مصعب عيسى
على بعد أيام معدودات ستدخل الحرب على غزة عامها الثاني عام حدث فيه ما لم يكن بالحسبان وخارج عن كل التوقعات الإستراتيجية والتحليلات السياسية لتاريخية الصراع العربي الصهيوني.
تداخلت فيه الحوادث بسرعة غير متوقعة وشهدت غزة وفلسطين خصوصا والعالم العربي والدولي مسارات جديدة اعادت النظر من جديد بأهمية ومحورية هذا الصراع الكوني ان صح التعبير فما الذي حدث ؟
لن ادخل في سياقات السرد الاعلامية على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي فالكل متابع بكثب لماجرى ويجري وسيجري سواء كان مهتما بهذا المسار السياسي او لم يكن لكن فظاعة الحرب ووحشية الاجرام الصهيوني في القرن المعاصر الموسوم ليبىراليا بالسير نحو عالم حر وديمقراطي بين قوسين …هي التي أجبرت الجميع على التسمر امام هول ما حدث
تلك الحرب التي اصر على تسميتها الصحيحة بالطوفان الفلسطيني نحو الحرية احدثت الكثير مما لم نكن نتوقعه او بعبارة ادق نخشى مجرد التفكير فيه لفرط اليأس الذي اصاب الحالة الفلسطينية والعربية على حد سواء
لقد كانت المرة الاولى ان يتخذ الفلسطيني قرار البدء بمعركته ضد محتليه تلك المشاهد التي لن تمحوها الذاكرة والتي اصابتنا ككل بحقنة امل وجرعة انتشاء كبيرة بان نرى ثكنات المحتل تحت نعال المقاومة والتي اسفرت عن اسر دفعات كبيرة من جنود ومستوطنين
انه كسر للقاعدة النمطية وتسجيل موقف مشرف ستخلده صفحات التاريخ كما خلدته نشوة في الكرامة وبيروت ..
تداعت الاحداث وتسارعت بشكل لاسابق له بسبب تلك الضربة القاسمة التي وجهها هذا الطوفان الكنعاني والتي ادخلت العالم باسره في حالة صدمة وذهول حقيقين واخذ الاصطفاف يقسم الكون باكمله بين مؤيد لفلسطين وبين مؤيد للاحتلال
قد يقول البعض ان ذاك الطوفان جلب الخراب الى غزة المحاصرة اصلا وادخلها في غياهب الدمار والجوع واللجوء والنزوح وما الى ذلك هذه التحليلات واقعية وغير منكرة ولكن الهدف اسمى واكبر والثمن غال وحالنا كحال كل الشعوب التي دفعت الغالي والرخيص فداء لحريتها وكرامتها وتقرير مصيرها ولنا في التاريخ شواهد حية
لكن الاهم من كل ذلك هو وضع ورد فعل واهداف الطرف المقابل والمتمثل بالاحتلال واعوانه الغربيين والمستعربين فما الذي حققه بعد عام ؟
من وجهة نظر الكثيرين ان الاحتلال لم يحقق هدفا واحدا من الاهداف التي وضعها ابان حربه المستعرة والمستمرة حتى الان
ان كان على صعيد الاسرى الإسرائيليين فهو لم يستطع بعد كل هذا الاجرام ان يعيد اسيرا واحدا بالقوة على العكس هو قام بتنفيذ بروتوكول هانيبال الذي بموجبه يضحي بالاسرى ويعتبرهم في عداد الموتى كي لاتلوى ذراعه فراح يقصفهم بقصد او بدون قصد ليحاول ايهام العالم ان المقاومة قتلتهم لكن سرعان ما كانت تتبدد هذه البروباغندا وتذهب هباءا منثورا الامر الذي اجح الشارع الاسرائيلي ضد حكومة النتنياهو المتطرفة وكانت هنا الخسارة الثانية التي لم تكن بحسبانه فقد كشفت هذه الحرب عن هشاشة ما يسمى بالمجتمع الاسرائيلي وانقسامه للمرة الاولى واندلاع مظاهرات واشتباكات وسط المدن ( الاسرائيلية) تلك المشاهد التي لم نراها يوما ولم نتوفع حدوثها بسبب الترويج الكاذب لاسطورة الشعب اليهودي كما وصفها شلومو ساند وغيره ان هناك إشكالية في الهوية الوطنية ( الاسرائيلية) وستطفو على السطح يوما ما وهذا ماحدث فراحت حكومة نتنياهو تصعد من وتيرة اهدافها اكثر من خلال الترويج والكذب على الشارع الاسرائيلي بان هدف الحرب هو القضاء على المقاومة وهذا الذي يحاول فيه نتنياهو وجيشه الى الان لتحقيقه ولكنه فشل ولم يستطع حتى توثيق اغتياله كما يدعي لاحد قادة الصف الاول للمقاومة في غزة وهنا تكمن الخسارة الثالثة ثم راح يهرب بالوقت نحو اطالة مدى الحرب ومحاولة اسكات الشارع بابرام صفقة مع المقاومة من اجل اعادة المختطفين على حد تسميته لكن تعنته وغطرسته وانفصامه هو من افشل محاولات إبرام اي صفقة لان ذلك سيكتب للمقاومة نصرا بعد ان وضعت شروطها الفلسطينية المنطقية من وجهة نظرها من اجل انجاح الصفقة تلك المحاولات العبثية التي استخدمها النتن ياهو بالاطالة كانت تغرفه اكثر في الوحل الغزي من جهة وتخلخل جبهته الداخلية من جهة ثانية الامر الذي زاد تعقيدا هو اشتعال جبهة الضفة الغربية بعد اكثر من عشرين عاما هذا الذي كاد ان يدخل الكيان في حرب طويلة هو غير قادر عليها لانها حرب مع اصحاب الارض المتجذرين بها وليست حربا كلاسيكية اشبه بالتمثيليات مع جيوش الانظمة هذه الحرب التي نتج عنها الاف القتلى والجرحى من جنود الأحتلال ناهيك عن الازمات النفسية التي اصابت جنوده بعد عودتهم من ازقة غزة وكل ذلك وثقته شبكات ومواقع اسرائيلية
اذا فشل النتن ياهو في تحقيق ابسط انتصار على غزة فراح يبحث عن مخرج لورطته وتخلصه من العقوبات التي تنتظره في المحاكم الاسرائيلية فتاه من جديد والقى بجيشه على حدود فلسطين المحتلة شمالا ظنا منه ان هذا التحرك ربما يكسب بها مزيدا من الوقت ومحاولا اظهار نصر موهوم في جنوب لبنان وعند سارة الخبر اليقين …
على الصعيد الدولي لم يكن الاحتلال اكثر رياحة بعد ان سارعت حكومة جنوب افريقيا برفع دعوى ضد الابادة الجماعية والذي حفز كثير من الدول الغربية وغيرها بالانضمام الى صف جنوب افريقيا وهي مرحلة وان كانت شكلية فقد وضعت إسرائيل ولو حبريا في دائرة الاتهام والاجرام والعقوبة الدولية
فراحت كثير من الدول تسارع للاعتراف بدولة فلسطين وهذا الاعتراف الذي لطالما بحثنا عنه في اروقة المفاوضات والتسويات ولم نجد له اثرا..وحدها المقاومة من فرضت وصنعت تلك الظروف الدولية لاهمية الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولته بل اكثر من ذلك راح كثير من القادة والاحزاب والشخصيات العالمية باعادة القضية الفلسطينية الى اسها الاول ومأساتها الاولى من خلال النحدث عن التطهير العرقي والاحتلال والاجرام الذي لم يبدا في السابع من أكتوبر بل بدا قبل خمسة وسبعون عاما اي اخذت النكبة طريقها بالظهور مجدداَ في ساحات العالم وعواصمه التي اشتعلت ولاتزال بهدير المظاهرات المليونية المناهضة للابادة الجماعية والمناصرة للحق الفلسطيني فيما كانت شعبية المحتل تنهار عالميا مع تفعيل ظاهرة المقاطعة لكل ماهو اسرائيلي او داعم لاسرائيل
راح الشارع العالمي يتلون بالعلم الفلسطيني والعواصم تتزين بالكوفية واللتان اصبحتا رمزا عالميا في نشاط سياسي كان او اجتماعي او نقابي وهذا بحد ذاته انتصار
لقد حاولوا طمس فلسطين وقتلها ومحوها فأصبح العالم كله فلسطينيا…
وللحلم بقية .