فيما تستمر تضحيات الشعب السوري من أجل تحقيق غاياته في إقامة دولة المواطنة والعدالة والتحرر من القهر والفساد والاستبداد؛ تتواصل المساعي الدولية لإعادة علاقاتها مع النظام في تجاهل تام لحقوق الشعب السوري في الحرية والعدالة والاستقرار والمشاركة في تقرير مصيره.. فمن الدول الغربية التي أعادت سفاراتها الى دمشق مرورا ببعض الدول العربية وصولا إلى المحاولات التركية لاسترضاء رأس النظام ودعوته لزيارة تركيا؛ محاولات تؤكد بوضوح على أن أية تسويات دولية للوضع القائم في سورية لن تكون في صالح سورية لا شعبا ولا وطنا ولا دولة واحدة موحدة.. أكثر من هذا فمن الواضح ان الدول المتداخلة في الوضع السوري تحتاج الى بقاء النظام كواجهة لتمرير خططها وغاياتها وتصوراتها هي لمستقبل سورية.. وليست في وارد البحث في إيجاد حل في المدى القريب أو المنظور للمسألة السورية.. وطالما عادت تتعامل رسميا مع النظام فهي ليس فقط تتجاهل مطالب وحقوق الشعب السوري وإنما تتحداه أيضا وتتحدى قرارات الأمم المتحدة التي نصت على ضرورة إجراء تغييرات وانتقال سياسي للسلطة.. وهذا يؤكد ما كان معروفا ومؤكدا اصلا أن أية تسويات خارجية دولية للقضية السورية ليست إلا تسويات تحقق مصالح تلك الدول واهدافها دونما أي حساب لكل ما تتشدق به ليل نهار من حرص على السلام والديمقراطية وحقوق الانسان.. وواقع حالها يقول إنها تعمل على توكيد تقسيم سورية إلى دويلات متعارضة وكيانات انفصالية تتقاسمها قوى النفوذ الأجنبي وتستخدم النظام من اجل تشريع تواجدها وتقنين وضعها القائم على محاصصة عرقية ومناطقية وطائفية على غرار ما حصل في العراق..
كل هذا ينبغي أن يدفع الوطنيين السوريين الى استنفار وطني شامل في الداخل والخارج من اجل عرقلة هذه التوجهات الدولية الخطيرة وتخريب مخططاتها عمليا.. وهذا لا يمكن ان يتم إلا بتحقيق عدة مهمات ملحة:
– الاولى: إقامة تحالف وطني يشمل جميع القوى الشعبية الرافضة لتقاسم سورية بين قوى النفوذ الأجنبي وأدواتها المحلية ..
إن استمرار الواقع الشعبي كما هو يعني غياب الشعب السوري عن المشاركة في تقرير مصيره، بل وتسليم مصيره للقوى الأجنبية التي تتفاوض فيما بينها في غياب اي ممثل حقيقي له وما الاطارات المحسوبة على ما يسمى بالمعارضة ليست سوى واجهات، بل ادوات للدول النافذة وغطاء لها ولأهدافها في سورية..
إن تشكيل جبهة وطنية عريضة تضم كل القوى والتنظيمات والمؤسسات والناشطين والشخصيات الوطنية لتوحيد الموقف الوطني ومنع حصول اية تسويات من وراء ظهر الشعب وعلى حسابه؛ ليس عملا روتينيا او ضرورة حزبية أو فئوية، بل هي واجب وطني وضرورة ملحة بات المصير الوطني برمته متوقف على وجودها وفعاليتها وصدق تمثيلها للشعب السوري..
وإذا لم تستطع القوى والشخصيات الوطنية المعنية تجاوز خصوصياتها الحزبية والفئوية والشخصية للاتحاد في جبهة وطنية تمثل الشعب، فإنها بذلك تتخلى عن مطالبها في الحرية والعدالة مهما بذلت من جهود أو قدمت من تضحيات.. كما تتخلى عن الشعب الذي قدم تضحيات عظيمة ولا يزال يقدم ويتحمل كل انواع القهر والظلم والتعسف والتنكيل والظروف الحياتية القاهرة دون أن يتقدم على طريق تحقيق اهدافه المنشودة.. وبذلك تكون شريكة في اختيار مستقبل لسورية ليس فيه اعتبار وقيمة للمصالح الوطنية وليس فيه اي نوع من المشاركة الشعبية في إدارة شؤون الوطن والدولة.. فهل تقبل هذه القوى والفعاليات على نفسها أن تكون شريكة في التواطؤ على الشعب والوطن لمجرد رفضها التعاون لتمثيل الشعب وتوحيد حركته وتنسيق مواقفه واستثمار تضحياته لتحقيق ما يرنو إليه وعدم تركها لأعدائه او مزوري هويته وتمثيله يستثمرونها لمصالح خاصة او فئوية أو خارجية !!!…
إن اتحاد الفعاليات الوطنية أيا كانت في عمل تعاوني جبهوي لا يعني تخليها عن أفكارها وعقائدها وخصوصياتها الحزبية أو التنظيمية او الاجتماعية أو حتى الشخصية وإنما هو ببساطة ووضوح التقاؤها في إطار مؤسساتي جامع يمثل ضمير الشعب السوري ويعبر عنه ويطالب بحقوقه ويفاوض باسمه ويحقق المكاسب لمصلحته ولا يتركه عرضة للمتسلقين والمنافقين والمرتهنين للخارج والأجهزة يتحدثون نيابة عنه ويبيعونه ليحققوا مكاسب شخصية لحساب قوى الخارج النافذة..
– الثانية: إعطاء الاولوية للداخل السوري. فعلى كل الناشطين في الخارج أكانوا أفرادا او تنسيقيات او جمعيات أهلية؛ التواصل مع الناشطين في الداخل؛ أكانوا أفرادا أو تنسيقيات أو جمعيات اهلية أو منتديات اجتماعية بهدف توحيد الرؤية والموقف والحركة.. إن تدعيم موقف الناشطين في الداخل ومدهم بكل أسباب الصمود والعمل والتأثير والتكامل مهمة عاجلة وملحة ومن شأنها تقريب الوصول الى تشكيل مؤسسات جامعة تقوي الموقف الشعبي وترشد حركته وتنور رؤيته للأحداث والتغيرات المستجدة وتوحده خلف مطالبه الوطنية.. مع الأخذ بعين الاعتبار سلطة أمر الواقع وقوى الاحتلال والنفوذ من خلال تحركها حرصاً على سلامة أعضائها ونشاطهم.
إن توحيد الرؤية والتوجه والحركة بين فعاليات الخارج والداخل إنما هو دفع للنضال الوطني وتثبيت لوجود الشعب كطرف اساسي في أي حل أو تسوية..
إن ما يقوم به كثير من الناشطين في الخارج لجهة ملاحقة مجرمي النظام ومحاكمتهم امر مهم ومفيد وضروري لكنه ينبغي ان يوظف لتدعيم التواصل والتكامل مع الداخل..
– الثالثة: وضع برنامج مرحلي يحدد طبيعة المرحلة الراهنة وما تقدمه ظروفها ويحدد الخطوات العملية المطلوبة والممكنة والمفيدة في كل موقع يتواجد فيه ناشطون سوريون. انطلاقا من الداخل الاساس في كل حركة نضالية وطنية..
آن الأوان لكي نحقق معا موقفا وطنيا واحدا موحدا نستطيع أن نقول انه يمثل الشعب ويقود ثورته ويوجه حركته الميدانية في الوجهة السليمة التي تصل به الى تحقيق أهدافه الوطنية..
وإذا استمر تشتت الموقف الشعبي فسوف تستمر المتاجرة بالثورة ويستمر غياب الثوريين الحقيقيين الشرفاء ويستمر اتهام الثورة وتحميلها مسؤوليات سلبية..
إن ما يتحمله الشعب السوري في كافة المناطق من سوء الاوضاع المعيشية إلى ضعف وتراجع الخدمات الى الغلاء وانتشار أشكال من التردي والتفكك والفساد الى القهر الأمني وتسلط القوى والميليشيات الأجنبية الموجودة؛ دون أن تكون هناك مبادرات وطنية حقيقية لمنع المزيد من التدهور والتفكك؛ إنما يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل سورية كمجتمع موحد ووطن جامع لكل أبنائه.. فيما تشير كثير من المظاهر والمتغيرات إلى دخول المجتمع السوري مرحلة اضمحلال الدولة التي لم يبق لرأس هرمها من هم سوى البقاء في السلطة ولو شكليا والحفاظ على ما تبقى له من مكاسب وامتيازات..
إن الاكتفاء بمراقبة الأحداث أو اللهاث وراء المواقف الدولية وما تصرح به او ما تسربه اجهزتها من حين لآخر عن حلول او تسويات او قرب الخلاص وغير ذلك كثير؛ إنما يبقينا كشعب وفعاليات وطنية في وضع الجمود والقعود وانتظار الحلول الخارجية وهذا بحد ذاته ضعف وهوان واستكانة غير مقبولة.. إن انتظار حلول تأتي من الخارج لا يليق بشعب قدم تلك التضحيات العظيمة ولا يليق بالثورة التي قدمت ذلك العدد الهائل من الشهداء والمعتقلين والمهجرين..
إن الذين لا يزالون ينتظرون موقفا من قوى الاحتلال للجغرافية السورية “اميركا وروسيا وإيران وتركيا” الى جانب الشعب السوري إنما هم واهمون تنقصهم المعرفة الكافية بطبيعة دورهم في المنطقة وسورية.. فهم أساس البلاء للمنطقة العربية.
صحيح ان الوضع السوري مرتبط بوضع فلسطين والمنطقة العربية؛ وصحيح أنه لا يمكن إسقاط التدخل الأجنبي تماما ومنعه من التلاعب بالمصائر الوطنية؛ إلا أنه يمكن الحد من تأثيراته السلبية ومحاصرة أهدافه الخبيثة بوحدة الموقف الشعبي ووحدة التحركات الوطنية حينما تنتظم في إطار جبهوي واضح المعالم والأهداف ومحدد الخطى والبرنامج العملي الميداني..
إن غياب مثل هذه الجبهة الوطنية هو الذي يعرقل التكامل الميداني بين الجبهات المنتفضة في السويداء ودرعا وكل مناطق الشمال.. ويتسبب بمزيد من هدر الطاقات والإمكانيات وهدر الزمن الذي ليس في صالح الشعب وثورته..
وحتى لا يندم الجميع قبل فوات الأوان؛ وحتى لا يتحمل الثائرون مسؤولية معنوية وأخلاقية وعينية عن فشل الثورة؛ على جميع الوطنيين تحمل مسؤولياتهم بجدارة وثبات ونكران ذات؛ والتحلي بروح الجماعة المنظمة المتعاونة والتصدي يدا واحدة للمهمات الوطنية النضالية.. وإلا فالمستقبل لن يكون مرضيا.. وقد نصل إلى وضع نطالب فيه بحق العودة إلى الوطن لملايين السوريين الموزعين في أرجاء الدنيا..
فما أكثر الوطنيين والناشطين عددا ونوعية، وهمة، وعطاء، وتضحية.. وما اكثرهم تشتتا وأقلهم فاعلية في تقرير مصير ثورة ومستقبل شعب..
لم يعد لائقا بنا البقاء خارج الحسابات والمعادلات ونحن اهل الحق والبلاد.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين