكثر من خمس سنوات خلت في جل مساحات الجغرافيا السورية المنتشرة فيها تلك الميليشيات، وامتناعها وصمتها المطبق عن الرد ولا مرة واحدة، فهي اليوم لن ترد على هذا العدوان على أهل غزة، وهو بعيد عنها، حتى لا تورط نفسها في حرب كبيرة وطويلة لا قدرة لها عليها، ولا قناعة لها بها، كما أنها أيضًا لن تخدم مصالحها القادمة والحالمة.
- وتدرك إيران أن تابعها / الأداة في الساحة اللبنانية (قائد المقاومة) حسن نصر الله سوف يتكفل بمناوشة لبعض الوقت مع إسرائيل من أجل الحفاظ على ماء الوجه المسفوح على الأرض، وهو يكتفي اليوم بتحريك بعض عناصره، أو عناصر أخرى من فصائل فلسطينية كانت ممنوعة سابقًا من أي حركة في الجنوب اللبناني، وحزب الله الذي يقوم بحراسة أمن إسرائيل منذ حرب 2006 ، كما يفعل صنوه في سوريا نظام بشار الأسد الذي مازال يحرس أمن إسرائيل بكل دقة وأمانة، تنفيذًا لوصية والده حافظ الأسد منذ أن وقع الأسد/ الأب عام 1974 اتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل.
إن إيران وتابعها حزب الله تقوم بالدور الهزيل تاركة الدم والجسد الفلسطيني يلاقي العدو الإسرائيلي وحده، بعد أن سقطت شعارات الكذب بوحدة الساحات على يد إيران وأدواتها في لبنان وسواه. ولن يدخل حزب الله في حرب ضروس مع الكيان الصهيوني قد تؤدي إلى تدمير البنية التحتية للحزب وللبنان. وذلك لأن التعليمات الإيرانية للحزب هي البقاء ضمن الخطوط المسموحة في التعاطي مع قذائف إسرائيل، ويبدو أن إسرائيل تستوعب هذه السياسة وتسير وفقها، والتي لا تريد توسيعها بينما هي مازالت في حرب واسعة وتدميرية ومنشغلة فيها مع غزة البطلة، ضمن أجواء الصمت العربي المريب..
المصدر: موقع تلفزيون سوريا