أمير مخول
خلفية الفكرة : في مداخلته امام اجتماع وزراء خارجية الدول الاوروبية في بروكسيل 22/1/2024 خصص وزير الخارجية الاسرائيلي يسرائيل كاتس وقته لاستعراض مخطط بناء جزيرة اصطناعية مقابل سواحل غزة في المياه الدولية على بعد 4 كيلومترات وعلى مساحة تصل الى 8 كيلومتر مربع، يربطها جسر بالاراضي الفلسطينية ويكون تحت رقابة امنية اسرائيلية، وتكون مخصصة لنقل السكان الفلسطينيين بنحو نصف مليون من اهالي غزة، على ان يكون التمويل دوليا والهدف حماية الأمن الاسرائيلي، معتبرا اياها مشروعا اقتصاديا وتشغيليا واعدا لاهالي قطاع غزة المعني بتهجيرهم. وهو ما دفع بوزير خارجية الاتحاد الاوروبي بوريل الى التعبير عن استيائه مما عرضه كاتس واعتبره خارجا عن سياق جوهر الامور التي تم الحديث حولها.
يعتبر كاتس نفسه الأب الروحي للمشروع منذ العام 2011، بينما يؤكد نتنياهو ان المشروع يشغله منذ اولى حكوماته في العام 1996. وقد لاقت الفكرة في الماضي اسنادا وحماسة من شمعون بيرس حين تبوأ منصب رئيس الدولة وهو أبرز الشخصيات الاسرائيلية هَوساً بالديموغرافيا يتقاسمه في ذلك الباحث الشهير ارنون سوفير الذي اشغل حياته الاكاديمية على مدار اكثر من خمسة عقود في تخطيط التهويد ومسألة الديموغرافيا الفلسطينية وخطورتها الوجودية على اسرائيل وطابعها. كما ساند الفكرة رئيس الموساد الاسبق مئير دغان وفي العام 2019 طلب وزير الامن نفتالي بنيت من الجيش وبالتوافق مع قائد الاركان كوخافي اعداد تقرير أمني للمشروع، في حين عارضه وزيرا الامن اللذان سبقاه في المنصب موشي يعلون وافغدور ليبرمان لاسباب امنية وسياسية باعتبار المشروع يدعم الارهاب وفقا لهما.
بينما ربط نتنياهو في مستهل جلسة الحكومة يوم 27/1/2018 بين اقامة الجزيزة الاصطناعية وبين الدعوة الى ضرورة إنهاء دور وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين الاونروا، ساندا موقفه بموقف الرئيس الامريكي ترامب الذي قرر وقف تمويلها، ومعتبرا اياها بأنها عقبة امام اي حل سياسي لكونها تقوم على إدامة مسألة اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة. وبما ان نسبة اللاجئين في غزة عالية جدا فإن الجزيرة من شانها ان تأتي بالحل وتسهم في انهاء قضية اللاجئين.
في 29/3/2011 تساءل الصحفي أودي سيغل من القنال 12 “فيما اذا كان الحل للوضع المعقد مع غزة سيكون بعيدا في البحر”، مشيرا الى مخطط سري لاقامة جزيرة مقابل سواحل غزة في المياه الدولية لتشكل “انفصالا نهائيا ومطلقا لاسرائيل مع قطاع غزة”. وفقا للخطة سيكون بالامكان “مواصلة سياسة الحصار على القطاع، وتحال السيطرة على الجزيرة الاصطناعية منزوعة السلاح الى جهة دولية على شكل حلف الناتو والتي ستشرف على حركة الناس من غزة واليها”. كما صرح كاتس 4/5/2011 حين كان وزيرا للمواصلات بأن “الجزيرة الاصطناعية هي السبيل الوحيد لفك الارتباط مع غزة”. واعتبرتها اوساط سياسية وقضائية انها ستضع حدا للضغط الدولي على اسرائيل بشان حصار غزة والذي تدفع به اساطيل الحرية والحركات الشعبية العالمية لكسر الحصار.
وفقا ليتسحاق كوهين نائب وزير المالية عن حزب شاس فإنه قدم في العام 2004 مقترحا ببناء جزيرة مقابل قطاع غزة وبذات الصيغة، وذلك بهدف اخر وهو تبادل اراضي مع الفلسطينيين في غزة وضمان بقاء الكتلة الاستيطانية في القطاع، الا ان “رئيس الوزراء شارون رفض الخطة وأصرّ على اخلاء كل المستوطنات في القطاع وهدمها”.
في العام 2003 أصدر معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي تقدير موقف تفصيليا في هذا الصدد واعتبر مثل هذه الجزيرة جزءا من “نظرة استراتيجية تقوم على ان موارد الارض في قلب البحر توفر احد الحلول للنقص في الاراضي ولمسألة الكثافة السكانية، في الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني على حد سواء، وبأن مجموعة جزر اصطناعية مقابل سواحل غزة ستشكل مناطق جذابة اقتصاديا وتستوعب نحو 400 ألفا (ما يعادل ثلث سكان غزة )” وفقا للعام 2003.
قراءة:
انطلقت معظم التقديرات الاسرائيلية بشأن مخطط الجزيرة الاصطناعية من الفرضيات التالية:
- رفض قيام الدولة الفلسطينية والفصل التام بين رؤية مستقبل قطاع غزة ومستقبل الضفة الغربية.
- قدرة اسرائيل على فرض واقع يقوم فيه المجتمع الدولي وقد يكون دولا عربية بتمويل مشروع بنية تحية ضخم جدا وذلك لضمان الاحتياجات الامنية الاسرائيلية وفقا لاعتباراتها.
- الظن انه بمستطاع اسرائيل الابقاء على حصار غزة والتنصل من أية مسؤولية عن ذلك.
- الظن بامكانية التخلص من الكثافة السكانية في غزة كي لا تكون اية حلول مستقبلية باتجاه الحدود الاسرائيلية او داخلها.
- فرضية اسرائيلية عليا وعليها اجماع واسع وهي اعتبار الكثافة السكانية الفلسطينية خطرا على الامن القومي الاسرائيلي وطابع الدولة وروايتها الصهيونية.
- اعتماد مبدأ السعي للتخلص من وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين الاونروا ودورها، مع الاشارة الى استهداف الجيش الاسرائيلي خلال الحرب على غزة وبشكل منهجي لكل بنية الوكالة وخدماتها وقدراتها وحتى السعي لتحطيم سمعتها دوليا باتهامها حاضنة للارهاب وامام الفلسطينيين باتهامها بالفساد.
- تحت مسمى “الافكار المبدعة” و”المساعدات الانسانية” وبعد تصدي مصر القاطع لمشروع تهجير اهالي غزة الى اراضيها من خلال سيناء، سعى نتنياهو الى التواصل مع دول في البحر المتوسط وحصريا مع قبرص للتباحث في ممر مائي التفافي يكون تحت السيطرة الامنية الاسرائيلية، بالاضافة الى التباحث مع دول افريقية لاستيعاب الفلسطينيين مقابل مردود مالي من اسرائيل.
- يعود الاعلام الاسرائيلي على الرواية بأنه لم يعد بالامكان اعادة اعمار غزة وبأنه لا مكان يعود اليه النازحون، وبأن الحالة تتطلب بناء غزة من جديد في حال أتيح ذلك. ولن يكون من المستبعد في هذا السياق التفكير لدى الوزير كاتس في استخدام كميات الردم الهائلة في غزة لبناء الجزيرة الاصطناعية التي يحلم بها الوزير، وحينها لن تبقى دلائل على حجم الدمار الشامل.
- بخلاف الموقف الاوروبي الذي تحدث الوزير كاتس في سياقه والقاضي بضرورة اقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1967 في الضفة وغزة والقدس، بل وتصريحات بوريل مؤخرا بضرورة قيام المجتمع الدولي بفرض الحل حتى وان عارضته اسرائيل، فإن الموقف الاسرائيلي يشير الى انسداد اي افق امام السياسة الاسرائيلية، وتسعى حكومة نتنياهو الى ايهام المجتمع الدولي بأنها من يقرر مصير الفلسطينيين ومصير غزة رغم انها متورطة في حربها وفي قدرتها على تحقيق اهدافها.
- من الاهمية اشارة وزير الاعلام المصري 22/1/2024 الى ان سعي اسرائيل الى احتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) سوف يدفع علاقات الدولتين الى مواجهة خطيرة.
خلاصة:
– هاجس الحكومة الاسرائيلية الثابت هو تهجير الفلسطينيين من غزة وبناء بنية تهجير في الضفة الغربية. مما يعني في ظل انسداد الافق الاسرائيلي بأن مشروع التهجير عامةً، وحصريا نحو الاراضي المصرية لا يزال يستحوذ على الذهنية الحاكمة.
– التحدي الفلسطيني العربي في مواجهة مخططات التهجير ينبغي ان يتواصل، فالمخططات لتنفيذه قد تتغير لكن ليس النوايا. ولا توجد قوى في الائتلاف الحاكم ولا في المعارضة الرسمية تتصدى لهذه المخططات.
– مع انسداد الافق الاسرائيلي الحاكم فإن مخططات تصفية قضية فلسطين لا تزال قائمة وبشكل مكثف. هل تملك اسرائيل القدرة على ذلك؟ لا تبدو الأمور كذلك.
المصدر: مركز التقدم العربي للسياسات