عمر كوش
تابعت أوساط السوريين باهتمام سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية، الذي أفضى إلى فوز دونالد ترامب مجدّداً، ما أثار تكهنات بشأن ما يمكن أن يفعله ترامب حيال الوضع في سورية، استناداً إلى مواقفه خلال فترة رئاسته الأولى، ومقارنة بمواقف إدارة الرئيس جو بايدن، التي لم تولِ اهتماماً يذكر بالحل السياسي للقضية السورية، وحصرت سياستها بالجانب الإنساني ومنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأبدت معارضة للتطبيع مع نظام الأسد، لكنها وراء الكواليس خفّفت الضغوط عليه. وكشفت أخيراً تقارير وسائل إعلام أميركية عن تنسيق بين الإدارة الأميركية وإسرائيل، يهدف إلى التعاون مع نظام الأسد لتحجيم النفوذ الإيراني في سورية.
تجد تكهنات السوريين مبرّراتها وحيثياتها في التأثير البالغ الذي يمكن أن يمارسه “ترامب الثاني” في القضية السورية، بوصفه رئيس الولايات المتحدة، القوة الأعظم. لذلك أطلقوا العنان لتصوراتهم من أجل استشراف التغيرات والتحولات المحتملة في السياسة الأميركية تجاهها، على الرغم من أنه يصعب التكهن بالسياسات والمواقف التي يمكن أن يتخذها ترامب في أثناء رئاسته الثانية، بالنظر إلى اختلاف الظروف بين الفترتين، ووجود بعض الشخصيات التي تحابي نظام الأسد، مثل عضو الكونغرس السابق تولسي غابارد، التي زارت دمشق في عام 2017. ومع ذلك، رحبت أوساط المعارضة “الرسمية” بفوز ترامب، لأنها تبني مواقفها على أن المسؤولين الجمهوريين كانوا على الدوام أشد حزماً حيال نظام الأسد من نظرائهم الديمقراطيين، ومن ثم، لا تخفي أوساط من المعارضة انحيازها إلى سياسات الحزب الجمهوري، وإلى الرئيس ترامب بشكل خاص، على خلفية المقارنة بين تعامله مع النظام السوري وتعامل الرئيس جو بايدن وقبله باراك أوباما معه، وتنظر بـإيجابية إلى مواقف اتخذها خلال ولايته الرئاسية الأولى بشأن سورية، ومنها وصفه بشّار الأسد بـ “الحيوان”، وتوجيهه ضربة صاروخية على مطار الشعيرات العسكري في 7 إبريل/ نيسان 2017 رداً على مجزرة بالسلاح الكيميائي التي ارتكبها النظام على مدينة خان شيخون، ومصادقته على قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على النظام السوري، بعدما وافق عليه مجلسا النواب والشيوخ في الكونغرس، ثم أصبح قانوناً نافذ المفعول في ديسمبر/ كانون الأول 2019.
يذهب عديدون من السوريين إلى التساؤل عن مصير القوات الأميركية في سورية، وعمّا إذا كان ترامب سيعيد طرح موضوع انسحاب القوات الأميركية من سورية، ويضعه على جدول أعماله، إضافة إلى التساؤل عن موقف المؤسّسات الأميركية حيال هذا الموضوع، وهذه ضغطت في السابق من أجل الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي إلى حين إنهاء الوجود الإيراني فيها، ومنحت إسرائيل الدعم من أجل الدفع بذلك. ولعل الانسحاب الأميركي من سورية يلبي رغبة أبداها ترامب الأول في فترة رئاسته السابقة، وتهدف إلى الخروج من “الحروب السخيفة التي لا نهاية لها في سورية”، في إطار رؤيته بالانسحاب الكامل من المنطقة.
المرجّح أن تستغل القيادة التركية عودة ترامب من أجل الدفع بالانسحاب الأميركي، وإطلاق يدها للقيام بعملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية للقضاء عليها
قد يكون ترامب الثاني أكثر تحرّراً من الضغوط التي كان يواجهها في فترته السابقة، وبما يمكّنه من تنفيذ ما يراه مناسباً، والانسحاب من العراق وسورية هذه المرّة. وتساعده في تحقيق ذلك الأغلبية التي حازها الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ (ومجلس النواب)، إلى جانب اختياره جاي دي فانس نائباً له، الذي يلتقي مع ما يفكر فيه في هذا السياق، إذ إن فانس من دعاة الانسحاب من العراق وسورية. ومن ثم، الخاسر الأكبر من فوز ترامب في الرئاسة الأميركية هو حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، ومخرجاته المدنية ممثلة بمجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، والعسكرية ممثلة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إذ تتخوّف جميعها مما سيقدم عليه ترامب الثاني من خطواتٍ لن تكون في صالحها، خاصة في حال سحبه القوات الأميركية من مناطق سيطرتها، الأمر الذي يتركها في مواجهة تركيا ونظام الأسد. والمرجّح أن تستغل القيادة التركية عودة ترامب من أجل الدفع بالانسحاب الأميركي، وإطلاق يدها للقيام بعملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية للقضاء عليها، معوّلة على العلاقة الشخصية التي تجمع الرئيسين أردوغان وترامب، إضافة إلى التفاهمات التي عقداها خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، وأسفرت عن قيام الجيش التركي بعملية غصن الزيتون في بداية عام 2018، وأسفرت عن سيطرة الجيش التركي على منطقة عفرين، ثم عملية نبع السلام، وأفضت إلى توغله في مناطق سيطرة “قسد”، وسيطرته على الشريط الحدودي ما بين بلدتي تل أبيض ورأس العين في عام 2019.
غير أن أوساطاً سورية أخرى تشكك في فائدة ما ستكون عليه سياسة الرئيس ترامب حيال القضية السورية، انطلاقاً من أن كل ما قام به من مواقف في فترة رئاسته الأولى كان يصب في مجال استثماره الشخصي، وبُنيت على الاستعراض والتشاوف، بدءاً من الحرب على الإرهاب، التي أعلن فيها النصر النهائي على تنظيم داعش، في حين أن خلايا التنظيم الإرهابي ما تزال في البادية السورية وغيرها، وصولاً إلى سعيه إلى إنهاء الوجود الإيراني في سورية الذي لم تأت أكله. أما مواقف النظام ومؤيديه فتتمحور حول الاطمئنان إلى أن النظام باق في السلطة، مهما اختلفت الإدارات الأميركية وتعاقبت، بحسب ما أثبتت التجربة.
تخفي تكهنات السوريين بشأن مواقف ترامب الثاني أماني كثيرة، بسبب انسداد الأفق السياسي، وتبعات استمرار أوضاعهم الكارثية
من المبكر الحديث عن سياسة ترامب الثاني حيال الملفّ السوري وملفات المنطقة، وفي انتظار اتضاحها، فإن الجميع في حالة ترقّب ما ستحمله ولايته، خصوصاً في ظل الحروب المستعرة في المنطقة، وقد وعد في حملته الانتخابية بالعمل ليس فقط على إنهائها، بل إنهاء جميع الحروب في العالم، ومن ثم، يطرح السؤال عن الثمن المقابل، ومن المستفيد؟ لكن، الأهم من ذلك كله كيفية توظيف الهيئات الممثلة للسوريين المتغيرات، إذ عليها القيام بالعمل اللازم، بصرف النظر عن السياسة التي ستتعامل بها إدارة ترامب الثاني مع الملف السوري.
تخفي تكهنات السوريين بشأن مواقف ترامب الثاني أماني كثيرة، بسبب انسداد الأفق السياسي، وتبعات استمرار أوضاعهم الكارثية، وخيبات الأمل التي أصيبوا بها، والإحساس بالعجز، والتعويل على الآخرين. لكن ذلك كله لن يؤثر في التوجّهات الأميركية، التي تُرسم وفقاً لحسابات أميركية قبل أي شيء، خاصة أن القضية السورية لا تمثل أولوية للسياسة الخارجية الأميركية، التي يحدّدها الرئيس آخذاً في الاعتبار جملة اعتبارات وعوامل، في مقدّمتها المصالح الأميركية ومصالح داعميه، خاصة أصحاب الشركات الكبرى، ومجموعات الضغط المؤثرة على صانع القرار.
المصدر: العربي الجديد