أحمد مظهر سعدو
يقتلني العجز ، يقتلني المشهد الدموي الخارج من غزة ، كما يدمي قلبي صوت طفل فلسطيني يستغيث بأمة العرب، ودول العالم الإسلامي، الذي يغط في نوم عميق، وصوت امرأة فلسطينية تصرخ بعلو الصوت: أين أنتم يا نظم العرب، أين أنتم يانظم العالم الإسلامي، وأين الشعوب العربية والمسلمة.. الصورة المنقولة يوميًا من غزة هاشم، تساهم في مراكمة القتل اليومي لكل عربي، ولكل مسلم، ولكل صاحب إنسانية، وفكر حضاري إنساني، خاصة عندما نكتفي جميعًا بالفرجة، نعم الفرجة، والبكاء والنحيب، دون القدرة على أي فعل جدي، يمكن أن يراكم حركة ما تؤدي إلى تغيير، في الواقع العربي الآسن، أو تساهم في رفع الضيم والظلم، وهذه المقتلة الصهيونية والعالمية الغربية النازلة فوق رؤوس الفلسطينيين، ضمن مشهد دراماتيكي فاجر لم يرى مثله أحد، ولا يماثل في دمويته وفجوره وإجرامه شيء، إلاما فعله نظام القهر والعسف الأسدي بالسوريين، على مدى مايزيد عن اثني عشر سنة مضت، ولكنها لم تنقض.
تنكشف نظم الأمة، وتفصح عن عجزها وقلة حيلتها، وهي التي سبق أن وضعت منذ زمن بعيد كل البيض في سلة الأميركي، منذ أن قررت الحفاظ على كياناتها فقط، في محاوىة منها للإمساك بشكلانية نظمها الواهية والآيلة للسقوط عاجلًا أو آجلًا . وهي اليوم (كما يبدو) أدركت أو أنها لم تدرك بعد مدى انطباق الاستنتاج المنطقي عليها لمقولة ” أكلتم جميعًا يوم أُكل الثور الأبيض” في غزة اليوم، وقبلها في حلب وإدلب وحمص وكل سورية، وهي مازالت تراهن على علاقات واهية وبائسة مع نظام دولة إيران/ الملالي الذي يمكن أن يكون قد ورط بعض الفلسطينيين ثم تركهم يلاقون مصائرهم لوحدهم، كما مازالت تأمل خيرًا (لن يأتي أبدًا) من الأداة الإيرانية في لبنان حسن نصر الله وحزبه الطائفي الذي يرى أن الطريق إلى القدس يمر من حمص وإدلب وحلب والقصير .
العجز يقتلنا جميعًا كمواطنين لاقدرة لنا على الفعل، ولاإمكانيات بين أيدينا لوقف هذه المذبحة الواقعة بحق أهلنا في غزة وفي فلسطين..ويقض مضجعنا جميعًا بينما نتابع مشهد القتل والدمار الفاشيستي الممارس ضد أهل غزة ، وكأنهم يريدون للعرب والفلسطينيين أن يعودوا إلى الخلف ويتمنوا أن لا توجد قضية اسمها (قضية فلسطين) التي يرى البعض أنها لم تعد قضية مركزية للأمة. لكن ولنقولها بكل وضوح: هل إن مايجري في قطاع غزة هو الذي سوف يدفع نحو حالة من التخلي الكلي عن القضية المركزية للأمة/ قضية فلسطين أم أن العكس هو الذي سوف يحصل؟ من حيث أن العنف والقتل والدمار لايولد إلا المزيد من العنف، ولسوف يعيش الجيل القادم الذي شاهد ويشاهد مايجري في بوتقة فيها المزيد من الأحقاد والضغائن والتصميم في فلسطين وما حولها الآن على مبدأ طالما كان صحيحًا وهو أن ما أُخذ بالقوة لن يُسترد إلا بالقوة، وأنه لايفل الحديد غير الحديد، وأن فلسطين أرض الرباط، وهي جزء لايتجزأ من جغرافية سورية الكبرى، وهي جزء مهم من بلاد الشام وبلاد العرب، وبلاد المسلمين، وحضارة المسلمين، وإذا عجز الواقع العربي اليوم ضمن واقعه البائس عن نجدة أهل غزة، وأهل فلسطين فإن القادم من الزمن لن يكون كذالك بأي حال من الأحوال، والواقع الحالي لن يتكرر، فالمستقبل سيكون مختلفًا، والقتل الحاصل في غزة هذه الأيام، سوف يؤدي إلى إعادة إنتاج الجيل العربي على أسس مختلفة، قد لايعيها الغرب اليوم، لكنهم سوف يتلقون نتائجها في قادم الأيام، يوم يُعاد صياغة الواقع العربي على أسس ومعطيات جديدة، قد يرون ذلك بعيدًا لكنه (كما نعتقد) أضحى قاب قوسين أو أدنى من التحقق.
المصدر: مجلة الوعي السوري