فارس خشان
لا حتميّات في السياسة. هناك دائمًا احتمالات متعددة، إذا كان المتصارعون يفتشون، فعلًا، عن حلول، لأنّ ما يعنيهم يُفترض أن يتمحور حول تحقيق الأهداف لا على تسجيل الأهداف.
وهذه الحقيقة يمكن أن تنطبق في هذه المرحلة على واقع الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيلية، حيث يتم “التفاوض” بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي بالنار، من خلال استعراض الطرفين لنماذج عن أوراق القوة التي يتمسكان بها، ففيما الجيش الإسرائيلي يطارد أهدافًا بشريّة ثمينة، يخرج “حزب الله” من مستودعاته نماذج عن “الكنوز التدميريّة” التي يمتلكها.
وبدا واضحًا في الأيّام القليلة الماضية، وفي ظل ارتفاع منسوب توسيع الحرب، تحديد كل من إسرائيل و”حزب الله” للأهداف التي يرميان إلى تحقيقها.
إنّ إسرائيل، وفق ما اتضح، تريد توفير الظروف الملائمة لإعادة من نزحوا من شمالها إلى بلداتهم وقراهم ومزارعهم ومنازلهم وأعمالهم، وإبعاد شبح تعرضهم لما سبق أن تعرّض له سكان غلاف غزة، في جنوب البلاد.
أمّا “حزب الله” فانتقل من ربط فتح الجبهة الجنوبيّة بمساندة قطاع غزّة، حصرًا إلى إعطاء هذا الفعل الذي يثير انقسامات داخلية واضحة، مهمة أخرى وهي “الدفاع الوقائي” عن لبنان من حرب يمكن أن تستهدفه بعد إنهاء إسرائيل حربها في غزة. هذا التعديل الذي أدخله “حزب الله” على خطابه أتى، بعدما ثبت للقريب والبعيد، كما للحليف والخصم، أنّ المواجهة التي أقحم الحزب لبنان بها، في الثامن من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، لم تقدّم شيئًا يُذكر لا للفصائل المقاتلة في غزة ولا لشعبها المظلوم.
وهذا سمح للمتحركين في كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا من أجل احتواء الجبهة اللبنانية، بوضع “قائمة قصيرة” تتضمن أهداف كل من إسرائيل و”حزب الله”، والعمل على تحقيقها بروية.
وبناءً على ذلك أصبح هناك خطة خاصة بالجبهة اللبنانيّة – الإسرائيلية بعهدة كل من لبنان وإسرائيل، وهي تتضمن النقاط الخمس الآتية، وفق ما تتناقله أوساط فرنسيّة واسعة الاطلاع:
أوّلًا، احترام صارم للقرار 1701 تتعهد به دولتا لبنان وإسرائيل.
ثانيًا، إبعاد “حزب الله” لمقاتليه من الحدود الإسرائيليّة.
ثالثًا، تخفيض حالة التأهب على الحدود مع لبنان من الجانب الإسرائيلي.
رابعًا، الموافقة على تفعيل عمل اليونيفيل، في المنطقة الحدوديّة، بحيث تُعطى مهمات ردعية تصحح الخلل المشكو منه على مدى السنوات السابقة.
خامسًا، توفير التمويل اللازم للجيش اللبناني ليرفع عديده في جنوب لبنان بمقدار سبعة آلاف عسكري، على الأقل، بحيث يصبح قادرًا على أداء المهام المطلوبة منه وطنيًّا ودوليًّا.
وعلى الرغم من السقوف المرتفعة في مواقف كل من إسرائيل و”حزب الله”، فإنّ هذه الخطة قيد المناقشة الفعليّة. أهميّتها، بالنسبة لـ”حزب الله” تكمن في أنّ تنفيذها يحتاج إلى وقت تكون فيه الحرب في قطاع غزة قد انتقلت من مرحلة تحتاج إلى “إشغال” للجيش الإسرائيلي إلى مرحلة لا تحتاج فيها إلى ذلك، الأمر الذي يحفظ ماء وجهه. وحيث يجد “حزب الله” إيجابية الخطة، يكمن ضعفها بالنسبة لإسرائيل التي لا تفتش عن فصل الارتباط الذي لا يؤذيها بين غزة و”حزب الله” بل عن إعادة مواطنيها إلى المناطق التي تمّ إجلاؤهم عنها في شمال إسرائيل، قبل انتهاء شباط (فبراير) المقبل.
ووفق “جيروزاليم بوست”، فإنّ مسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيليّة وضعوا خريطة طريق للتعويض عن “علّة الوقت” في خطة النقاط الخمس الأميركية – الفرنسيّة، إذا اقتنع المستوى السياسي بعدم “إلحاحيّة” الحرب الواسعة ضد لبنان.
ووفق هذه الخطة، يمكن إعادة سكان إسرائيل الى منازلهم، في الوقت المنشود، بعد تطمينات تُعطى لهم، تُظهر أنّ الجيش الإسرائيلي ضاعف أعداده على الحدود وأجبر أكثر من 70 بالمئة من “قوة الرضوان” على الانسحاب عن الحدود، وضرب أكثر من 85 بالمئة من أجهزة الرقابة التي أقامها “حزب الله” وأعاد لإسرائيل، بما حققته، قوة الردع التي لن تسمح للسيّد حسن نصر الله بتكرار ما قام به يحيى السنوار في الجنوب.
ووفق المسؤولين الإسرائيليّين، فإنّ أيّ حرب واسعة على لبنان يمكن أن تنعكس سلبًا على استكمال المهمة في قطاع غزة، حيث ستحتاج إسرائيل الى عاملين حاسمين: اهتمام الجبهة الداخلية ودعم الحلفاء.
وهذان العاملان المهمان لاستكمال الأهداف في غزة ستضر بهما أي حرب على لبنان، لأنّ الجبهة الداخليّة سوف تلتهي عن غزة، من جهة، ولأّن الحلفاء الذين لن يغطوا أيّ حرب ضد لبنان سوف يتخلون عن دعم إسرائيل في جنوبها، من جهة أخرى.
من الواضح أنّ ما يُخطط له على الورق، يوحي بوجود كوّة تفاؤل تخترق الجدار السميك، ولكن المعطيات التي يمكن أن يولّدها التصعيد المستمر في الميدان قد تكون لها كلمة أخرى!
المصدر: النهار العربي