حسن النيفي
لعله لم يكن من المفاجئ هذا الحشد الغربي – الأمريكي والأوربي – للانحياز إلى إسرائيل في حربها المتوحّشة ضدّ سكان غزّة في فلسطين على إثر عملية طوفان الأقصى التي اندلعت شرارتها في السابع من الشهر الجاري، ذلك أن إرهاصات هذا الموقف الأوروأمريكي كانت شديدة الوضوح عبر سيرورة خمسة وسبعين سنة من عمر القضية الفلسطينية، بل يمكن الذهاب إلى أنه لو حصل العكس لكان الأمر استثنائياً آنئذٍ. وعلى الرغم من تنوّع الأسباب الدافعة لهذا الانحياز المزمن في الموقف الغربي، سواء أكانت دينية أم ذات صلة بمصالح أخرى فإنها على أية حال لا تنحصر في قضية فلسطين وحدها، بل بمجمل القضايا العربية والإسلامية، ليس هذا الإقرار انحيازاً إلى نظرية المؤامرة بقدر ما هو استقراء لوقائع عايشناها يوماً بيوم، وما نزال نكتوي بتداعياتها إلى يومنا هذا. ويبدو أن المسألة لا تتعلّق بمعيار قيمي ما، بل ربما كان المعيار الأساس هو حيازة القوّة اولاً وآخراً، – والضعيف وفقاً لهذا المعيار- عليه أن يتحمّل ضلالات التاريخ وأوزار ما يجري من موبقات لدى البشرية جمعاء، وربما هذا المعيار وحده من يجيز لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ان يرى الحل الأمثل لما يجري في غزة يتجسد بنزوح أهلها عن ديارهم إلى بلدان عربية مجاورة، ولعل هذا الطرح الأمريكي هو فحوى التحرّك الدوبلماسي لواشنطن في الأيام الماضية، بهدف إقناع عدد من قادة الدول العربية ليتم توزيع سكان غزة على دول الجوار إرضاءً لكبرياء إسرائيل الجريح، وإن لم يتحقق ذلك فإن الخيارات تصبح أكثر ضيقاً أمام سكان غزة، فإمّا الموت تحت وابل حمم الموت الإسرائيلية، وإما النزوح القسري إلى العراء، ويبدو انه حتى النزوح إلى العراء لم يردع شهوة الموت للصهاينة، إذ إن الذين استهدفهم الطيران الإسرائيلي صبيحة يوم الرابع عشر من تشرين الجاري هم عبارة عن موكب من المواطنين النازحين من بيوتهم. وفي جميع الأحوال يبدو أن المواجهة بين همجية القوة ومنطق الحق هي معركة غير متكافئة على مرّ التاريخ، ونتائجها غالباً ما تبدو وخيمة على الطرف أو الأطراف الأضعف من حيث حيازة القوة. ربما بات هذا مفهوماً عبر قرن كامل وحافل بالمواجهات،وربما كان أكثرها كارثية هي استمرار اغتصاب الكيان الصهيوني لفلسطين والاحتلال الأمريكي للعراق والتسلط الروسي الإيراني الأسدي على سوريا، ولعل هذه الكوارث الثلاث هي الأكثر استجلاءً لهمجية القوة وانزواء الحق باعتباره أعزلاً مجرّداً من مقوّمات حياته، كما تصلح أن تكون هذه الكوارث المذكورة سجلّاً لأكثر أنواع الجرائم بشاعة وقذارة بحق الإنسانية.
ما يرتكبه الصهاينة اليوم من جرائم في غزة لا اعتراض عليها من جانب أمريكا ومن خلفها أوربا، علماً ان هذه الجرائم لو انها صدرت من طرف آخر غير إسرائيلي لاستنفرت لأجل ذلك كل محافل العالم السياسية والدوبلماسية ومراكز حقوق الإنسان وحتى جمعيات حماية البيئة، ولكن حيال إسرائيل يستنفر العالم الغربي لكن ليناصر ويدعم الجريمة لا لينتصف للحق وأصحابه، ففي الوقت الذي سارع الإعلام الغربي عموماً إلى إدانة ما سُمّي باستهداف المدنيين من جانب حماس، إلّا أنه سارع في الوقت ذاته إلى مباركة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على سكان غزة، وربما الاستمرار في هذه المباركة هو ما يقلق واشنطن، لذا هي تبحث عن استجابة سريعة لإنقاذ هيبة إسرائيل وتوفير المزيد من الوقت، وربما كانت فكرة اقتلاع سكان غزة، ليتاح لإسرائيل القضاء على مدينة غزة بالكامل والتي تعني – من الناحية العملية – إستئصالاً لحركة حماس.
في عالم الجريمة تضمحل الفروقات الناظمة للقيم بين البشر، ويتسيّد الأكثر ضلوعاً وخبرةً وممارسةً للجريمة، ويصبح سلوكه مصدر إلهام لأقرانه الآخرين، وربما لهذا السبب لا يستغرب كثيرون أن يصبح نظام الإجرام الأسدي – على سبيل المثال مرجعية في ابتداع فنون الإجرام، فالنداء الذي وجهته إسرائيل إلى أهالي غزة لينزحوا من بيوتهم لم يكن إلّا استنساخاً لما قام به نظام الأسد حيال حلب والغوطة الشرقية ودرعا وحمص والعديد من المدن والبلدات السورية التي كان يمعن فيها قصفاً وقتلا حتى درجة إنهاك سكانها، ثم يضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما النزوح أو الموت، وبهذا استطاع الأسد حشرَ أربعة ملايين مواطن سوري في شريط حدودي في الشمال السوري، معظمهم من ريف دمشق ودرعا وحمص ممّن أُجبروا على النزوح بالباصات الخضر.
ربما السؤال الأكثر حضوراً في الضمائر قبل الأذهان، هو السؤال الذي يمكن توجيهه للإدارة الأمريكية باعتبارها صاحبة العصا الأغلظ في هذا العالم المتناحر: إذا كنتم تتهمون إيران وحزب الله ونظام أسد بالوقوف خلف حماس وتقديم كافة أشكال الدعم لها، بل ربما اعتبرتم أن حماس مجرد أداة تنفيذية لإيران، فلماذا إذاً تتركون إيران ومشتقاتها وتعاقبون السكان الفلسطينيون في غزة فقط؟
المصدر: موقع المجلس العسكري السوري