أحمد جاسم الحسين
نشر محمد سرميني صوراً عبر أحد حساباته التواصلية للقائه مع قادة ميليشيات عراقية، لها قوات تقاتل المعارضين السوريين وإرادتهم في البحث عن الحرية والعدالة، وكانت تلك الميليشيات أحد أسباب بقاء النظام السوري في الحكم، وجزءاً من أدوات البطش الإيرانية العراقية بالسوريين، وتنفيذ سياساتها في المنطقة عامة.
طرحت هذه الزيارة عدة أسئلة منها:
- من هو محمد سرميني؟ ومن يمثل؟ وهل ذهب بصفته الشخصية أم ممثلاً لتنظيم أو مركز دراسات؟ أو شريحة ما من السوريين؟
- من أخذ المواعيد لمحمد سرميني كي يقابل هذه الشخصيات؟ هل اتصل قسم العلاقات العامة لمركز جسور مثلاً بقسم العلاقات العامة لتلك الميليشيات، ثم تم تنسيق الزيارة والاتفاق على برنامجها وما هي أهم النقاط؟ ومن توسط له كي يقابل تكل الشخصيات، التي لا يستطيع أحد التواصل معها، إلا عبر جهات إيرانية غالباً لأن تلك الجهات لا أحد له سلطة عليها إلا إيديولوجيتها وممولوها، لأن نظامها الداخلي هو قوتها ومن يمولها.
- هل يمكن بعد اليوم الوثوق بدراسات “مركز جسور” ومواقفه تجاه الملف السوري وسواه؟ وهل كانت الثقة موجودة من قبل؟ ولماذا أخفى مركز جسور أسماء فريق عمله من موقعه على الإنترنت؟ خجلاً أم خوفاً أم حذراً أم ستراً وتستراً؟
- ماذا ناقش محمد سرميني هناك؟ هل يحتاج إلى خبراء دراسات مثلاً يمدونه بمعلومات، وسيقيم معهم مؤتمراً علمياً خلال الفترة القادمة في إسطنبول؟ لأن تلك التنظيمات لديها مراكز دراسات مخابراتية سرية مثلاً؟ أم أنه يريد أن يتبادل “الداتا” معها، خاصة أن لديه داتا مهمة للشمال السوري وتوجهاته واتجاهاته وتياراته وآليات تفكيره؟ وما نوع تلك المؤتمرات المنتظرة التي ترعاها ميليشيات، هل ستكون علمية بما يكفي لتنال مخرجاتها الثقة.
طريقة محمد سرميني في التعامل مع الزيارة تستفز في الذاكرة السورية تفاصيل حول طريقة تعاطي التنظيم الذي “كان” منتمياً إليه في التعامل مع الجمهور السوري العام
- من الذي أعطى الأوامر لمحمد سرميني كي ينشر الصور في هذا التوقيت؟ ومن أعطاه الأوامر كي يحذفها من حساباته؟ وهل لنشرها في هذا التوقيت، بما أن معلومات صحفية تقول إن الزيارة تمت قبل أكثر من شهر دلالات مبطنة؟ أم أن الأمر لا يتجاوز “نحن هنا” وأنا محمد سرميني يمكن أن أقابل قادة ميليشيات بمراسم بروتوكولية؟
- هل يمكن غضّ النظر عن كون ذلك النشاط جزءاً من الحراك الإقليمي في إطار التنسيق حول الرد الإيراني؟ أم الانفتاح التركي، التي على الرغم من علاقتها القوية جداً مع إيران، إلا أن تعبيد الطريق مع تلك الميليشيات العراقية كان جزءاً رئيسياً من إعادة النظر بالعلاقات التركية مع العراق، نظراً لكون تلك الأحزاب/ الميلشيات، منذ سقوط صدام حسين هي التي تقرر سياسة العراق غالباً، وقد وصف سرميني زيارة أردوغان للعراق بـ “أنها تؤسس لحقبة جديدة بالمنطقة، في حال تم تجاوز العقبات الموجودة ضمن الساحة العراقية”.
- من الواضح أن الصور تشير إلى استقبال بروتوكولي فيه أعلام وجلسة رسمية للتصوير، فهل هي كذلك؟ أم أنها صور للإعلام؟ وهل تم التنسيق مع العلاقات العامة في تلك الميليشيات أم لا؟
- هل تم حذف الصور بناء على الضغط الشعبي المعارضاتي السوري؟ أم بناء على طلب الميليشيات الإيرانية؟ التي من المخجل لها أن تنشر صوراً لقادتها مع جهات معارضة للنظام السوري، بل لجهات يعدها النظام السوري إرهابية؟ أم تأكيد أن إيران هي بيت الأمان لجزء من الإسلام السياسي؟ خاصة أن تلك الميليشيات بالنسبة لكثير من السوريين إرهابية وسرميني والجهة التي يحسب عليها بقرارات النظام السوري إرهابية، فكيف يلتقي إرهابيان، مع الاعتراف بأن مفهوم الإرهاب مفهوم مطاط؟
- هل هناك رسالة موجهة للنظام السوري من تلك الزيارة أن هناك بديلاً لك فيما لو تقاعست عن دورك ؟ خاصة أنه يشاع أن النظام “منع” الإيرانيين من استعمال أرضه لقصف إسرائيل وعد هذا خطاً أحمر، في إطار الرد المنتظر، الذي يبدو أنه سيكون من “المنتظر” العقدي الإيراني!
- هل من رسالة موجهة إلى الهيئات السياسية السورية المعارضة المجودة في تركيا؟ وإشارة إلى أننا يمكننا العمل خارج تلك المؤسسات؟ وأن لنا حضورنا الكبير بحيث إن قادة ميليشيات فاعلة على الأرض السورية يمكن أن يستقبلوننا؟ وهل لهذه الزيارة علاقة بحراك السوريين في السويداء والشمال السوري؟
- لماذا تبدو حساسية السوريين عالية من مراكز الأبحاث، في النهاية: لا بد من عمل سياسي وحوار مع الأعداء للبحث عن حلول، والحوارات السياسية ستكون مع أعداء اليوم أو البارحة؟ أم أن قلوب السوريين من حامض المفاوضات وجدواها “لاوية” لأن المفاوضات بين الجهات غير المتكافئة عسكرياً تستدعي تقديم تنازلات من الطرف الأضعف.
- هل لمثل هذه الزيارة علاقة بما قيل عن طروحات حول نقل ملف التفاوض السوري السوري برعاية أممية إلى بغداد مثلا؟ وهل تمت مناقشة ذلك؟
- هل تندرج تلك الزيارة في سعي السوريين للبحث عن حل محلي، إقليمي، عربي لجوانب من الملف السوري بما أن المشهد الدولي لم يعد يهتم بالملف السوري إلا بصفته مشكلة لجوء وسوريا مكاناً لإنتاج الكبتاغون؟
يقول سوريون: إنه من الطبيعي أن يذهب مدير مركز جسور “المنشق” عن تنظيمه الأم كما يقال للمشاركة بندوة أو مؤتمر، وليس لقادة أجهزة ميليشيات لها قواتها التي تحارب السوريين المعارضين في سوريا؟ وما برنامج الزيارة السري؟ وما هي تلك الشخصيات الأخرى التي التقاها ومن يمثل؟
هل كان محمد سرميني في تلك الزيارة دون حمولات أخرى؟ أي أن الزائر شخص اسمه محمد سرميني فحسب؟ وقتها سنتحدث عن شخص اسمه محمد سرميني قام بزيارة قادة ميليشيات ربما لحصد متابعين، أو إعلامي زار جهات عراقية لها في الذاكرة السورية ما لها؟
ردود الفعل السورية عبر الفيسبوك على الزيارة تستحضر صفات كثيرة لمحمد سرميني إبان عمله في الشأن العام السوري. وبكل أسف، تلك الصفات، إنْ صحت، صفات غير مبشرة بأن الرسائل التي حملها معه في تلك الزيارة رسائل تحمل هموم الشأن العام السوري ببعده الوطني، بل ببعده “التياري”.
بالمفهوم الإعلامي: قد يقول قائل لم لا يتم اللقاء مع محمد سرميني شخصياً وسؤاله مباشرة عن تلك الأسئلة، وللمحللين بعد ذلك أن يحللوا في ضوء إجاباته ودقتها ووضوحها؟
هل هو عدم ثقة السوريين بما يقوله زملاؤهم في العمل؟
السؤال الأهم: هل محمد سرميني ممثل ومؤثر؟ لينشر صورة وبجانبه الكيس الهدية؟ أم أنه يقدم نفسه كمفكر وباحث وإعلامي؟
لماذا لم ينشر تصريحاً إعلامياً عن الزيارة وأسبابها وما ناقشته وما ينتظر منها؟
طريقة محمد سرميني في التعامل مع الزيارة تستفز في الذاكرة السورية تفاصيل حول طريقة تعاطي التنظيم الذي “كان” منتمياً إليه، في التعامل مع الجمهور السوري العام، وهي السرية أو الإهمال أو التجاهل أو التغاضي أو الترفع؟
هناك من يسأل اليوم: لو حاول مجموعة من الأكاديميين السوريين، مثلاً، تأسيس مركز أبحاث في مكان ما؟ فمن سيدعمهم؟ ومن سيمول المركز؟ وهل إقامة مراكز أبحاث تعني الترخيص لها فحسب؟ أم أن الأمر خلفه خطط وتمويل ورؤى وفلسفة وإجراءات وجانب إداري؟
يتحدث علماء الأرض عن عمليات ثلاث متتالية اسمها: “الحت والتعرية والتجوية”، ويقولون في تعريف التجوية أنها: عملية تكشف عن طبقات جديدة من الصخور تحت السطح عندما يتم إزالة الأجزاء العلوية المكشوفة للصخرة يحدث ذلك بسبب انخفاض الضغط بعد إزالة الضغط العلوي، مما يتسبب في تمزق الصخور وتشققها.
هل تجاوز المشهد السوري المعارضاتي اليوم مرحلة الحت والتعرية وصولاً إلى التجوية؟ حيث إن “اللي استحوا ماتوا” وبقوا ثابتين على مبادئهم؟ أو قتلوا في المعتقلات؟
أم أن لكل دوره، فمراكز الدراسات مهمتها غير مهمة المقاتل في الميدان؟ لكن ماذا لو تعدت تلك المراكز أدوارها المعروفة والمكرسة في تقديم المشورة والدراسات والقراءات لتتجاوزها نحو القيام بعمل سياسي؟ أم أن هذا جزءاً من دورها المخفي؟ وما الصبغة “الحيادية” إلا سلوفان أكاديمي كي تكون مقبولة عند جمهور أكبر؟
في كل الحالات، ثمة غموض وحيرة في المشهد السوري المعارض حول “مفهوم مراكز الدراسات ودورها وما تقوم به وتمويلها وأثرها واستراتيجياتها وتداخل أدوارها”، يستدعي مزيداً من الوضوح والشفافية مع الجمهور السوري، أما عن أخطائها وما يقال عن صرفياتها، فهذا، وفقاً لتصريحات إعلامية، ربما ليس شأناً سورياً بقدر ما هو شأن الممول، فإن كان الممول راضياً، فما علاقة الجمهور بذلك؟
وهذا يقودنا إلى احتمالية أن سرميني ربما سافر إلى هناك بحثاً عن تمويل مثلاً، لأن كل مركز أبحاث لا بد له من تمويل والممول دائماً لديه أجندة، لا أحد يمول في سبيل الله، لأن مراكز الدراسات سياسة، والسياسة لها أذرع، والأذرع لا تتحرك إن لم تأتيها الأوامر من الدماغ، والدماغ لديه أفكار ومحركات ومصالح وأفكار وخبرات وصفقات.
المصدر: تلفزيون سوريا