حمزة رستناوي
يمكن التمييز بين نوعَين من العوائق، عوائق سياسية تتعلق بالنُظم الإدارية المستبدة والمستفيدة من انتهاك حقوق الإنسان، وعوائق اجتماعية قارّة في ثقافة المجتمعات السورية نفسها.
أولًا: العوائق السياسية
إن وجود السلطة المستبدة الفاسدة يتنافى مع ثقافة حقوق الإنسان، لكونها سلطة تستخدم وتُشرعن العنف وقمع الحريات، في سبيل إحكام هيمنتها على المجتمع ومؤسسات الدولة ونهب مواردها الاقتصادية. إن انتشار ثقافة حقوق الإنسان والوعي الاجتماعي بها يُهدد وجود هذه السلطات المستبدة، وبذلك نكون أمام نيّة قصدية مُتعمدة في حجب هذه الثقافة عن الشعب من خلال التعتيم الإعلامي، وتسويق خطاب انغلاقي يُعلي من شأن الخصوصية الثقافية والقومية الدينية، إضافة إلى قمع الناشطين وشيطنة منظمات حقوق الإنسان الوطنية والعالمية واختراقها.
كيف يمكن تجاوز العوائق السياسية؟
أولاً- إعلاميًا، من خلال فضح تسلّط السلطة وفسادها، من حيث إن خطابها المُعادي لثقافة حقوق الإنسان ليس وجهة نظر، وليس دفاعًا عن قيم المجتمع، إنما هو خطاب هدفه الاستمرار في الحكم وتغطية جرائمها وانتهاكاتها وليس أكثر.
ثانيًا- الاشتغال على الملف الحقوق القانوني، من خلال السعي لمحاكمة هذه السلطة/ السلطات باعتبارها متورطة في جرائم جنائية، تشمل القتل والإبادة الجماعية والسرقة والسطو والخطف والاستيلاء غير المشروع على الممتلكات، والتعذيب والتمييز العنصري.. إلخ. وهنا يمكن الاستفادة من الإمكانات التي قد تتيحها قوانين الدول الأجنبية ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الجنائية المخصصة.
ثانيًا: العوائق الاجتماعية
في ما يخصّ العوائق الاجتماعية، لا يُشترط هنا سوء النية أو القصد المَصلحي الخاص للمُعارضين، ولذلك سنحتاج إلى مقاربة مختلفة، حيث إنه لا يمكن مُعاداة شعب أو ثقافة مجتمع ننتمي إليه، ولكن بالمقابل يمكن معاداة سلطة حاكمة مُتَعينة.
يمكن التمييز بين عوائق بفعل العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة (الثأر، جرائم الشرف، منع المرأة من الإرث، ضرب الأطفال، التمييز العنصري على أساس عائلي أو قبلي أو مناطقي أو قومي، التحرش اللفظي بالنساء)؛ وعوائق بفعل أشكال التدين السائدة (تعدد الزوجات، حصة النصف للمرأة في الإرث، حصة النصف للمرأة في الشهادة، فرض النقاب أو الحجاب أو السفور، منع الزواج العابر للطوائف الدينية).
علميًّا، لا يوجد فرق جوهري بين الانتهاكات المؤسسة على تبنّي قيم اجتماعية، والانتهاكات المؤسسة على تبني قيم دينية، في النهاية كلّها انتهاكات سوف ينتج عنها ضحايا ومعاناة للأشخاص المتضررين. كذلك إن أشكال التدين السائدة لا تمارس مفاعيلها كنصوص مقدّسة أو رجال ومؤسسات دينية فقط، بل هي تمارس مفاعيلها بعد إدماجها وتعميمها في ثقافة المجتمع نفسه، لتتحول بدورها إلى قيم اجتماعية مستقرة، ومع ذلك من المُبرر تمامًا التأكيد على التمييز الإجرائي بينهما، لأسبابٍ تخصّ مقاربات الحل والمعالجة، حيث إن الانتهاكات التي تشرعنها أشكال التدين السائدة عادةً ما تكون أصعب من جهة التغيير، لارتباطها بالبُعد العقائدي للشخص، وما قد يرافق ذلك من الشعور بالذنب، إضافة إلى صعوبة مناقشة التابوات الدينية في مجتمعاتنا.
لنميز ما بين ثلاثة خيارات متاحة وممكنة، في ما يخص المقاربات التصحيحية ضمن ثقافة المجتمعات السورية: مقاربات مدعومة من منظومة التقاليد الاجتماعية؛ مقاربات مدعومة من منظومة التدين السائدة؛ مقاربات مدعومة من قبل التيارات التنويرية والإصلاحية في الإسلام نفسه.
ويمكن دعم وترجيح المقاربات الأكثر حيوية والمُعززة لمبادئ حقوق الإنسان وربطها بالجغرافيا وطبيعة المُجتمعات المحليّة نفسها. وسأضرب أمثلة عملية لتوضيح الفكرة:
القتل بغرض الثأر العائلي- القبلي أو القتل في ما يُسمى بجرائم الشرف، أو حرمان المرأة من الميراث أو تزويجها قسريًّا، هي انتهاكات تدعمها منظومة التقاليد السائدة في بعض المجتمعات السورية، ولكنها مرفوضة قطعًا من قبل منظومة التدين السائدة، وهنا يمكن الاستفادة من ذلك في تسويق ثقافة حقوق الإنسان أو تأكيد الخيارات المُتاحة والأفضل.
ترفض منظومة التدين السائدة التمييز بين المسلمين خصوصًا، وبين الناس عمومًا، على أساس الانتماء العائلي أو القبلي أو المناطقي أو القومي، في حين إن هذه التفاضلات والصور النمطية والنزعات العنصرية تنتشر في ثقافة المجتمعات السورية. وفي هذا السياق، يمكن استحضار النصوص القرآنية التي تؤكد مبدأ العدل بين الناس، بغض النظر عن الانتماء الديني والطائفي: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة الحجرات 13؛ {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} سورة الممتحنة 8.
بالمقابل، تقبل منظومة التديّن السائد مبدأ تعدد الزوجات، في حين إن هناك مجتمعات سورية كثيرة ترفض أو تستهجن هذا المبدأ، ليس من باب الدين، ولكن من باب عدم المُناسبة والتفريط في قيم العائلة، كذلك ترفض منظومة التقاليد الاجتماعية كثيرًا من الممارسات والسلوكيات التي تروِّج لها جماعات جهادية، كفرض النقاب على النساء، وفرض إطلاق اللحية على الرجال، وسبي النساء اليزيديات من قبل داعش مثلًا.
وتلعب التيارات التنويرية والإصلاحية في الإسلام دورًا بالغ الأهمية في نشر وتسويق خطاب حقوق الإنسان، حيث إنها تقدم تفسيرات واجتهادات من داخل المنظومة الفقهية الإسلامية، إما بالاستناد إلى نصوص قرآنية حُجبت مفاعيلها بالاستناد إلى نصوص أحاديث الآحاد، وإما من خلال تقديم تفسيرات حيوية تناسب العصر للنصوص القرآنية نفسها، أو استحضار حوادث ونصوص دينية لم تُؤكد سابقًا في التراث الفقهي والتشريعي الإسلامي.
ثالثًا: الديموغرافيا والاقتصاد وحقوق الإنسان
إن انتشار قيم حقوق الإنسان في المجتمع ليس بشأن ثقافي فكري حواري أو تبشيري فقط، فللمجتمع أبعاد متعددة ديموغرافية واقتصادية وسياسية، وانتشار ثقافة حقوق الإنسان يرتبط بدرجة معينة من تطور المجتمع وطبيعة العلاقات الاجتماعية فيه. ومن الصعب الحديث عن انتقال ديمقراطي عمومًا وانتشار قيم حقوق الإنسان في مجتمع قبلي أو عشائري مثلًا، ويكون هذا الانتقال ربّما أصعب في المجتمعات الريفية والبدوية، بالمقارنة مع مجتمعات المدن الكبيرة.
إن مفهوم حقوق الإنسان ينطلق من الاعتراف باستقلالية الفرد، كذات حرّة مسؤولة عن خياراتها، إن نمو النزعة الفردية يحتاج إلى زعزعة الانتماءات العائلية والقبلية والطائفية الكثيفة للأفراد، وخلق واقع اقتصادي جديد، يصبح فيه الفرد المُنتج مستقلًا من الناحية الاقتصادية، وثمّة حاجة إلى نمو علاقات اقتصادية-اجتماعية جديدة يختارها الأفراد، ويتم التعبير عنها في الفضاء العام للمجتمع المدني والسياسي. إنّ التواصل اللصيق وعدم وجود خصوصيات للأفراد، وعدم وجود حدود واضحة للعلاقات الاجتماعية بين الأفراد، واعتماد الفرد في معيشته على الجماعة القريبة الأهلية، يمنع ظهور النزعات الفردية المَشروعة، ولا يسمح بانتشار قيم وثقافة حقوق الإنسان.
رابعًا: حقوق إنسان أم حقوق عائلات وطوائف دينية وقوميات؟
في المجتمعات السورية عمومًا، هناك مطالبة وحديثٌ بصوت مرتفع عن حقوق العائلات في التجمعات السكانية الصغيرة، وحديث بصوت مرتفع عن حقوق الطوائف الدينية والقوميات الاثنية وكذلك الحقوق الجندرية، وليس عن حقوق الإنسان بصفته ذاتًا مستقلة هي المسؤولة عن تحديد خياراتها، على شرط المواطنة المتساوية مع الآخرين.
وفي النقاشات العامة السورية، يكثر الحديث عن حقوق الأقليات وحقوق الأغلبيات القومية والطائفية الدينية، حيث تشعر النخب السورية وتقدّم نفسها -بدرجات مُتفاوتة- بأنها ممثلة ومدافعة عن حقوق فئوياتها القومية والطائفية، أمام ظلم الفئويات السورية الأخرى، سواء أكان هذا الظلم واقعيًا أو مُتخيّلًا، وسواء أكان هذا الظلم حدث في الماضي أو يحدث في الحاضر أو مُتوقّع الحدوث في المستقبل! ويبقى الحاضر الغائب في نقاشاتهم هو قيمة الإنسان السوري نفسه، وحقوق الإنسان.
إن اعتماد مبادئ حقوق الإنسان يصلح لأن يكون مَدخلًا للحوار السوري-السوري، ويُشجّع على تقديم مُقاربات أكثر سلاسة وأكثر تفهّمًا بين السوريين. وسأضرب مثالًا على ذلك، القضية القومية في سورية والقضية الكرديةبشكل خاص، حيث إنّ الحقوق الثقافية للسوريين الكرد هي جزء أصيل من حقوق الإنسان، من حق الإنسان -أي إنسان- التحدث بلغته الأم والاحتفاء بثقافته والتعبير عنها في المجال العام، كذلك إنّ الحقوق السياسية للسوريين الكرد هي جزء أصيل من حقوق الإنسان، ومن حق الإنسان -أي إنسان- ممارسة حقوقه السياسية في التعبير عن آرائه والانتساب والترشح والانتخاب في النظم الديمقراطية.
ضمن هذه المقاربة، لا يُقدَّم مطلب الحقوق الثقافية والسياسية للسوريين الكرد بكونها حقوقًا كردية، مقابل حقوق عربية، ولا يُقدَّم بشكل صراعي قد ينبني عليه استثمار سياسي غير مشروع، بما قد يبرر أو يشجع الاتهامات المتبادلة بالمظلومية والخيانة والانفصال والعمالة والفضل.. إلخ.
إن الانطلاق من مبادئ حقوق الإنسان، في مقاربة القضايا السياسية الكبرى للسوريين، يساعد في تحرير الفرد من سطوة الجماعة العائلية أو الجماعة الطائفية الدينية أو الجماعة القومية التي ينتمي إليها بحكم الولادة والتربية، حيث يتحرّر الفرد السوري من الحديث أو تمثيل الجماعة العائلية أو الطائفية أو القومية التي ينتمي إليها، ويتحرر من ضغوطات هذه الجماعة نفسها عليه، بما قد يفتح آفاقًا أوسع للتواصل بين السوريين.
خامسًا: مفارقة إكراه الإنسان على قبول حقوق الإنسان!
هل ينبغي إكراه الإنسان على قبول حقوق الإنسان؟! هذا السؤال كان حاضرًا في العديد من النقاشات السورية العامة. ربما تكون صياغة السؤال هنا غير دقيقة! فتجنّب ظلم وإكراه الآخرين هو المُستهدف من تطبيق مبادئ حقوق الإنسان وليس العكس.
من أهمّ الاعتراضات الشائعة على اعتماد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان: أولًا- مبدأ الحرية في رفضها. ثانيًا- حق الدول والشعوب في رفض الوصاية الدولية- الأممية. ثالثًا- اشتراط قبولها باستفتاء شعبي أو تحقيق غالبية برلمانية مُنتخبة.
للوهلة الأولى، تبدو هذه الاعتراضات وجيهة، لكونها تحترم حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير، وتحترم حق الشعوب والدول في تقرير شؤونها، وكذلك كونها تحتكم إلى الآليات الديمقراطية ورأي غالب الشعب. ولكن هل حقوق الإنسان هي مجرد رأي؟ هل حقوق الإنسان بمثابة جسم أجنبي غريب أو تهديد خارجي يتعرض له الإنسان؟ في ذلك يمكن التأكيد على النقاط التالية:
النقطة الأولى: الأصل هو الحرية والاختيار الطوعي، ولكن فرض الالتزام بما يشمل استخدام عنف مُتناسب ومشروط بالغرض منه ومُقنّن بالحد الأدنى هو أمرٌ مشروع وقانوني شائع.كثير من الأشياء يجب الالتزام بها بما قد يشمل استخدام العنف، والنظام القضائي وأجهزة تنفيذ القانون مشمولة في هذا الاعتبار. وكما يجب فرض العدالة، يجب بالمنطق نفسه فرض الالتزام بحقوق الإنسان، لكونها مشمولة في باب العدالة، وعند التهاون في ذلك، سوف ينتج عنف وربّما ضرر أكبر.إن النواة الصلبة لمبادئ حقوق الإنسان ليست وجهة نظر تخضع لرأي الأقوى أو رأي الأكثرية العددية، بل هي ركائز تنبني عليها مشروعية الدولة والنظام الديمقراطي نفسه. مثلًا، إنّ وجود أغلبية برلمانية تشرعن التعذيب لا يجعل هذا السلوك مقبولًا وقانونيًا.
النقطة الثانية: مصدر حقوق الإنسان هو الإنسان نفسه، والتراكم الحضاري للتجربة الإنسانية عبر التاريخ. كل إنسان يحبّ الحياة ويتشبث بها ويرفض أن يقتله الآخرون، ما لم يعُقه عن ذلك عائق، وقد يكون العائق اضطرابًا نفسيًا عابرًا أو اعتقادات ثقافية انغلاقية قاصرة. كل إنسان يرفض أن يُستعبَد أو يقوم الآخرون بالتمييز ضده، بسبب العرق والجنس والدين مثلًا. كلّ إنسان يرغب في التعبير عن مُعتقداته وممارسه طقوسه الدينية بحرية دونما خوف أو إكراه. كل امرأة ترغب في الزواج من الرجل الذي تحبّه، وفي أن يكون لها حرية القرار في الاستمرار أو إنهاء الزواج، ما لم يعقها عن ذلك عائق نفسي أو ثقافي.
إنّ برهان حق الإنسان في الحياة والعدل والحرية هو الفطرة الإنسانية السليمة العابرة للعصور والمجتمعات، ولذلك نحن هنا لا نتكلم عن إكراه خارجي أو وصاية، بل نتكلم عن عوائق تمنع الإنسان من تحقيق ذاته، بما يخدم مصالحه ومصالح الانتماء الحيوي إلى المجتمع الذي يعيش فيه. في هذا السياق، يمكن استحضار “حلف الفضول” قبل البعثة النبوية، وموقف النبي محمد منه، إذ قال: “قَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ الله بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا، مَا أُحِبُّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لأجبتُ”.
النقطة الثالثة: تجنّب منطِق الثنائيات الضدية: نحن# هم، الشرق الجيد # الغرب السيء، الإسلام# الكفر، المسيحية اليهودية، العلمانية. هذه صور نمطيّة تُصنّع في الثقافة بالتربية والتعرّض الإعلامي. إن منطق الثنائيات الضديّة دائمًا ينحاز إلى الأنا الفردية والجماعة العرقية والدينية التي ينتمي إليها الشخص بفعل الولادة والتربية، مما قد يساهم في تضخيم عقدة الأنا والتنكّر للمُشتركات الإنسانية مع الآخرين.
نحن نستخدم السيارة الأفضل من جهة الكفاءة، والأكثر مناسبة لنا من جهة المواصفات، وليس السيارة الوطنية أو المُسلمة أو اليهودية أو ذات اللون الأحمر. كذلك الأفكار، لا ينبغي قبولها أو رفضها فقط بناء على مصدرها، بل ينبغي تقييمها بالاستناد إلى مدى التزامها بأولويات الحياة والعدل والحرية، وهي أولويات يطلبها كل الناس عبر العصور والمُجتمعات، ما لم يُعقهم عن ذلك عائق أو ضرورة يمكن تقديرها. كلّ السوريين -بغض النظر عن تنوعاتهم- مشمولون في جنس الإنسان، وليس الإنسان بنقيض أو ضدٍّ لهم.
النقطة الرابعة: مبادئ وثقافة حقوق الإنسان تساعد الأفراد والمُجتمعات والدول في تجاوز قصورها وتحسين شروط عيشها، ولنقل إنها سلاح مفيد لمن يقوم باستخدامه. لا ينبغي أن يكون من أولوياتنا -كأفراد ومجتمعات ودول- التصرف وفقًا لمبدأ الجكارة وردود الأفعال. إذا كانت دول غربية تدعم انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني، فهذا ليس سببًا لرفض مبادئ وثقافة حقوق الإنسان، بل إن العكس هو الصحيح، فمبادئ حقوق الإنسان هي حجّة على إسرائيل، ومن يقوم بدعمها وحمايتها.
سادسًا: مجرّد اقتراحات
إن المشهد الراهن القاتم في ما يخصّ حال حقوق الإنسان في سورية هو نتيجة إخفاق سياسي شامل للجميع: السياسيين بما يشمل السلطة والمعارضة، ثقافة المجتمع، ومنظمات حقوق الإنسان، والناشطين أيضًا. إن طريقة تسويق مبادئ وثقافة حقوق الإنسان تلعب دورًا حيويًا، حيث ينبغي مخاطبة الناس على قدر أفهامهم، ووفقًا للسياقات الثقافية للمجتمع نفسه، وبما يساعد في إقناعهم بفائدة تطبيق هذه المبادئ وانعكاساتها الإيجابية على حيواتهم. وفي هذا السياق، يمكن اقتراح ما يلي:
أولًا: الابتعاد عن الطرح المتعالي أو الاستفزازي الذي ينتقص من ثقافة المجتمع، أو الطرح الذي يرى وجود تناقض جوهراني بين الإنسان الشرقي ومبادئ حقوق الإنسان، أو الطرح الذي يرى وجود تناقض جوهراني بين الإسلام (بأل التعريف) ومبادئ حقوق الإنسان.
ثانيًا: التأكيد على مبدأ الحرية بحد ذاته، وليس على طبيعة الخيارات التي يختارها الإنسان. مثلًا، مبدأ حرية الاعتقاد بغض النظر عن طبيعة هذا الاعتقاد، فالالتزام بمبادئ حقوق الإنسان لا يعني تشجيع الخيارات اللادينية للأفراد في الاعتقاد.
كذلك، مبدأ تساوي الرجل والمرأة في حق الميراث والرواتب والأجور؛ فالالتزام بمبادئ حقوق الإنسان لا يعني إجبار المرأة على الميراث المتساوي مع الرجل، فالقرار يعود لها في استخدام هذا الحق أو عدم استخدامه!
ثالثًا: تأكيد عدم تعارض مبادئ حقوق الإنسان مع قيم الأسرة، بل يمكن استخدامها لتحسين شروط العلاقات الأسرية وتعزيزها، بما يؤكد قيم الحرية والعدل واحترام الحقوق المُتبادل.
في الحقيقة، إنّ أحد أهم الاعتراضات التي يسوقها البعض ضد ثقافة حقوق الإنسان أنها تشجع أو تشرعن الزواج المثلي، ويستشهدون على ذلك بحال الدول والمجتمعات الغربية. ولتوضيح هذه المسألة، يمكن الإشارة إلى أنه لا يوجد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبقية وثائق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان أيّ نصّ يُشجّع أو يُلزِم الدولَ بشرعة الزواج المثلي. وهذا النوع من القضايا يعود تقريره إلى المجتمعات والهيئات التشريعية في كل دولة، وفق ما يناسب حالها وثقافة شعبها.
المصدر: مركز حرمون لحقوق الانسان