أحمد مظهر سعدو
إبان مقتل الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) ومن معه، بتاريخ 20 أيار/ مايو 2024، حيث لقي في حينها كل من وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، وإمام جمعة تبريز آية الله محمد علي آل هاشم، إلى جانب طاقم الطائرة والحراس، حتفهم جميعاً على الطائرة المروحية تلك، لتتحوّل الأنظار داخل الساحة الإيرانية وكذلك خارجها، إلى البحث عن البديل الذي يمكن أن يكون حلًا ما، داخل أتون دولة الملالي في طهران.
وذهب الكثير من المتابعين إلى اعتبار أن المرحلة المقبلة في إيران بعد انتخاب رئيس جديد (العملية الانتخابية بتاريخ 28 حزيران/ يونيو الجاري)، ستكون مرحلة مختلفة وجديدة، تُنتج سياسات مختلفة أيضاً، وتؤسّس إلى علاقات إيرانية قد لا تتساوق مع السياسات السابقة، أيام حكم إبراهيم رئيسي.
وذهب البعض الآخر إلى الولوج داخل كينونة الحكم الإيراني ومن هو الفاعل الرئيسي فيه، والجواب دائما أنه بالتأكيد ليس مؤسسة الرئاسة في إيران، بل هناك اعتقاد سائد مفاده أن من يرسم السياسات في دولة الملالي والحاكم الفعلي في طهران هو المرشد علي خامنئي ومؤسساته القريبة، وأن كل العلاقات الخارجية والأمنية والاستراتيجية تتحدد وتُبنى في المطبخ السياسي للولي الفقيه، وهو لم يتغيّر وما برح يعيد إنتاج نفسه ويؤسس إلى مراحل زمنية مقبلة، تخرج من داخل أساسات ذاك المطبخ ولا تحيد عنه بالضرورة.
ومن ثم فإن الخطط والسياسات في إيران لا يتم إنتاجها في محيط الرئيس الإيراني أو مؤسسة الرئاسة، بل تهيمن عليها أدوات خامنئي ومنتجاته وتوابعه، من هيئات ما يسمّى الحرس الثوري الإيراني ومؤسسة “صيانة الدستور” وهي تابعة للولي الفقيه مباشرة، وتأتمر بأمره، وبالضرورة يتم رسم ذلك بحسب معطيات ومصالح هذه المؤسسات الخامنئية، ولا تخرج خارج ذلك أبداً.
ضمن هذه المحدّدات فإنه يمكن القول: إن السياسات الإيرانية الداخلية والخارجية لن يتغيّر فيها الكثير، بعد انتخاب الرئيس الإيراني المقبل، وليس هناك من تخوّفات ما، يمكن أن تنبثق عن وصول أي رئيس من المرشحين الستة إلى قصر الرئاسة، حتى لو جاء أو نجح المرشح الإصلاحي الوحيد من بينهم، بعد أن تم غربلة الكثير من المرشحين، الذين لا يريدهم خامنئي وأدواته، وبقيت المسألة محصورة ضمن هذه الانتخابات في أتون الستة المقبولين كمرشحين، والموافق عليهم أصلًا من علي خامنئي.
يحاول ما يُطلق عليهم الإصلاحيون في إيران، الوصول إلى الرئاسة الإيرانية، لكن كل ذلك لا يمكن (ضمن هذه المعطيات والظروف) أن يغير أي شيء، علماً أنّ الإصلاحيين ليسوا في حالة تضاد مع مؤسسة خامنئي، بل هناك طريق تكتيكي يبدو أنه مختلف، بينما في المآلات والنهايات لا فرق بين الإصلاحي والمتشدد في إيران.
وباعتبار أنه لم يعد هناك فرق كبير سواء كان في السياسة الداخلية أو الخارجية لإيران بين ما يسمى “الإصلاحيون أو المتشددون”، فإنّ مسارات الانتخابات التي ستجري قريباً يُتوقع لها أن تُنتج رئيساً جديداً يسدّ الفراغ الذي حصل بعد مقتل (إبراهيم رئيسي) في حادثة الطيارة ليس أكثر، وبالضرورة سيستمر تغوّل خامنئي وأدواته على كل مفاصل الحياة في إيران، ولا إمكانية حالياً لإحداث أي تغييرات، وفق العملية الانتخابية، ويبدو أن الشعب الإيراني يدرك ذلك جيداً.
من هنا فقد دأبت قوى المعارضة في جغرافية إيران السياسية، في الأهواز، وكذلك ضمن معظم القوى الإيرانية المعارضة الأخرى، والشعوب التي تحكمها سلطة طهران، على مقاطعة العملية الانتخابية، وهي ما زالت تدعو إلى ذلك، من منطلق أنه لا جدوى من أية مشاركة في عملية ديمقراطية شكلانية وغير حقيقية، ولا تنتج أي تغيير في إيران، مهما كانت هوية الرئيس، وضمن أي اتجاه تموضع أو انتمى إليه.
وما تزال قوى المعارضة الإيرانية ترى بأن التغيير الحقيقي لا يأتي إلا باستمرار الثورة والانتفاضات المتواصلة ضد نظام الملالي وقمعيته واستبداده، وصولًا إلى إقامة الدولة الديمقراطية المبتغاة أو الاستقلال التام عن سلطة طهران، حيث تعتبر بعض القوميات في إيران أن طهران الفارسية، محتلة لأراضيها، ومنهم العرب والكورد، والأذربيجانيون والبلوش وسواهم.
إن العملية الانتخابية القادمة في إيران ستبقى مجرد لعبة من ألاعيب سلطة الملالي، التي حكمت إيران بالحديد والنار منذ عام 1979، يوم اعتلى السلطة في طهران (آية الله الخميني) وأزاح سلطة الشاه في إيران، وبدأ في سياسة تصدير “الثورة الإسلامية” المُدَّعاة، وعمل خراباً حقيقياً في جل المنطقة العربية المجاورة، وما زال يشتغل في ذلك تباعاً، بعد أن هيمن على أربع عواصم عربية هي: بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء، وصولًا إلى تغوّلات جمة ما زالت قائمة على الكثير من دول العرب في شمال إفريقيا.
يرى محللون إيرانيون أن المشاركة الشعبية في العملية الانتخابية المزمعة في إيران ستكون في أدنى مستوياتها، ولن يستطيع نظام الملالي إجبار الشعب الإيراني على المشاركة في انتخاباته بعد أن انكشفت كل سياساته القمعية النهبوية، التي طالما عمل عليها، ونهب عبرها ثروات إيران، وتغوّل على الجوار العربي، واحتل العديد من العواصم العربية، التي ما زالت تئن تحت نير احتلاله، وصمتها في ظل غياب أو تغييب أي مشروع عربي مناهض للمشروع الإيراني، الذي بات يشكل خطراً ويهدّد أمن المنطقة بالتوازي مع ما يهدّده المشروع الصهيوني للمنطقة، ليشكلا بذلك خطرين كبيرين محدقين بالمنطقة، لا بد من مواجهتهما رغم ما يعتري الواقع العربي من ترهل، ولا جدوى، وفوات، لم يسبق أن وصلت إليه المنطقة العربية في مسارات وحقب تاريخها الحديث.
ويبقى السؤال الأهم إلى متى سيبقى الشعب الإيراني، والشعوب والقوميات التي تسيطر عليها إيران ضمن حالة التبعثر واللا جدوى، وقلة الحيلة، وترك نظام الاستبداد في طهران منفلتاً من عقاله يتطاول على كل شيء ويتغوّل على الجوار العربي والإسلامي والمحيط بكليته؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا