رياض قهوجي
يواجه “حزب الله” اليوم تحدياً كبيراً في كيفية التعامل مع المواجهات العسكرية المفتوحة مع إسرائيل في جنوب لبنان، والتي طالت أكثر بكثير مما توقع، هو وغيره. فعملية ضبط الإيقاع وإبقاء المواجهات مضبوطة ضمن قواعد اشتباك واضحة يمكن تحقيقها ضمن فترات زمنية محدودة، لكن إذا طال الزمن فإن إمكان التصعيد المتدرج إلى حرب كبيرة يصبح أقرب للحتمية، وقيادة “حزب الله” تعي ذلك.
لكن المشكل أن سقف الخطاب بات مرتفعاً وقرار طهران لم يتغير بفتح جبهات أخرى – باستثناء ساحتها – بهدف زيادة الضغوط على قوى دولية وإقليمية وإسرائيل لإنهاء حرب غزة وإبقاء “حماس” في السلطة هناك. ولذلك يستمر الأمين العام لـ”حزب الله” على موقفه بضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة شرطاً لوقف المواجهات في الجنوب. هذا فيما تحاول الحكومة اللبنانية التماهي مع موقف “حزب الله” وتصر على تطبيق الاتفاق 1701، رغم أنها لا تملك قرار الحرب والسلم الذي هو حصراً بيد “حزب الله” الذي ربط الوضع في الجنوب بحرب غزة.
لم تؤد زيارات الموفدين الدوليين للبنان الساعين إلى تهدئة الأوضاع في الجنوب إلى أي نتيجة لأسباب تتعدى حرب غزة. فهم لم يعرضوا على “حزب الله” معادلة وقف حرب غزة مقابل وقف الاشتباكات مع إسرائيل، بل هم أوصلوا رسائل وعروضاً تتمثل برفض إسرائيل وقف هجماتها على جنوب لبنان إذا لم يسحب “حزب الله” مقاتليه إلى شمال خط الليطاني، أو أقله إلى مسافة 10 كيلومترات بحسب الاقتراح الفرنسي الأخير، والذي رفضه “حزب الله”.
كما أن العرض الأميركي المزعوم بمقايضة رئاسة الجمهورية بوقف إطلاق النار وانسحاب مقاتلي “حزب الله” لم يتم التجاوب معه لربط قيادة الحزب الجبهة الجنوبية بحرب غزة. لكن حامل هذا العرض المزعوم آموس هوكشتاين لم يتوقف في لبنان بعد رحلاته الأخيرة إلى إسرائيل حيث التقى وزير الدفاع الإسرائيلي، ما يوحي بأن موضوع جبهة جنوب لبنان بات أكثر تعقيداً وغير مرتبط بالنسبة إلى تل أبيب بحرب غزة. كما أن موضوع إعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا غير مطروح إسرائيلياً.
موقف الحكومة الإسرائيلية المتشدد لناحية ضرورة إبعاد مقاتلي “حزب الله” عن الحدود الشمالية مرتبط برفض المستوطنين الذين نزحوا من منازلهم في شمال إسرائيل بالعودة، ما دام مقاتلو الحزب منتشرين على طول الحدود. ويسعى الجيش الإسرائيلي اليوم إلى استعادة هيبة الردع التي انهارت نتيجة هجمات “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) في محيط قطاع غزة، ولذلك فهو يرد بعنف مفرط أحياناً عندما تؤدي ضربات “حزب الله” إلى سقوط قتلى. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وبعض أعضاء حكومته من اليمين المتطرف يريدون إطالة الحرب وتوسيعها إذا أمكن للبقاء في السلطة ومواجهة محاسبة المجتمع الإسرائيلي لإخفاقهم في 7 تشرين الأول. لكن واشنطن تعارض فتح الجبهة مع لبنان. كما أن قيادة الجيش الإسرائيلي تفضل التركيز حالياً على غزة حتى تحقيق الأهداف المنشودة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ومن ثم التفرغ للجبهة اللبنانية.
وبناءً عليه، فإن استراتيجية وحدة الساحات فشلت و”حزب الله” يحاول الهروب إلى الأمام بانتظار التوصل إلى هدنة أو وقف لإطلاق النار في غزة يسمح له بالشروع بخفض سقف الخطابات والدعوة إلى وقف الاشتباكات في جنوب لبنان. لكن حينها عليه التعامل مع سقف المطالب الإسرائيلية والمصرة على سحب مقاتليه إلى شمال الليطاني، وهو أمر لن يكون من السهل قبوله. وقد يعمد الجيش الإسرائيلي لشن عمليات كبيرة بهدف إيجاد واقع جديد على الحدود الشمالية يشجع المستوطنين على العودة إلى منازلهم. وهو اليوم يتحضر لذلك علناً ويجيّش الرأي العام الداخلي تحضيراً لهذا السيناريو. كما أن واشنطن التي تنفذ ضربات في المنطقة بهدف إضعاف وكلاء إيران لن تمانع بحرب محدودة لتقليص قدرات “حزب الله” استعداداً لانطلاق مرحلة جديدة في المنطقة من المرجح أن تشمل لبنان.
طبعاً، الحكومة اللبنانية هي من ستكون في الواجهة إعلامياً للتفاوض على وقف لإطلاق النار في جنوب لبنان. فقرار السلم ليس بيدها كما كانت الحال في قرار الحرب في الثامن من تشرين الأول. وعليه، فهي ستكون ساعي بريد والجهة التي ستوقع على ما يقبل به “حزب الله”. المشكلة الكبيرة التي ستواجه “حزب الله” حينها هو ماذا سيقول للبنانيين الذين دُمرت آو تضررت منازلهم وممتلكاتهم نتيجة القصف الإسرائيلي؟ من سيقوم بالتعويض عليهم؟ طبعاً الحكومة التي تماهت مع مواقف الحزب هي في الواقع مفلسة ولا تزال تبحث عن حلول لإعادة أموال المودعين التي ابتلعتها المصارف. ومن المتوقع أن تشهد الساحة الجنوبية (وربما مناطق أخرى) زحمة نواب وشخصيات تتكلم عن ضرورة الوحدة الوطنية وتطلق وعوداً بالتعويض بشكل ما. لكن من سيدفع الفاتورة في هذه الحالة؟ إيران أم الدول العربية والغربية؟ وعلى أي أساس؟
أقوى أداة ضغط يملكها “حزب الله” داخلياً هي امتلاكه ميليشيا مدججة بالسلاح واستعداده لاستخدامها داخلياً في أي وقت. ولقد عبر عن ذلك أخيراً الشيخ سعد الحريري في مقابلته مع قناة “العربية” حين قال إنه رغم معرفته والجميع بأن “حزب الله” هو وراء اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري فهو لم يحاول القيام بأي شيء واستمر بالتعامل مع “حزب الله” كقوة أمر واقع منعاً للحرب الأهلية. فخوف القوى اللبنانية من حرب أهلية هو أداة قوة يستخدمها “حزب الله” بفعالية لينال مراده داخلياً، بخاصة إذا ما حافظ على دعم غالبية المكون الشيعي في لبنان له. لكن كيف ستؤثر المواجهة الحالية والمستقبلية مع إسرائيل على دعم الداخل اللبناني للحزب وعلاقته به؟ سيناريوات عديدة يتم تداولها عما يمكن أن يحصل وشكل التسوية وواقع لبنان الداخلي بعد انتهاء المواجهات في الجنوب. لكن هناك شيئاً أكيداً هو أن لبنان، كما المنطقة، سيشهد تغييرات.لكن حتى حينها، سيكون هناك المزيد من القتل والدمار.
المصدر: النهار العربي