أيدين أونال
“هل تقول “يجب على السوريين أن يرحلوا” أليس كذلك؟ لماذا؟ ما الذي يزعجك؟ ما مشكلتك؟
هل تقول “يشكلون عبئًا اقتصاديًا، يسلبوننا وظائفنا”؟ هل أنت متأكد؟ ألست أنت من يشغّل السوريين يوميًا مقابل بضع ليرات وبشروط قاتلة؟ ألست أنت من يستغل تعب الفتيان السوريين حتى نخاع عظامهم؟ ألست أنت من يوظفهم بدون تأمين، وبدون ضرائب، وبدون ضمانات ثم يرميهم في الشوارع كما يشاء، ألست أنت من يوظف السوريين في الصناعة، والزراعة، وتربية المواشي، والبناء، والمناجم، والأعمال التي لا تليق بك؟ بينما تبحث أنت عن وظيفة مكتبية، تتغذى من عرق السوريين الذين يعملون في الغبار والطين وتحت حرارة الشمس بدون أمل في الغد، يكافحون من أجل إحضار الخبز إلى منازلهم في المساء. من تعتقد أنه يجلب الخضروات إلى مائدتك؟ بينما تجلس خلف لوحة المفاتيح متظاهرًا بالبطولة، يوجد عرق السوريين، وعملهم، وحتى دمهم في اقتصاد بلدك. بينما تدرس في أفضل الظروف بأموال الدولة ثم تسعى إلى الهجرة إلى أوروبا أو أمريكا عند تخرجك، وعندما تجد الفرصة تهرب وتبيع استثمار الدولة فيك للغرب مثل العبيد، هل بذلك تساهم في اقتصاد البلد أكثر من السوريين ؟
“تقول “يجب على السوريين أن يعودوا إلى بلادهم ليحاربوا”. هل لديك أي فكرة ضئيلة عن الحرب؟ تعطي السوريين النصائح بكل كبرياء، وكأنك تعطي هذه النصائح بجانب الجندي التركي الذي يكافح الإرهاب.
ألم تكن أنت من يضع جواز سفرك في جيبك في أصغر أزمة؟”
هل تقول “السوريون غير متكيفين”؟ حقًا؟ هل أنت متكيف؟ أليس أنت من يبصق في الطرقات؟ أليس أنت من يلقي القمامة حولك؟ أليس أنت من يغمر الجبال والبحار بالبلاستيك والنفايات؟ أليس أنت المتعجرف في المرور؟ أليس أنت من يتجاوز في الطوابير، ويتحدث بشغب، ويستغل الفرص؟ أليس أنت من ينهب المدن الجميلة، والطبيعة الفريدة، ويبني تلك المباني القبيحة، ويعامل أرض الوطن كالنهب؟ أليس أنت من يثير الفوضى في الشوارع، وينشر الكراهية من حوله، ويملأ قلبه بالشر؟ أليس أنت من يعبر عن تعاطفه مع الإرهاب والإرهابيين، ويصبح عدوًا للسلام والهدوء؟
هل تزعجك لغة السوريين؟ لست منزعجا من الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والروسية، ولكنك تنزعج من العربية؟ ماذا عن الملايين من المواطنين العرب الذين يعيشون في هذه الأراضي منذ ألف عام؟ ماذا عن الملايين من الأكراد الذين لغتهم الأم هي الكردية؟ هل تزعجك ملابس السوريين؟ كيف كانت ملابس جدك وجدتك ؟ هل تدرك أن الملابس التي تزعج الآخرين هي ملابسك؟ هل تزعجك إيمان السوريين، وذهابهم إلى المساجد، وأداءهم للصلاة؟ هل هذا هو السبب الحقيقي لمضايقتك؟
هل يرتكب السوريون الجرائم؟ أليس القتلة، واللصوص، والمتحرشون، والمغتصبون، ومستغلوا الأطفال في السجون هم من أبناء وطنك، ومواطنيك، وأبناء بلدتك، وزملائك في الحزب، ورفاقك؟”
“من أين تأخذ الحق في أن تقول “يجب على السوريين أن يرحلوا” من البداية؟ من أعطاك هذا الحق؟ هل سند ملكية البلد باسمك؟ ماذا فعلت لهذا البلد حتى ترى نفسك متحدثًا باسمه؟
إن كان ينبغي لأحد أن يغادر هذا البلد، فهو أنت! ارحل وخذ معك كبرياءك، وعنصريتك، وفاشيتك، وقلبك المظلم، وشرورك التي أصبحت طابعك، وقذارتك، وسكرك، وعريّك، وعداوتك للدين، وعداوتك للمسلمين، وإلحادك، وشامانيتك، وانحرافك، وقسوتك، وانعدام ضميرك، ونخبويتك، وهمجيتك، وبربريتك، وبلطجتك، انقلاباتك العسكرية، واضطهادك، وظلمك، وإرهابك، كراهيتك للبشرية، وللأمة، وللخير، وللحسن، وأنانيتك، وفتنتك، وفسادك، وتمييزك العرقي، وطفيليتك، وحماقتك، وجهلك، وتجسسيتك الطوعية، خذها كلها وانقلع عنا واذهب بعيدًا! اذهب وعش كفرد من الدرجة الخامسة مع الغربي الذي تحبه وتود أن تكون عبده.
والله لأفضل العيش ليس مع خمس ملايين فحسب بل مع خمسين مليون سوري بدلاً من العيش معك في هذا البلد. عندي قواسم مشتركة أكثر معهم مما معك. عندي تاريخ مشترك أطول معهم مما معك. أنت بالنسبة لي أكثر غرابة من السوري.
إن كان يجب على أحد أن يغادر، فارحل أنت! ارحل ليعيش الأتراك، والأكراد، والعرب تحت العلم ذي النجمة والهلال في هذه الأراضي مرة أخرى بسلام؛ اذهب لتزدهر، وتفرح، وتتنفس هذه الأرض.”
المصدر: يني شفق
هذا أجمل وأبلغ دفاع أسمعه عن المجتمع التركي ضد العنصرية البغيضة.
إنه بما سطر يدافع ويدفع عن وطنه وشعبه هذه الجرثومة الخبيثة، يسمي الأشياء بأسمائها، وبحكم كونه ينتمي إلى هذا الوطن وهذا الشعب، يقول الحقيقة صراحة دونما تدوير أو تخفيف أو مراعاة لأحد، إذ حينما يصل الفعل مستهدفا قلب الوطن وعمق الأمة تصبح كل مداورة ضعف لا يصح الوقوع فيه.
هل يصل هذا المقال النابض بالحياة إلى أصحاب القرار في تركيا، وهل يدركون كما أدرك هذا الرجل أن مواجهة هذه الجرثومة تحتاج إلى عزيمة، وإلى موقف رادع، وإلى وحدة في موقف أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية يمتنع معها الفرار من العقاب، ويمتنع معها السماح باستمرار عمل هذه الجرثومة في المجتمع تخريبا وتفتيتا، وهذا لن يكون إلا إذا اعتبرتها هذه السلطات مهددة للأمن القومي للمجتمع والدولة التركية، شأنها في ذلك شأن الإرهاب نفسه، الذي تحاربه الدولة بكل أجهزتها بدون هوادة.
د. مخلص الصيادي