حسام كنفاني
لا إجابة واضحة حتى الآن للسؤال عن نهاية الحرب على قطاع غزّة. فالهدنة التي بدأت قبل يومين في القطاع، ومهما مُدّدت، لن تكون النهاية المرتقبة للعدوان الإسرائيلي الذي وضع أهدافاً واضحة لعملياته، والتي يبدو أن الجميع، وليس الغرب فقط، يتماهى معها، ويسلّم بأنها محقّقة لا محالة.
في بداية العدوان، وضعت سلطات الاحتلال قائمة من الأهداف، كان في مقدمتها إنهاء حركة حماس. لكن هذا الهدف تم تخفيضه، مع تطوّر المعارك وامتدادها، إلى “إنهاء سيطرة حماس على قطاع غزّة”، ما يعني وضع حدّ لحكم الحركة في القطاع المستمر منذ عام 2007. هدف تشاركت فيه إسرائيل مع الولايات المتحدة وكل الدول الغربية. واليوم يبدو أن هذه المشاركة امتدّت إلى عدد من الدول العربية والإسلامية التي باتت تبحث عن دور في “غزة ما بعد حماس”.
مرحلة ما بعد “حماس” كانت محور الكثير من الاتصالات الغربية، الأميركية تحديداً، مع العديد من المسؤولين العرب. وزير الخارجية الأميركي أنتوني بليكن وضع نصب عينيه تحقيق مثل هذا الهدف، ومنذ الأيام الأولى للعدوان، كان هذا الملفّ الأساسي الذي حمله معه في جولاته المكوكية على دول المنطقة. ويبدو أن هذه الجولات أتت ثمارها بعدما بات الجميع يتحدّث عن أدوار في غزّة بعد نهاية الحرب.
في مقدّمة هؤلاء كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي لم يكتف بعرض دور مصري في إدارة القطاع في مرحلة ما بعد “حماس”، بل تطوّع لإعلان تصوّره لحلّ القضية الفلسطينية، مقترحاً “وجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ووجود قوات دولية سواء من حلف شمال الأطلسي، أو من الأمم المتحدة، أو قوات أميركية أو عربية، للحفاظ على أمن الدولة الفلسطينية وإسرائيل”. طرح الرئيس المصري أيضاً تصوّره للوضع في غزة حالياً وكيفية الخروج من الأزمة، مقترحاً “مناطق آمنة” في شمال القطاع وجنوبه. كلام السيسي يتماهى من التقديرات والتسريبات العربية والغربية عن دور مصري ما في إدارة قطاع غزّة، سواء سياسياً أو أمنياً. ورغم أن الرئيس المصري لم يشر إلى ذلك بشكل واضح، إلا أنه لم ينف إمكان قيام بلاده بدور كهذا في المستقبل، خصوصاً أن آخرين تبرّعوا للعبه.
من هؤلاء الآخرين، والذين كانوا مفاجأة ربما حتى لحركة حماس نفسها، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي أشار إلى أن بلاده “مستعدّة لتولي المسؤولية مع دول أخرى في الهيكل الأمني الجديد، الذي سيتم إنشاؤه (بعد انتهاء الحرب في غزّة)”. ورغم أن الرئيس التركي لم يوضح ماهية هذا “الهيكل الأمني”، إلا أن تصريحه، وهو الذي يعدّ من الحلفاء المقرّبين من حركة حماس، يفصح عن التسليم بأن لا نهاية للحرب من دون إنهاء سيطرة الحركة الإسلامية على القطاع المحاصر.
ولا يخفى أيضاً أن هياكل فلسطينية، من داخل السلطة ومن خارجها، تسعى إلى ركوب موجة الحرب، وترنو إلى دور في مرحلة “ما بعد حماس” في قطاع غزّة، وهي فعلياً بدأت اتصالات وجولات، بعضها مع قياديين في “حماس” نفسها، لترتيب الوضع في داخل القطاع مع انتهاء الحرب، وهي باتت تتحدّث بأريحيةٍ ليس عن غزّة فقط، بل حتى عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
كل هذه التصريحات والمحادثات تؤكد القناعة المترسخة عربياً وإسلامياً بأن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تعطيا “حماس” أيّ صورة من صور النصر في الحرب الحالية، وهو ما أفصح عنه بلينكن على نحو صريح، حين أشار، في أكثر من مناسبة، إلى أن وقف الحرب من دون تحقيق هدف “القضاء على حماس”، والذي تحول لاحقاً إلى “إنهاء حكم حماس”، سيُخرج الحركة منتصرةً في المعركة، وهو ما لن تسمح به الولايات المتحدة، حتى لو استمرّت الحرب لأشهر وسنوات، مثلما هو الحال في أوكرانيا على سبيل المثال. وهو ما باتت تدركه “حماس”، أو على الأقل قيادتها السياسية، والتي ربما باتت تفكّر في خيار التخلي عن حكم القطاع بشكل من الأشكال، وفق شروطٍ لا تُخرجها كلياً من المعادلة، لكنها ستكون كفيلةً بإنهاء الحرب، وستحول دون مواجهة قطاع غزّة لجولاتٍ جديدة من الإجرام الإسرائيلي.
المصدر: العربي الجديد