شادي عبد الحفيظ
خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر/تشرين الثاني المُنقضي، أشارت عدة تقارير صحفية إلى وثائق تحمل بيانات عن العتاد الذي طلبته دولة الاحتلال الإسرائيلي من الولايات المتحدة لأجل حربها في غزة، الأمر الجدير بالانتباه بحسب نائبة المتحدث باسم البنتاغون سابرينا سينغ هو أن تقديم المساعدة لإسرائيل حاليا يحدث (1) “من خلال آليات مختلفة تماما عن الطريقة التي قدمت بها المساعدة لأوكرانيا”. فمن ناحية، لا تفصح الإدارة الأميركية عن قائمة الأسلحة التي ترسلها إلى إسرائيل، والأهم أنها تضغط من أجل الحصول على سلطة تجاوز متطلبات إخطار الكونغرس قبل توريد الأسلحة، التي تنطبق على كل دولة أخرى تتلقى تمويلا عسكريا أجنبيا، وهي خطوات أثارت الكثير من الريبة حتى في صفوف أنصار الرئيس من الديمقراطيين.
تدمير المدن
لكن ربما لو تأملنا هذه الأسلحة ببعض التمحيص، لأدركنا بعضا من الأسباب الخفية لهذه المناورات السياسية، خذ مثلا أكثر هذه الأسلحة عددا في الوثيقة سالفة الذكر، حيث تطلب (1) الحكومة الإسرائيلية أكثر من 57 ألف قذيفة من عيار 155 ملم.
النوع الرئيسي لهذه القذائف هو “إم 107″، وهي قذائف متشظية شديدة الانفجار تستخدمها بعض أسلحة المدفعية (2)، ويصل مداها إلى نحو 18-19 كيلومترا، وهي عبارة عن قذيفة فولاذية كبيرة مجوفة مملوءة بالمتفجرات التي يمكن أن تسبب أضرارا كبيرة عند انفجارها، لأنها تنتج موجة صدمية قوية يمكنها تدمير المباني والمركبات، كذلك فإنها مصممة للتشظي والانتشار إلى عدة قطع، وتنتشر على مساحة واسعة، مما يؤدي إلى إيذاء أو قتل أي شخص قريب (3)، (4).
يمكن لهذه القذيفة إنتاج ما يقرب من 1950 شظية عند التفجير، وتعتمد مسافة التشظي على عدة عوامل كزاوية السقوط والتضاريس والطقس، لكن في المتوسط يمكن أن يصل نطاق الشظايا إلى أكثر من 1000 متر من موضع التفجير، في كل الزوايا.
المشكلة الأكبر هي أن هذه القذيفة تُعَدُّ أقل دقة وفعالية من بعض أنواع المقذوفات الأحدث (ولذلك فهي أرخص منها)، وتُستبدل عادة لصالح الفئة “إم – 795” في الجيش الأميركي، لكن العديد من الدول الأخرى لا تزال تستخدمها، وقد وُرِّدت هذه القذائف لأوكرانيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي من قبل، حيث طلبت دولة الاحتلال (5) بشكل خاص 300 ألف قذيفة من هذا النوع في أغسطس/آب الماضي، في عقد بقيمة 61 مليون دولار.
الفسفور الأبيض
ببساطة، يمكن لاستخدام قذائف من هذا النوع في منطقة حضرية أن يقتل المدنيين العزل بلا تمييز، وهذا ما تفعله دولة الاحتلال بالفعل، أضف إلى ذلك أن هناك استخداما آخر مهما لهذا النوع من القذائف كان قد رُصد من قبل منذ حربي لبنان في عامي 1982-2006، حيث استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي قذائف مدفعية من عيار 155 ملم وقذائف هاون عيار 120 ملم (وتطلب إسرائيل أيضا منها عدة مئات حاليا) لإطلاق الفسفور الأبيض (6)، وتحتوي كل قذيفة من النوع 155 ملم على 116 قطعة من اللباد المنقوع في الفسفور.
عند تفجير القذيفة فإن اللباد يخرج من غلاف القذيفة ويتناثر على مساحة واسعة، ومع تعرضه للأكسجين يشتعل ويحرق كل شيء في مساحة تقدر بملعب كرة قدم، يسبب الفسفور الأبيض حروقا مؤلمة جدا من الدرجة الثانية إلى الدرجة الثالثة، وخاصة أن الفسفور الأبيض يذوب بسهولة في الدهون، وقد يُمتَص بسهولة عبر الجلد وإلى الجسم، حيث يمكن أن يسبب أعراضا خطيرة أخرى يمكن أن تؤدي إلى الوفاة بسبب الأضرار التي لحقت بالكلى والكبد والقلب (7).
ويمكن لك مما سبق أن تفهم لِمَ هو محرم دوليا أن تستخدم القنابل الفسفورية في الحرب بحسب القوانين والمعاهدات الدولية، فناتج هذه القنابل لا يفرق بين الجنود المشاركين في الحرب والمدنيين، لأنها يمكن أن تقتل الناس على مساحة واسعة داخل المدن بين المباني السكنية، وهذا بالفعل ما يحصل في حالة غزة.
الملاحظ أنه خلال عدد من الحروب السابقة لدولة الاحتلال، كانت جميع (8) قذائف الفسفور الأبيض التي عثرت عليها منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش” في غزة هي من النوع نفسه، ومصنوعة في الولايات المتحدة الأميركية.
جرائم حرب
يضع ذلك الولايات المتحدة -مثلها مثل إسرائيل- تحت طائلة قوانين عدة يمكن أن تجعلها متهمة بارتكاب جرائم حرب، فمثلا ينص “مبدأ التمييز” في القانون الدولي على أن أطراف النزاع يجب عليهم التمييز بين المدنيين والمنشآت المدنية من ناحية، والمقاتلين والأهداف العسكرية من ناحية أخرى، وهناك أيضا مبدأ “التناسب” الذي ينص على ضرورة أن تكون الهجمات متناسبة مع المكاسب العسكرية المُتحققة منها دون إلحاق أضرار غير مبررة.
لكن كما يبدو منذ بداية الحرب، فإن دولة الاحتلال تخرق هذه المبادئ بوضوح، في هذا السياق يتدخل قانون “مراقبة تصدير الأسلحة” الأميركي الذي يحدد لحلفاء الولايات المتحدة نطاق استخدام الأسلحة التي توردها الولايات المتحدة إليهم، لكن القصف العنيف لغزة بقنابل أميركية الصنع بالطبع يتناقض تماما مع هذا القانون، وطبعا فإنه يتناقض مع التصريحات السياسية الكثيفة للمسؤولين الأميركيين حول “عدم استهداف المدنيين” و”أولوية الحفاظ على حياتهم”.
مع قنابل من هذا النوع، فإن المدنيين العزل ليسوا بمنأى عن القصف، وبايدن قبل نتنياهو يعرف ذلك. بالطبع فإن الجوانب القانونية ذات أحبال طويلة، وسيحاول الأميركيون والإسرائيليون إطالة أمد الصراعات القانونية كعادتهم لنصل إلى نقطة غامضة رمادية بلا أفق، لكن المرجح أن ما حدث خلال الحرب الحالية على غزة –بحسب محللين سياسيين– سيضع العلاقة بين الدولتين في حالة من التقلب مستقبلا، وسيثير القلق بشكل كبير في أروقة السياسة الأميركية داخليا.
آلاف الأسلحة
تطلب إسرائيل كذلك (9) عددا من الأسلحة الأخرى من ترسانة الولايات المتحدة الأميركية، أبرزها 2000 من صواريخ هيلفاير الدقيقة الموجه بالليزر لطائرات أباتشي الحربية، و36 ألف طلقة من عيار 30 ملم لمدفع الطائرة نفسها، وتتمثل المهمة الرئيسية لصواريخ هيلفاير في اختراق الحصون، إلى جانب ذلك تطلب إسرائيل ثلاثة آلاف قذيفة من طراز “إم 141” التي تُطلق من الكتف، وهو سلاح مضاد للهياكل المحصنة ينطلق من قاذفة صواريخ تُستخدم لمرة واحدة ويمكن التخلص منها.
إلى جانب ذلك تطلب دولة الاحتلال 200 مسيرة من نوع “سويتش بليد – 600″، وتحتوي المسيرة على مجموعة من الكاميرات وأجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء إلى جانب رأس حربي، ويمكنها استهداف المخابئ والقوات المكشوفة.
إسرائيل كذلك ستستعيد بطاريتي القبة الحديدية التي باعتهما للجيش الأميركي سابقا، بالإضافة إلى 312 صاروخا اعتراضيا من طراز تامير، وشُحنت البطاريات بالفعل إلى إسرائيل عن طريق البحر. وتطلب دولة الاحتلال أيضا 75 “مركبة تكتيكية خفيفة مدرعة” من فئة “فور باي فور” بديلة للهامفي، يستخدمها الجيش الأميركي لنقل الجنود إلى ساحة المعركة.
التقدم الصعب
ما سبق كان جزءا فقط من طلبات دولة الاحتلال من الولايات المتحدة، التي يمكن أن تعطينا صورة عن مسار العملية الإسرائيلية في غزة، فمثلا يمكن أن يكون الطلب الكثيف على عتاد يختص باختراق المناطق المحصنة دليلا على مشكلات تواجه جيش الاحتلال في المهام الحضرية، حيث لا يمكن لها التقدم بسهولة داخل المدينة، ما يدفعها لتكثيف ضرب المباني.
يشير ذلك أيضا إلى إمكانية أن تكون دولة الاحتلال قد فقدت قدرا “مُقلقا” من ترسانتها (وخاصة القذائف والصواريخ) بسبب استخدامها الكثيف للسلاح خلال العملية، فاضطرت إلى طلب الدعم من الولايات المتحدة الأميركية. يظهر ذلك أيضا بوضوح في طلب الاحتلال المزيد من المركبات التكتيكية الخفيفة المدرعة، التي يمكن ربما أن تعوض الخسائر الكبيرة في مدرعات النمر، خاصة حينما نعرف أن إسرائيل بدأت في استخدام حاملة الجند إيتان للعمل بصحبة المدرعات الإسرائيلية مثل نمر، وإيتان هي مركبة قتال مدرعة تعتمد على التقنيات المستخدمة في سلسلة دبابات ميركافا ومدرعات نمر، وهي نسخة مطورة حديثا تُستخدم لأول مرة. لكن رغم ذلك، فإن إيتان هي مركبة ذات 8 عجلات أخف بكثير من نمر، وهي بالتبعية أرخص منها في التكلفة بفارق كبير، وربما استُخدمت بسبب التكلفة المرتفعة لاستخدام نمر وتدميرها من قِبل قوات المقاومة.
أما عن استعادة بطاريات القبة الحديدية الآن (وإن كان مخططا في وقت سابق) فقد يشير إلى مخاوف إسرائيلية من الضربات الصاروخية القادمة من عدة جهات؛ غزة وسوريا وجنوبي لبنان، والطرف الجديد الذي انضم مؤخرا إلى المعركة وهو جماعة الحوثي في اليمن، فمع الضغط الكثيف من عدة جبهات يمكن بالفعل أن تنكسر قدرات القبة الحديدية وتمر أعداد أكبر من الصواريخ إلى داخل إسرائيل.
في ضوء ما سبق، يبقى الاستنتاج الأهم هو أن العملية البرية على غزة لم تكن بالسهولة التي توقعها الإسرائيليون، ورغم الفارق الكبير في العتاد والعدد فإن المقاومة كما يبدو أبطأت تقدمهم بشكل كبير، واضطرتهم لاستهلاك الكثير جدا من الأسلحة المكلفة فقط من أجل اختراق شريط ضيق بطول 25 كيلومترا شمالي القطاع المحاصر، والصامد، والمقاوم.
———————————————————————–
المصادر
1- Revealed: The Munitions U.S. Supplied Israel for Gaza War
2- US Is Quietly Sending Israel More Ammunition, Missiles
3- US Projectile, 155mm HE, M107
4- 155mm M107 Projectile
5- Israel orders tens of thousands of 155mm artillery shells from Elbit
6- Rain of Fire Israel’s Unlawful Use of White Phosphorus in Gaza
7- White phosphorus- Key Facts
8- Rain of Fire Israel’s Unlawful Use of White Phosphorus in Gaza
9- US Is Quietly Sending Israel More Ammunition, Missiles
المصدر: الجزيرة نت