ترجمة “هنا لبنان”
Youssef Mouawad
ما هي يا ترى تلك اللعبة التي تمارسها كل من إيران وإسرائيل وتصفق لها الولايات المتحدة الأميركية؟
الإجابة على مثل هذا السؤال تتطلب التوقف عند بعض التفاصيل الخاصة بأحد الفنون القتالية التي عفا عليها الزمن: المبارزة.
وفي هذا السياق، تتم المبارزة بسيوف خشبية! يأتينا هذا التعبير من الأيام الغابرة ليذكرنا بفترة التدريبات بسلاح أقرب لما هو أداة آمنة تتوخى الدفاع الظاهري ولكن دون إلحاق أي أذى بالمنافس. تقوم الفكرة على حماية النفس أمام الخصوم، في أداء متقن للأدوار، تتولى فيه واشنطن، دور المتابع في الكواليس والذي لا يتوانى عن التذكير بالسيناريو الذي يجب التمسك به في حال خانت أي من الطرفين ذاكرته!
بن غفير: لعب أطفال!
فلنحاول فهم درجة التعقيد مع الإبقاء على هذه التفسيرات القليلة في الاعتبار، ولنقم بدراسة القتال الذي يدور في ساحة مغلقة، منذ بداية شهر نيسان الحالي، بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل. تجلى هذا القتال الموازي، ولكن المستقل إلى حد ما عن الصراع الدائر في غزة، في ثلاث حلقات: الهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق (1 نيسان)، والرد الإيراني (13-14 نيسان)، والغارة الإسرائيلية على أصفهان في التاسع عشر من الشهر نفسه.
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان سارع للتقليل من تأثير هذه الغارة الأخيرة على أراضي الجمهورية الإسلامية، ووصفها بلعب الأطفال. وكما لو كان ذلك من قبيل الصدفة، لم يخفق إيتمار بن غفير في إثبات صحة كلامه على الجانب الآخر. ويحمل الأخير لقب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، وهو ليس حتى جزءاً من حكومة الحرب، بغض النظر عن مزايداته اللفظية التي تحلو له ممارستها. وتجاهل بن غفير تعليمات نتنياهو بمنع أعضاء حكومته من تحمل المسؤولية عن هجوم 19 نيسان على العاصمة السابقة للإمبراطورية الفارسية. ومع ذلك، وكما لتسليط الضوء على خلافه مع رئيس الوزراء، تعامل مثير المتاعب القومي هذا مع الغارة المذكورة باستخفاف، لا بل حتى بازدراء، من خلال التقليل من شأنها واعتبارها ضعيفة وتشبيهها بلعب الأطفال. ولكن العملية في الواقع، جزء من الرسالة المرجوة: الهدف رمزي أكثر من أي شيء آخر. وبالفعل، أظهرت صور الأقمار الصناعية إصابة نظام الدفاع الجوي في القاعدة الإيرانية؛ والضرر المؤسف (لا تعليق) الذي لحق بالرادار الروسي الصنع والذي يفترض به “تتبع الأهداف القادمة”. لا حاجة لقول المزيد!
العين بالعين
يمكن تلخيص الوضع كالتالي بمفردات المختصين في الدبلوماسية الحربية:
سجل الهجوم الإيراني يومي 13 و14 نيسان؛ خرجت إسرائيل أقوى من المحنة، بعد تدخل حلفائها الغربيين، تماماً كما وعدوا، لتقديم الدعم.
الغارة على أصفهان قدمت للجمهورية الإسلامية دليلاً على قدرة إسرائيل على مراوغة نظامها الدفاعي المضاد للطائرات وضرب الهدف الذي تختاره.
الرسالة مزدوجة: إعادة تأكيد التفوق التكنولوجي لإسرائيل على مستوى الدرع والسيف. فمن ناحية، أظهرت إسرائيل قدرتها على الصمود حتى مقابل وابل من المسيرات والصواريخ الذي استهدفها. ومن ناحية أخرى، أثبتت أنها تمنح نفسها حرية ضرب المنشآت المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.
تنسيق مبهر
بالعودة إلى 19 نيسان: داخل حكومة الحرب، رأي نتنياهو هو الذي ساد، وهو الرأي الذي فرضته إلى حد كبير الولايات المتحدة التي لا تريد ردود فعل عسكرية متسلسلة في المنطقة. وكان من الضروري حفظ ماء وجه آيات الله في عيون شعبهم. كما برزت الحاجة الملحة لتجنب التصعيد بأي ثمن، في الوقت الذي بدا فيه أنّ الأطراف المتحاربة في طريقها لتغيير قواعد الاشتباك. ولا تزال سياسة الاحتواء مصدر طمأنينة أكبر بكثير للمجتمع الدولي.
الدولة اليهودية وافقت على نزع فتيل الأزمة. كما سرت أقوال عن تدخل الولايات المتحدة، وحتى دول مثل فرنسا والأردن، لضمان الدفاع عنها في لحظة استهدافها بـ 300 من المسيرات والصواريخ. بالتالي، يمكننا أن نفهم السبب وراء عدم أهمية الغارة على أصفهان: وهذا يعني أنها لا ينبغي أن تكون بمثابة ذريعة لأعمال انتقامية من جانب نظام المرشد الأعلى علي خامنئي. تصب إعادة إرساء الوضع الراهن في مصلحة واشنطن أولاً وقبل كل شيء، ولكن أيضاً في مصلحة طهران. لأنه، على الرغم من حدة اللغة الخطابية، لا تملك إيران، المعرضة للخطر، سوى البقاء و”الحفاظ على الذات” كمصلحة أساسية لها. ولهذا تريد أن تنأى بنفسها عن حماس وتستمر بنفي أي معرفة مسبقة بهجوم 7 أكتوبر.
يمكننا الافتراض أنّ الاختراق الذي حصل تحت السيطرة الوقت الحالي، وتفاقم الأمور على هذه الجبهة غير مرجح. فلا آيات الله الحاكمين ولا الحرس الثوري الإيراني يميلون لارتكاب الانتحار، إلا إذا حوصروا واضطروا لخوض معركة أخيرة. وهم يعلمون جيداً أن الصراع المفتوح مع إسرائيل سيحكم على نظامهم، وأنّ ميزان القوى في هذه المرحلة ليس لصالحهم. وصحيح أنّ بإمكانهم إلحاق الكثير من الضرر بإسرائيل في حالة بدء الأعمال العدائية، إلا أنّ بلادهم لن تتعافى. والحقائق تؤكد الكثير وبكل تعنت: سفن البحرية الأميركية التي تقوم بدوريات في الخليج العربي مجهزة بأسلحة نووية، وأكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط موجودة في قطر، من الناحية الجغرافية المقابلة.
من المحتمل أن تسعى إيران لتخليص نفسها من مستنقع الشرق الأوسط العربي بعد الغارة على أصفهان. ولكن ذلك سيتم في الخفاء، وتحت غطاء ألف ذريعة. وستتخلى عن مساعديها اللبنانيين، ببطء ولكن بثبات: هذا هو ثمن السلام في الداخل، في الهضبة الإيرانية وسهولها. ومن ناحية أخرى، سيقدم حزب الله لإسرائيل: سيجد نفسه وحيداً بمواجهة الجيش الإسرائيلي وآلته الحربية المتعنتة التي ستستهدف كوادره وتستنزفها يومياً.
لا هدوء على الجبهة الجنوبية ولا عودة سالمة للنازحين، وقائمة الشهداء “بالوكالة” ستطول بعد. هذا ما يتطلبه منطق الإمبراطورية الفارسية. فكروا بالمهانة والأثمان التي سيحظى لبنان بشرف دفعها! كأنما كتب على اللبنانيين دفع دمائهم فداء لداريوس الأكبر وكورش الكبير.
المصدر: هنا لبنان