ريتشارد إي روبنشتاين*
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
أدت محاولة نتنياهو لإبقاء الحركة الفلسطينية منقسمة من خلال دعم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مباشرة وحكم حماس في غزة إلى نتائج عكسية بشكل غير مباشر ظهرت بصورة مذهلة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وحتى مع ذلك، اتحد الإسرائيليون الذين أصيبوا بالصدمة جراء العنف الذي أظهرته حماس، بمن في ذلك جميع الصهاينة الناعمين تقريبًا، وراء تصميم نظام نتنياهو على اقتلاع وتدمير هذه المنظمة بالكامل، حتى لو كان ذلك يعني إلحاق دمار هائل بالسكان المدنيين. وعرّضت موجة من الاشمئزاز في الولايات المتحدة ودول أخرى من العنف الإسرائيلي العشوائي فرص الرئيس جو بايدن في إعادة انتخابه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 للخطر ودفعته إلى إلقاء اللوم على نظام نتنياهو في استخدام القوة “غير المتناسبة” والفشل في الاعتراف بالحاجة إلى إقامة نوع من الدولة الفلسطينية بعد الحرب.
وعلى الرغم من أن هذه الوصفة تحمل صبغة “الصهيونية الناعمة”، إلا أن الحالة الجديدة التي يفكر فيها بايدن ووزير الخارجية بلينكن تبدو متطابقة تقريبًا مع تلك التي كانت قد اقترحتها في وقت سابق إدارة ترامب وكبير المتحدثين باسمها عن شؤون الشرق الأوسط، صهر دونالد ترامب، جاريد كوشنر. ستكون هذه كيانًا مدعومًا وممولاً من المملكة العربية السعودية ودول الخليج، تحكمه السلطة الفلسطينية أو نوع من النخبة المحافظة بالقدر نفسه، منزوع السلاح وهادئ وملتزم بالمساعدة في تعزيز المصالح الإقليمية الأميركية ضد “جبهة المقاومة” بقيادة إيران و”حزب الله”. وهكذا يصبح حل “الدولتين” جزءًا من حل “كتلتين” في الشرق الأوسط، حيث يسيطر الأميركيون على الكتلة الأكثر ثراء وقوة. ووفق هذا الترتيب، فإن نوع الدولة أو الترتيب الإقليمي الذي قد يريده الفلسطينيون في غزة أو الضفة الغربية أنفسهم لم يكن -ولا يعتبر الآن- مسألة ذات صلة.
يبدو النمط المتكرر هنا واضحًا. يحافظ حكام الولايات المتحدة على هيمنتهم في المنطقة بكل الوسائل الضرورية، ويكافئون بسخاء الدول والجماعات التي تتعاون وتشن حربًا سرية أو علنية ضد أولئك الذين يقاومون. وعندما لا تثير سياسات الصهيونية الصلبة تمردات داخلية خطيرة أو حروبًا بين الدول، يسعد الأميركيون بدعم قادة مثل نتنياهو، الذين يعاملون الفلسطينيين باعتبارهم “ليسوا شعبًا”. ولكن، عندما تنتج السياسات الإسرائيلية المتشددة الصلبة انتفاضات أو حروبًا تزعزع استقرار المنطقة، فإن قادة الولايات المتحدة، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، ينعطفون نحو الصهيونية الناعمة.
كان هذا بالضبط هو ما فعلته إدارة كلينتون في العام 2000، عندما حاول بيل كلينتون التوصل إلى اتفاق على أساس الدولتين بين الرئيس الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. ولا يفهم أولئك الذين يلومون الفلسطينيين على فشل هذا الجهد (أو لا يريدون أن يفهموا) أن ما تقدمه مثل هذه الصفقات في الواقع هو ما يسميه رشيد الخالدي حل “دولة واحدة، بانتوستانات متعددة”، حيث تحتفظ الدولة اليهودية التي يحددها ويدافع عنها الصهاينة من أي من المدرستين دائمًا بالتفوق العسكري والتكنولوجي والاقتصادي المطلق على أي كيان فلسطيني محتمل. ولذلك تم تصميم “الدويلة” الفلسطينية لتعمل، في الواقع، كتقسيم إداري فرعي لإسرائيل وبؤرة إمبريالية أمامية (متحالفة مع الكيانات التابعة الأخرى) للولايات المتحدة. ولذلك، لا عجب أن يختار الكثير من الفلسطينيين بدلاً من ذلك حل “الدولة الواحدة” الذي سيكون من شأنه أن يجبر الإسرائيليين إما على معاملتهم على قدم المساواة، أو التخلي علنًا عن تظاهر إسرائيل بالديمقراطية.
يذكرنا الوضع بصراع أقدم بكثير كنتُ قد كتبت عنه في كتابي المعنون ”هكذا يقول الرب: الرؤية الأخلاقية الثورية لإشعياء وإرميا” Thus Saith the Lord: The Revolutionary Moral Vision of Isaiah and Jeremiah، (هاركورت، 2006). هناك، وصفتُ الإمبريالية “الناعمة” لكورش الكبير، الذي حرر الأمم التي أسرتها بابل، وسمح للمنفيين اليهود بالعودة إلى إسرائيل، ووعد العالم بعصر جديد من السلام والعدالة تحت الحكم الفارسي. ويا له من رجل! لقد أُعجب النبي إشعياء البابلي بكورش لدرجة أنه أعلن أنه رسول الله. وحتى قبل وفاة الزعيم الفارسي، كان من الواضح أن الحفاظ على إمبراطوريته يجب أن يتم بالقوة الهائلة. كان خلفاء كورش هم داريوس وزركسيس، الإمبرياليان “الصلبان” اللذان “دفعا حدود الإمبراطورية إلى عمق آسيا وأوروبا، لكنهما وجدا نفسيهما عالقَين في صراع يزداد وحشية للحفاظ على السيطرة على رعاياهما المضطربين في الأماكن القصية” (ص 160). وكما أدرك سفر “الأنبياء”، فإن حلم خلق عالم عادل ومستقر ينعم بالسلام لا يمكن أن يحققه أبدًا بناة الإمبراطوريات المتعطشون للسلطة.
وما يزال هذا ساريًا حتى يومنا هذا. إن التنويعين، الصلب والناعم من القومية-العرقية هما وجهان لعملة واحدة -أو، إذا أردت، تروس مختلفة للمحرك نفسه. وهدفهما المشترك، مثل “الشرطي الصلب” و”الشرطي الناعم” اللذين يعملان على مشتبه به للحصول على اعتراف، هو إدامة تفوق النخبة المهيمنة وسيطرتها. وعندما لا يؤدي أحد الأسلوبين إلى النتيجة المرجوة، يتم استدعاء الآخر للعمل؛ في كلتا الحالتين، تتم إدانة المشتبه به الجامح لرفضه قبول المطالب العنيدة التي لا تلين للسلطة المتفوقة.
تشير الصهيونية كما هي معرفة حالياً، ضمنًا، إلى التفوق اليهودي في إسرائيل، والتفوق الإسرائيلي في فلسطين، والتفوق الأميركي في المنطقة. ويجبر هذا أولئك الذين يدافعون عن المساواة في الكرامة بين الأمم والتضامن العالمي للشعوب على تجاوز الصهيونية “الصارمة” و”الناعمة” نحو تبني منظور أكثر إنسانية -وأكثر “نبوية”. ويمكنك أن تنعت هذه النظرة بأنها “معادية للصهيونية”، أو “ما بعد صهيونية”، أو الأفضل من ذلك، إنسانوية راديكالية. وأياً كانت التسمية، فإنها تدعونا إلى تجاوز النظام الحالي من العنف المتوطن لخلق عالم حيث لا يُسمح أبدًا بذبح الأعداء العرقيين واضطهاد الشعوب الخاضعة -ولا حتى بذريعة إنقاذ مجموعة المرء الخاصة من تهديد مزعوم بالانقراض.
اليوم التالي لحرب غزة – وما وراء الدولة اليهودية
كان “الصهاينة العماليون” اليساريون الليبراليون ما يزالون يحكمون إسرائيل في العام 1958، عندما قمت بزيارتي الأولى إلى ذلك البلد مع مجموعة من زملائي طلاب الجامعات. وسواء كانوا ليبراليين أو غير ذلك، تحدث أغلب الإسرائيليين في ذلك الحين بفخر عن حرب سيناء، وهي مغامرة عسكرية قامت فيها قوات الدفاع الإسرائيلية، بتحريض من القوات البريطانية والفرنسية، بغزو مصر واستولت على قناة السويس لمنع الرئيس المصري عبد الناصر من تأميم تلك القطعة القيمة من الممتلكات المملوكة لأوروبا. وفي الوقت نفسه، أخبرنا قادة “حزب العمل” الذين التقينا بهم بأن التحدي الكبير الذي تواجهه إسرائيل هو بقاؤها أوروبية ثقافياً وتجنب التحول إلى “دولة مشرقية”. وبعد أسبوع من الاستماع إلى هذا النوع من الدعاية، ذهبنا إلى الجامعة العبرية لسماع الفيلسوف مارتن بوبر Martin Buber وهو يندد بحرب سيناء، وينتقد العنصرية الإسرائيلية، ويدعو إلى إقامة دولة “ثنائية القومية” يتقاسم فيها اليهود والفلسطينيون السلطة مع بعضهم البعض ويصنعون السلام مع جيرانهم.
كان جمهور هذه المحاضرة صغيرًا جدًا -عشرة طلاب أميركيين ومشرفوهم وعدد قليل من الأشخاص من الجامعة العبرية. ومع ذلك، أخبرنا كاتب كتاب “أنا وأنت” I and Thou، بأنه سعيد بالتحدث إلى أي جمهور، لأن معظم الإسرائيليين اعتبروا وجهات نظره طوباوية وغير موالية. أتذكر بوضوح هالة التعاطف الحكيم (التي شعرت بها لاحقًا في حضور الحكيم البوذي ثيش نهات هانه)، ودفاعه الحماسي عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، وحزنه على التجاهل أو عدم الاحترام الذي يلاقيه من زملائه اليهود. ولم تكن لدي أدنى فكرة في ذلك الوقت، لكنني اكتشفت بعد خمسة عشر عامًا في جلسات الاستماع في الكونغرس حول أنشطة المخابرات الأميركية برئاسة السناتور فرانك تشيرش، أن قادتنا في هذه الجولة كانت قد أرسلتهم وكالة المخابرات المركزية للإبلاغ عن أنشطة “المعارضين” مثل مارتن بوبر.
هل كان بوبر صهيونيا؟ بالتأكيد، عندما لم يكن هذا المصطلح يعني وجود دولة يملكها ويديرها اليهود لمصالحهم الخاصة، لكنه اعتنق الفكرة التي لخصها إدوارد سعيد لاحقًا بوصف “دولة واحدة لشعبين”. لم يكن مصدر إلهام بوبر هو القومية الصلبة للقوميين اليمينيين مثل جابوتنسكي، ولا نسخة ديفيد بن غوريون الأكثر ليونة بعض الشيء، وإنما أفكار “الصهيوني الروحي” المعروف باسم آحاد هعام (آشر جينسبرغ)، الذي أصر على أن فلسطين لم تكن أبدًا “أرضًا فارغة” وأعلن أنه يجب تقاسمها مع السكان العرب الحاليين. وأصر بوبر على أن فلسطين يجب أن تصبح دولة يمكن فيها للمجتمع اليهودي (وليس “دولة يهودية”) أن يعيش في سلام وأمن مع جيرانه الفلسطينيين بموجب دستور مصمم للاعتراف بالسلامة والحقوق المتساوية لكل مجتمع. ومثل أحاد هعام، كان يعتقد أن الدولة القومية المكرسة للدفاع عن التفوق اليهودي ضد جميع المنافسين ستشوه حتمًا اليهودية وتولد مقاومة عنيفة.
وتوصل آخرون في كل من فلسطين وأميركا الشمالية إلى استنتاجات مماثلة، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة. فقد جادل اليهود الإصلاحيون الذين نظمهم الحاخام إلمر بيرغر Rabbi Elmer Berger و”المجلس الأميركي لليهودية” الذي ترأسه بأن اليهودية دين، وليست مجتمعاً سياسياً أو ثقافياً، وأن الصهيونية أعاقت اندماج اليهود في ثقافاتهم الوطنية (الحقيقية). وفي الوقت نفسه، أكد اليهود الذين ينتمون إلى بعض الطوائف الأرثوذكسية المتدينة أن عبارة “دولة يهودية” هي تناقض في المصطلحات، لأن الهيئة السياسية التي تحكمها شريعة الله وتسعى إلى تحقيق العدالة والسلام لا يمكن أن توجد حتى بداية العصر المسيحي.
من ناحية أخرى، لم يكن مارتن بوبر اندماجياً أو مسيانياً أو قومياً. في رأيه ورأي مجموعة من المثقفين، بمن فيهم رئيس الجامعة العبرية، يهوذا ل. ماغنيس Judah L. Magnes وهنريتا زولد Henrietta Szold، مؤسِّسة “هداسا”، كان المطلوب هو دولة ديمقراطية يعترف دستورها بالمصالح الجماعية لليهود والفلسطينيين ومصالحهم المشتركة كعمال. وبحلول الوقت الذي قابلتُ فيه بوبر، كان الجناح الصهيوني قد تجاوز بالفعل منظمته، “الوحدة” (إيكود)، ورفضها الجمهور الإسرائيلي الذي يصبح أكثر قومية باطراد. وفي وقت لاحق، تبنى فكرة ثنائية القومية مفكرون وناشطون، بدءًا من هانا أرندت Hannah Arendt وإدوارد سعيد إلى توني جوت Tony Judt، بينما عارضها كل من الصهاينة والقوميين الفلسطينيين الذين يهدفون إلى بناء دولة واحدة يشكل فيها جمهورهم الأغلبية.
ولكن، حتى مع ذلك، بثت الصراعات في العقدين الماضيين، والتي بلغت ذروتها في حرب إسرائيل الكارثية على غزة، حياة جديدة في الفكرة. فقد نزعت هذه الحرب الشرعية عن الدولة اليهودية من خلال الكشف عن مضامين الإبادة الجماعية للصهيونية. لكنها تذكرنا أيضًا بأن القومية العرقية المتشددة التي تعتنقها أي مجموعة مصمِّمة على السيطرة على جميع المجموعات الأخرى ستقود في اتجاه التطهير العرقي والإبادة الجماعية. (لمزيد من المناقشات حول القضايا المتعلقة بثنائية القومية، انظر عمل أستاذة القانون في جامعة جورج تاون، لما أبو عودة، وعمل بشير بشير وليلى فرسخ من الجامعة المفتوحة في إسرائيل، “الأسئلة العربية واليهودية” The Arab and Jewish Questions، (ليجند برس، 2020)).
سواء كان مستقبل فلسطين ينطوي على دولتين أو دولة واحدة، وسواء كان دستور تلك الدولة ثنائي القومية أو توحيدياً، يبدو من الواضح أن إسرائيل بهيكلها الحالي يجب أن تتحول بشكل جذري. لكنَّ مصير هذه الأرض، بل ومصير المنطقة بأسرها، لم يكن أبدًا مسألة يقررها سكانها، سواء كانوا يهودًا أو مسلمين. إن سيطرة القوى الإمبريالية على المنطقة، التي واجهتها في الأصل الثورات العربية ضد البريطانيين والفرنسيين، تمت إدامتها والحفاظ عليها، بل وتعزيزها بالحروب والمكائد الأميركية/ الأوروبية. من الغزو الأميركي للبنان في العام 1958** إلى حربين ضد العراق، والتدخل في الحرب الأهلية السورية، والإطاحة بالدولة الليبية، والحرب السرية ضد إيران، والدعم الشامل لإسرائيل في عشرات الصراعات الإقليمية، لم تتوقف الولايات المتحدة عن استخدام قوتها العسكرية لتقرير من هو الذي يحكم ومن هو الذي يخدم في الشرق الأوسط. وبالقدر نفسه من التأثير، ثمة الرشاوى التي تُقدم في شكل حزم مساعدات مدنية وعسكرية لتبقي القادة المطيعين في السلطة وتهميش خصومهم، والمناورات الدبلوماسية التي توفر تسويات مؤقتة مواتية للمصالح الأميركية، مثل “اتفاقية كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل.
نتيجة لذلك، فإن تعريف الصراع الحالي في “الأرض المقدسة” على أنه “صراع إسرائيلي-فلسطيني” والتكهن بأشكال محتملة من التسوية في “اليوم التالي لحماس” إنما يسيء بوضوح فهم الوضع الحقيقي، الذي هو في الحقيقة حرب إمبريالية بالوكالة. كانت الاختلافات في الرأي التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة بين نظام نتنياهو الإسرائيلي وإدارة بايدن الأميركية مسألة تكتيكية بحتة (ولم تمنع القادة الديمقراطيين والجمهوريين من دعوة نتنياهو لمخاطبة الكونغرس الأميركي). وتبقى الأهداف الاستراتيجية لهؤلاء القادة هي الحفاظ على الهيمنة الأميركية والتفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة من دون تغيير. ولكن، إذا كان النظام الإمبريالي في الشرق الأوسط مصدرًا للصراع العنيف، وهو ما يبدو واقعًا لا يمكن إنكاره، فكيف يمكن للمرء أن يتحدث بجدية عن “يوم تالٍ” سلمي يبقي هذا النظام ثابتًا في المكان؟
من خلال فهمه للعلاقة بين الإمبريالية والحرب في الشرق الأوسط، جادل الراحل يوهان غالتونغ Johan Galtung، أحد مؤسسي دراسات السلام، بأن السلام في المنطقة لا يعتمد على “حل دولتين” بل على “حل ست دول” -إنشاء منظمة إقليمية مستقلة قادرة على الوقوف في وجه الولايات المتحدة واتخاذ قرارات جماعية لمصلحة أعضائها. وكان المبدأ التوجيهي، في رأيه، هو ربط أي خطة سلام محتملة لفلسطين وإسرائيل بتقليص فعال للقوة الأميركية لتمكين الأطراف المحلية من تقرير مصيرها بنفسها. وقدم كاي ووكيل Kaye and Vakil حجة مماثلة مؤخرًا في مقالهما “الشرق الأوسط وحده هو القادر على إصلاح الشرق الأوسط: الطريق إلى نظام ما بعد أميركي” Only the Middle East Can Fix the Middle East: The Path to a Post-American Order.
إذا لم يتم الاعتراف بالدور الأميركي في خلق ومفاقمة وإدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني -أي إذا اقتنعنا بالقصة الخيالية عن الإمبريالية النبيلة و”السلام الأميركي”- فإن حلول “اليوم التالي” التي يتم تسويقها الآن ستثبت كونها وهمية بنفس القدر. إن كل يوم تستمر فيه المذبحة في غزة يوضح أن الصهيونية لا يمكن أبدًا أن تحظى مرة أخرى بولاء اليهود المكرسين للسلام والعدالة أو أي أحد آخر ملتزم بتطوير مجتمع إنساني. وقد حان الوقت منذ زمن طويل لأن يتخلص اليهود الأميركيون من الأعلام الإسرائيلية التي كثيراً ما توضع على منصات كناساتهم ومعابدهم. لكن الأعلام الأميركية التي تقف هناك يجب أن تُزالأيضًا. إن تحقيق رؤية المجتمع البشري -رؤية الأنبياء من إشعياء إلى ماركس- تعني التسامي على جميع أشكال القومية العرقية التي تقف في طريق التنمية البشرية. وليس الهدف هو إنكار التراث العرقي والثقافي للفرد، وإنما التغلب على التركيز على الهويات الوطنية (وفي حالة أميركا، الهوية الإمبريالية) والمضي قدمًا، بعيدًا عن لهيب المحرقة الحالية، نحو وعي بوجود الأنواع.
*ريتشارد إي روبنشتاين Richard E. Rubenstein: هو مؤلف وأستاذ جامعي متخصص في حل النزاعات والشؤون العامة في جامعة جورج ماسون. ولد في 24 شباط (فبراير) 1938، وكتب على نطاق واسع عن العنف السياسي وحل النزاعات، بما في ذلك أعمال بارزة مثل “كيميائيو الثورة: الإرهاب في العالم الحديث” Alchemists of Revolution: Terrorism in the Modern World. وهو أيضًا مدير سابق لـ”مدرسة كارتر للسلام وحل النزاعات”، تخرّج في كلية هارفارد.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Zionism: The End of an Illusion
هامش:
** الإشارة إلى أزمة لبنان في العام 1958، التي نجمت عن توترات سياسية ودينية في البلد. في ذلك الحين، تدخل الجيش الأميركي عسكريا في البلد لتخفيف التوتر لمدة 3 أشهر متواصلة، حتى انتهت الفترة الرئاسية للرئيس كميل شمعون، الذي كان قد طلب من الولايات المتحدة الأميركية المساعدة في الحد من التوتر في لبنان. وانتهت الأزمة وانسحب الجيش الأميركي بعدها بفترة قليلة.
المصدر: الغد الأردنية/(كاونتربنش)