د. مخلص الصيادي
لقد فوت حزب الله والايرانيون فرصة تطبيق نظرية “وحدة الساحات” عقب الهجوم الاسرائيلي على غزة، حينما نفذت المقاومة الفلسطينية هجومها المبدع ” طوفان الأقصى”.
لقد تركوا غزة لوحدها تواجه عدوانا وحشيا، وغير المسبوق يعتمد الإبادة والتدمير الشامل طريقا لتحقيق نصره المشتهى. وما زالت غزة على مدى يقترب من العام تواجه هذا العدوان، وتم التلهي بالمشاغبة على العدو بدل الانخراط في الصراع بشكل جدي وحاسم كما تقتضي تلك النظرية.
ولا أظن أن ذلك تم عن جهل، وإنما سوء تقدير، من القيادة الايرانية التي توجه أطراف ” وحدة الساحات”، وكذلك نتيجة حسن ظنها بوعود أمريكية وصلت عبر جهات متعددة بأنها إذا بقيت ردود الفعل في حدود المشاغبة، أو المؤازرة عن بعد، فإن هذا أكثر فائدة لإيران، وأكثر إتاحة لفرص ضبط الوقائع على الأرض ومنع انفجار كبير، ويمكن من التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة في وقت قريب، ومن شأنها أن تعطي إيران النووية فرصة أرحب لتجاوز مشكلة الاتفاق النووي المجمد، وقد اصطحبت تلك النصائح بتحريك حاملات الطائرات والحشد العسكري الامريكي والغربي غير المسبوق.
وأرجح أن تفعيل نظرية “وحدة الساحات” في ذلك الزمن المبكر، عقب الطوفان، أي قبل أحد عشر شهرا، والتي تعني مشاركة فعلية من”محور المقاومة”، كان من شأنه أن يغير الكثير من المعادلات، ويضع المنطقة كلها أمام مرحلة جديدة، وأن تكون الخسائر أقل، والنتائج أعلى بكثير.
لكن تطبيق وتفعيل نظرية “وحدة الساحات” يعتمد على إيمان حقيقي بالتزام جميع أطراف هذه النظرية، بالقضية الفلسطينية، واعتبارها هي الأساس، وهذا ليس في وارد نظام “ولاية الفقيه”، فالقضية عنده، لا تعدو أن تكون وسيلة لقضية أبعد، ويعتبرها أصحابها بأنها الأهم، وهي التمكين للنظام الإيراني من مد نطاق نظريته إلى كل الشيعة في العالم، ولاستهداف بقية المسلمين وجذبهم إليها، لذلك فإن هذا الهدف هو ما يحدد عملية الصراع والتنافس، وليس مقتضيات الصراع مع العدو والمشروع الصهيوني.
فات الوقت……. ويبدو أن الصهيونية بجناحيها الرئيسيين: الكيان والولايات المتحدة وتابعيهم الغربيين، وغير الغربيين أيضا، باتوا يستفردون بالساحات ساحة إثر الأخرى، وباتوا ينفذون سياسة “إخماد القوى، وإجهاضها”، قبل الهجوم عليها. واستمرار الهجمات على أهداف محددة نوعية في حزب الله يؤكد الاستمرار في تنفيذ هذا الغرض. وسيستمر هذا إلى حين أن يرى الاسرائيليون وحزبهم أنه قد آن الأوان لتنفيذ هجوم حاسم.
ولذلك فإن من المتوقع أن يمتد العدوان والعربدة الاسرائيلية الى الساحات الأخرى، اليمن، والعراق، ومن ثم إيران،
كل باسلوب وطريقة تتناسب مع طبيعته.
وكل يوم يمر على هذا النحو من إدارة الصراع يزيد الاسرائيليين وحزبهم من تحقيق أهدافهم، ويزداد تفكك نظرية “وحدة الساحات” وضياع فرصة تطبيقها.
لا شك أن الاشباك المحسوب بين حزب الله والعدو الصهيوني، وبين الحوثيين وهذا العدو، يؤثر سلبا على المجتمع الاسرائيلي، وعلى الاقتصاد الاسرائيلي، وعلى الجيش الاسرائيلي، لكن هذا التأثير جزئي مهما بدت أهميته ونطاقه، والذي يضخم من هذا الأثر ينسى أن قوة الكيان الصهيوني لا تكمن فيما تتوفر فيه من إمكانات بشرية وعسكرية، وتقنية، وإنما في كونه يعبر عن “مشروع الغرب الصهيوني تجاه أمتنا”، ولأجل ذلك فإن كل ما يخسره هذا الكيان في معاركه يعوض باسمرار بسرعة وبسهولة، وحتى الخسائر البشرية في جيش العدو تعوض بالمرتزقة، والعنصريين “المتطوعين” من كل أصقاع الأرض.
من سابق كان يقال إن “المجتمع الاسرائيلي” لا يتحمل معارك وحربا تستمر لأكثر من فترة محددة، لأن من شأن ذلك أن يعطل الحياة المدنية والانتاجية، لكن حجية ذلك القول سقطت في هذه الحرب التي يشنها العدو على القطاع منذ نحو عام.
مع هذا العدو، ومع هذا المشروع ليس هناك غير الصراع المستمر والمفتوح.
وبعد أن تم تفتيت إرادة الشعوب العربية، ووفى النظام العربي الفاعل دوره في قمع إرادة التحرر والوحدة بين شعوب هذه الأمة، وإخماد أنفاسها، لم يبق هناك غير المجاهدين في غزة وفلسطين الذين يؤمنون بهذا الطريق، ويمضون في السير فيه.
ويدفعون في هذا الطريق أثمانا باهظة نيابة عن الأمة كلها.