نير حسون وليزا روزوبسكي
سياسيون وضباط في الجيش الإسرائيلي ومتطوعون من “زاكا” (جمعية تشخيص ضحايا الكوارث)، ونشطاء كثيرون في الشبكات الاجتماعية، يتحدثون عن قصص فظيعة ارتكبها مخربو حماس. يدور الحديث غالباً عن شهادات حقيقية ترتكز إلى أدلة كثيرة. ولكن تنتشر في أوساط الإسرائيليين والعالم أيضاً قصص وروايات غير صحيحة، من بينها ما يوفر ذخيرة لمن ينكرون المذبحة.
إضافة إلى هذه الجرائم، نشرت عدة جهات معلومات عن أحداث لا أساس لها في ذاك اليوم.
إحدى الشهادات الفظيعة التي انتشرت بعد المذبحة شملت وصفاً لعشرات جثث الأطفال الذين تم قطع رؤوسهم. وظهر هذا الوصف في تقرير لشبكة “آي 24 نيوز” مثلاً، وصفت فيه الكاتبة بأن أحد الضباط في الميدان أخبرها بوجود 40 طفلاً تم قتلهم، وأن المخربين قطعوا رؤوس بعضهم. وقد جاءنا من هذه الشبكة بأن “تقارير عن الفظائع والعدد استندت إلى شهادات ضباط أخلوا الجثث في بلدات الغلاف، وقد تم تجميعها في جولة للمراسلين الأجانب التي قام بها المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بعد أربعة أيام على اندلاع الحرب. أعداد مشابهة تكررت أيضاً في شهادات أعضاء “زاكا”. مراسلونا جلبوا الأصوات من الميدان، وأجروا مقابلات مع الضباط وأرسلوا “التقارير من الميدان في الوقت الذي كانوا فيه محاصرين بفظائع الهجوم الوحشي. نعمل لضمان الدقة في التفاصيل، ونضيف التوضيحات والتعديلات على هذا التقرير”، كتب في تقرير الشبكة.
تم اقتباس هذا الوصف بعد ذلك في الشبكات الاجتماعية، على الأغلب مثل “عشرات الأطفال تم قطع رؤوسهم”. وأحياناً تم تغيير الرواية حيث أصبحت “جثث أطفال تم إحراقها أو جثث أطفال تم تعليقها على حبل”. مثلاً، نشرت القناة الرسمية لوزارة الخارجية شهادات للعقيد غولان باخ من قيادة الجبهة الداخلية التي بحسبها عثر في أحد البيوت على جثث ثمانية أطفال محروقة.
حساب “اكس” (تويتر سابقاً) الخاص بمكتب رئيس الحكومة، تطرق إلى قتل الأطفال عندما نشر صوراً تشبه الرسومات، وكتب: “هذه صور فظيعة لأطفال قتلوا وأحرقوا على يد وحوش حماس”. كتب في التغريدة أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، عرض هذه الصور على وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. ونشرت أوصاف مشابهة أيضاً من قبل ضابط في الجيش الإسرائيلي. قبل بضعة أيام، التقى المراسل في “ميدان السبت” يشاي كوهين، مع المقدم يارون بوسكيلا من فرقة غزة، الذي تحدث عن أطفال تم تعليقهم على حبل غسيل. وتم اقتباس أمور مشابهة لأقواله من اليميني غوئيل فاكنن في “إكس”. كتب كوهين أنه بعد النشر لفتوا نظره إلى أن القصة غير دقيقة. “لماذا يقوم ضابط في الجيش باختلاق قصة فظيعة جداً؟ أخطأت”، قال.
هذه الأوصاف غير صحيحة في الحقيقة. فخلال المذبحة، قام مخربو حماس بالتنكيل بالجثث، لا سيما جثث الجنود. وكانت هناك حالات لقطع الرؤوس والأعضاء. ولكن بيانات مؤسسة التأمين الوطني عن القتلى والمعلومات التي تم جمعها من ساحة المذبحة ومن القيادات في الكيبوتسات ومن رجال الشرطة، أظهرت أنه تم قتل طفلة واحدة هي ميلا كوهين، ابنة السنة من “كيبوتس بئيري”. قتلت هي ووالدها إيهود. حسب مؤسسة التأمين الوطني، فقد توفي أيضاً في اليوم نفسه خمسة أطفال آخرين، هم: عومر سيمان طوف كيدم (4 سنوات) وشقيقاته التوأم أربيل وشاحر (6 سنوات)، اللتان قتلتا في “نير عوز”، ويوزن بن جماع من عرعرة في النقب، الذي أصيب بسبب إطلاق صاروخ، وإيتان كافشتر (5 سنوات) الذي قتل هو ووالداه وشقيقه قرب كلية سفير.
إضافة إليهم، قتل 14 فتى في أعمار 12 – 15، ثلاثة منهم بسبب صاروخ وليس في ساحة المذبحة في غلاف غزة. بعض الأولاد الآخرين قتلوا في بيوتهم أو قربها، على الأغلب مع أبناء آخرين من العائلة. حتى الآن، لا نعرف عن ساحة تم فيها اكتشاف أطفال من عدة عائلات قتلوا معاً. من هنا يتبين أنه حتى أوصاف نتنياهو التي وردت في محادثة له مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي بحسبها مخربو حماس “أخذوا عشرات الأطفال وكبلوهم وأحرقوهم وأعدموهم”، ليست أوصافاً تتفق بشكل دقيق مع صورة الواقع. مع ذلك، كان هناك الكثير من الجثث التي تم تكبيلها وبحق. حسب شهادات أعضاء “زاكا” والمتطوعين في جمعية “الإغاثة 360″، كانت هناك جثث تم تكبيلها، لكننا لا نعرف العدد. وعلى أي حال، لم يكن الحديث يدور عن عشرات الأطفال.
لم ينف مكتب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي أن أقوال الضابط بوسكيلا لا تتفق مع الواقع. وقال: “الضابط هو ضابط احتياط في الاستخبارات، وصل إلى عدد كبير من الساحات بعد الهجوم، ورأى مشاهد فظيعة كثيرة في إطار وظيفته. سيتم فحص تفاصيل الحادث مع الضابط، وسيتم التوضيح له بأنه لا يجب وصف أحداث تفاصيلها غامضة وغير رسمية”.
بخصوص أقوال باخ، قال المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: “لقد وصف المشاهد القاسية التي رآها بأم عينه خلال المهمات المختلفة التي نفذها، منها إخلاء الجثث في بداية الحرب. كانت التغطية باللغة الإنجليزية، واستخدمت الضابطة كلمة أطفال لوصف عدد جثث الأطفال التي تم العثور عليها. كان الخطأ بحسن نية، وهو لا يقلل من شدة الفظائع المرتكبة”.
بعض الأوصاف غير الصحيحة نشرها أعضاء “زاكا”. تحدث أحدهم في شهادات موثقة، المسجلة والمكتوبة، عن سلسلة من الفظائع التي شاهدها في كيبوتسات الغلاف. مثلاً، قدم شهادته في عدة مناسبات عن 20 جثة مكبلة ومحروقة لأطفال تم العثور عليها في أحد الكيبوتسات. في محادثة مع “هآرتس”، قال إن الحديث يدور عن فتيان في أعمار 10 – 15 سنة، ذكوراً وإناثاً، عثر عليهم وراء غرفة المطعم في “كيبوتس كفار عزة”. في شهادة أخرى، قال إنه شاهد 20 طفلاً من “كيبوتس بئيري” تم وضعهم فوق بعض وإحراقهم حتى الموت مع تكبيل أيديهم.
هذه الشهادات لا تتفق مع قائمة القتلى. القاصرون الذين قتلوا في “كفار عزة” هم يفتاح كوتس (14 سنة) وشقيقه يونتان (16 سنة) وشقيقته روتم، وهي مجندة عمرها 18 سنة. قتل في “بئيري” 9 من القاصرين، على الأقل كان بعضهم مع الوالدين وقتلوا في بيوتهم. هكذا، من غير المعقول أن يدور الحديث عن 20 جثة وجدت مكدسة في مكان واحد. معظمهم كانوا على الأقل مع أحد الوالدين في البيت أو قربه. حالة واحدة، التي كانت مشابهة لوصف عضو “زاكا”، كانت خلف غرفة المطعم في “بئيري” وليس في “كفار عزة”. هناك، قام عشرات من مخربي باحتجاز 15 إسرائيلياً داخل بيت باسي كوهين وقربه وفي البيت رقم 424 في حي اشاليم. 13 من الرهائن قتلوا، من بينهم التوأم يناي وليال حتسروني (12 سنة).
نفس العضو من “زاكا” قدم شهادة عن مشهد فظيع آخر. فقد تحدث في عدة مناسبات عن جثة امرأة حامل وجدها في “كيبوتس بئيري”، وكان بطنها مفتوحاً والجنين الذي كان مربوطاً بالحبل السري وجد مطعوناً أيضاً. وقد كرر شهادته هذه في محادثة مع “هآرتس”، وقال إنه رأى هذا المشهد في الكيبوتس. “كان هناك الكثير من الدماء”، وأضاف: “عندما أدرناها رأينا بطنها مفتوحاً وكانت السكين قربها. رأينا الجنين مربوطاً بالحبل السري. وقد أطلق النار عليها من الخلف”. وأضاف بأنه وجد المرأة قرب البيت، ووجد في الغرفة الآمنة طفلاً عمره 6 أو 7 سنوات مقتولاً بالرصاص.
87 شخصاً من “كيبوتس بئيري” قتلوا في 7 أكتوبر، وعثر على جثة أخرى لفتاة هي يهوديت فايس في غزة بعد اختطافها. أول أمس، تم الإعلان عن موت ابنة الكيبوتس عوفرا كيدار التي تم اختطافها من منطقة “بئيري”. ولكن لم يكن أي أطفال في أعمار 6 أو 7 سنوات بين قتلى “بئيري”. البيت 426 موجود في حي “اشاليم”، الذي يعيش فيه القدامى من الكيبوتس، وهم من الشيوخ. وفي البيت 426، الذي هو بيت يتكون من طابقين، تعيش عائلة من كبار السن، رافي موردو قتل في المذبحة، في حين أن جارته سمحه شيني أصيبت. شيني وزوجها لم يتحدثا عن امرأة حامل أو عن عائلة مع أطفال صغار استضافوهم في بيتهم. نشر فيلم في الشبكات الاجتماعية يبدو أنه يوثق قتل المرأة الحامل. ولكن جمعية “فيك ريبورتر” ومصادر أخرى نشرت بأن هذا الفيلم لم يتم تصويره قط في إسرائيل.
وفي الكيبوتس نفسه تنصلوا من الوصف، وقالوا إن قصة المرأة الحامل التي نشرتها “زاكا” لا صلة لها بكيبوتس “بئيري”. وهذه الحادثة غير معروفة للشرطة. ومصدر مطلع على فحص الجثث في قاعدة “شورا” قال للصحيفة إن هذه الحادثة غير معروفة له. في “زاكا” قالوا رداً على ذلك: “المتطوعون ليسوا خبراء في علم الأمراض، وليست لديهم أدوات مهنية للتعرف على القتيل وعمره، أو الإعلان عن طريقة قتله، عدا عن شهادة شهود العيان”. وأوضحت الجمعية أيضاً بأنه “بسبب الحالة الصعبة للجثث، فإن المتطوعين ربما أساءوا تفسير ما شاهدوه”. وجاء أيضاً أنه “يحتمل أنهم في الكيبوتس لم يكونوا يعرفون عن الحالة الصحية للمرأة، التي من غير المعروف إذا كانت من سكان الكيبوتس أو إذا كانت ضيفة فيه”.
ونشرت قصة أخرى قبل بضعة أسابيع، كانت قاسية بشكل خاص. رئيس جمعية اتحاد الإغاثة، ايلي بير، تحدث عن طفل تم إدخاله في الفرن وأحرق حتى الموت. قال بير هذه الأمور في مؤتمر للمانحين في الولايات المتحدة. ومن هناك تدحرجت القصة ونشرت في “ديلي ميل” في بداية الشهر الحالي، حيث أصبح الطفل هناك عدة أطفال. ولكنها قصة تبين أنها غير صحيحة. فميلا كوهين كانت الطفلة الوحيدة التي قتلت في المذبحة. ولا توجد لدى الشرطة أي شهادة عن أي جثة تشبه هذه العلامات. مصدر في اتحاد الإغاثة قال إن مصدر الخطأ هو المتطوع الذي اعتقد بأنه شاهد هذه الحالة في قاعدة “شورا” وأنه أبلغ بير بذلك.
وثمة ادعاء آخر مشكوك في صحته طرحته زوجة رئيس الحكومة سارة نتنياهو، في الرسالة التي أرسلتها لزوجة الرئيس الأمريكي جيل بايدن. كتبت سارة نتنياهو في هذه الرسالة بأن إحدى النساء اللواتي تم اختطافهن إلى القطاع كانت حاملاً في الشهر التاسع، وأنها ولدت في أسر حماس. في الشبكات الاجتماعية تم نشر صورة للمخطوفة نتفاري مولكان، وهي مواطنة من تايلاند. في تقرير “مغازين” نفى زملاؤها ومشغلها وأبناء عائلتها بأنها كانت حاملاً. تم إطلاق سراح مولكان السبت الماضي، وتبين أنها لم تكن حاملاً وأنها لم تلد. لا توجد لدى الجيش حتى الآن أي معلومات عن امرأة حامل مخطوفة. ويتعامل جهاز الأمن مع هذه القصة على أنها شائعة لا أساس لها. ولم يرد أي جواب من مكتب رئيس الحكومة.
من جمعية “زاكا” جاء: “قبل 52 يوماً، خرج متطوعو الجمعية إلى ساحة الجحيم من أجل التعامل مع كرامة الميت بإخلاص تحت الرصاص الحي. في الأيام العادية، يحرص المتطوعون على عدم تصوير أو وصف الفظائع التي تعاملوا معها بسبب كرامة الميت. ولكن كرامة الشخص الحي الآن اقتضت منهم تقديم شهاداتهم كي لا يسمحوا بنفي الفظائع. المتطوعون في “زاكا” تعاملوا مع فظائع غير مسبوقة، وجمعوا أشلاء الناس الذين تم تكبيلهم وإحراقهم واغتصابهم بطريقة لا يمكن للإنسان استيعابها، وتحت ضغط تهديد إطلاق الصواريخ والرصاص من مسافة بضعة أمتار.
“في بئيري تعامل المتطوعون مع 100 جثة لقتلى من بينهم 90 شخصاً من سكان الكيبوتس. بالإجمال، منذ بداية الحرب، تعامل المتطوعون مع 1000 جثة. كانت مهمة المتطوعين دفن أي جزء بشري وكل نقطة دم. في كيبوتسات الغلاف حدثت مذبحة فظيعة لا أحد ينكرها. ومتطوعو “زاكا” هم الذين عالجوا وتعاملوا مع هذه الفظائع من أجل دفن القتلى وإعطاء العائلات التي بقيت معلومات حول أعزائها”.
المصدر: هآرتس /القدس العربي